من هم الذين لا يأكلون المقرمشات؟!
حسين شريعتمداري
1 – انتاب مفتش المدرسة القلق على صحة الطلاب اذ ادمنوا تعاطي نفخة البطاطا والمقرمشات، وكأنه لا يوجد اكل آخر غير هذه النفثات! ولم تجد نصائح المفتش المتتالية بخصوص مضار هذه المقرمشات نفعاً.
وذات يوم خطرت في ذهنه فكرة سديدة وتنم عن مدى رحمته بحال الطلاب، ووجه اللوم لنفسه ان لماذا لم يسارع من قبل لمثل هكذا رأي صائب!.... فقرر انه بدل ان يوجه الوعظ والنصيحة ان يتصرف بشكل عملي، فاقتنى منذ الصباح عدة علب من هذه المقرمشات واخبر الطلاب باننا سنذهب اليوم في سفرة مدرسية لاحدى القرى، وحين وصلوا القرية، طلب منهم ان يلتفوا حوله، وفتح علب المقرمشات ووضعها في صحن كبير، وبينما استغرب الطلاب لهذا التصرف من استاذهم الذي وضع الصحن أمام حمار في المزرعة، فنظر الحمار للصحن ولم يعر اهمية لما فيه اذ اطرق رأسه بعد أن شم رائحة نفخات البطاطا فلم ترق له، معلناً انها غير صالحة للأكل. فأنبسط المفتش لهذا وقال للطلاب متسائلاً: حسناً طلابي الاعزاء! ما الذي توصلتم اليه من هذا الاختبار العلمي؟ فحار الطلاب في الاجابة حتى قال احدهم: نستنتج ان من لا يأكل نفخة البطاطا حمار!!... فأخذت المعلم الدهشة عاضاً على أنامل الحيرة من هذا الجواب و.....
2 – ان مئات الشواهد والامثلة والتقييمات العلمية والعملية، عكست بوضوح بأن التفاوض مع اميركا هو العنوان والترجمة الباطنية للتسليم أمام الاستبداد والعنجهية الاميركية وطلبها للاتاوات.
ولب الكلام وخلاصته فان المفاوضات مع اميركا تعني الرضوخ لرقية الشيطان الاكبر، وهذا الامر من البداهة بمكان بحيث لا يبقى مجالاً للشك. فمن ينكر بان اميركا لم تكن ملتزمة لاي من تعهداتها – واؤكد لأي منها- ؟!.. ورغم ذلك فأن بعض ادعياء الاصلاح والمتأثرين بالغرب ولمدة مديدة، يرددون في تصرفاتهم واقوالهم مع وضوح ابعاد خيانة القضية واثارتها للشكوك، يرددون قضية التفاوض مع اميركا من خلال اقلامهم وعلى السنتهم! وفي المقابل يلتزمون الصمت امام تساؤل وهو ان يشيروا لنقطة ايجابية ولو واحدة لهذه المفاوضات!
3 – ان ما جرى في البيت الابيض ليل الجمعة، وما وجه ترامب من اهانات قبيحة الى زيلنسكي الذي كان يعتبره الجميع الخادم المطيع لاميركا – ولهم الحق في ذلك – قد اماط اللثام عن الوجه الحقيقي لاميركا حتى لاولئك الذين يفتقدون الحنكة السياسية .
ان زيلنسكي رئيس جمهورية اوكرانيا قد دخل بأمر من اميركا في حرب مع روسيا وتسبب الى الان في مقتلة اكثر من 300 ألف مواطن اوكراني، اضافة لاصابة مئات الالاف بجروح وعاهات، وحول البلد الى خرابة...
فيما كان وزير دفاع اميركا "لويد استين" قد قال حينها: "ان هدفنا من حرب اوكرانيا تدمير الجيش الروسي وكنا بحاجة للوصول الى هذا الهدف الى تقتيل الشعب الاوكراني"!... ان زيلنسكي كان قد وصل واشنطن الجمعة ليلاً بدعوة من ترامب ليس لاجل التفاوض وانما لتقديم مناجم المعادن الاوكرانية الثمينة الى اميركا. فيما كان تصرف ترامب مع خادمه القن على درجة من القبح والوقاحة ان تعالت الى السماء اعتراضات اصدقاء وحلفاء اميركا المقربين.
4 – واثر الواقعة المشينة ليل الجمعة في البيت البيضاوي، كان المتوقع من ادعياء الاصلاح لاجل اصرارهم على التفاوض مع اميركا، ان يذوبوا خجلاً وتتقاطر على جباههم رشحات العرق! إلا ان رد فعل بعضهم يحكي أمراً آخر! فبدل ان ينتابهم الحياء سعوا الى الدفاع عن التفاوض مع اميركا كما في السابق! على سبيل المثال فهم يدّعون ان "مشاجرة زيلنسكي وترامب اثبتت انه مادام هنالك ورقة نمتلكها فينبغي ان نتفاوض!..." أو:"ما الاشكال ان نلجأ مثل زيلنسكي الى التفاوض ونطرح مطالبنا!".
5 – وبالتالي فأن القصة تطول وقد تناولنا كراراً وبشكل موثق ابعاد المسألة واثبتنا انه بالرغم من مئات الادلة والتجارب فان التفاوض مع اميركا، اما حماقة أو خيانة! وينبغي ان نذكر الحماقة بأنها الوجهة الاكثر تفاؤلاً.