اعتراف باراك يفضح العجز الاسرائيلي
جهاد حيدر
أثارت المواقف والتسريبات التي كشف عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك - والتي أكد فيها أن "إسرائيل" بحثت على الأقل ثلاث مرات مهاجمة إيران ثم تراجعت - أصداء سلبية وانتقادات واسعة في الكيان على المستويين السياسي والإعلامي.
ومن أهم ما أورده باراك أمام صحفيين يقومان بتأليف كتاب عن سيرة حياته "حروب حياتي"، أنه خلال أعوام 2010 – 2012، بحثت "إسرائيل" مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. في المرة الأولى، عام 2010، كان التراجع بسبب ادعاء رئيس أركان الجيش غابي اشكنازي بأن "إسرائيل" غير جاهزة لتنفيذ مهمة كهذه. وفي المرة الثانية، عام 2011، بسبب معارضة وزراء من داخل المجلس الوزاري المصغر، وعلى رأسهم موشيه يعلون ويوفال شطاينتس، بما حال دون توفر الاغلبية الوزارية المطلوبة. وفي المرة الثالثة، عام 2012، بسبب العامل الاميركي، وتم ربط ذلك بمناورة للجيش الاميركي.
بقدر ما لا تهمنا العوامل الذاتية التي دفعت باراك، وبالصورة التي قدَّم فيها تراجع القيادة الاسرائيلية عن المبادرة، فإنه أراد حقيقة أن يبرئ نفسه من النتائج التي آلت إليها المفاوضات النووية، وأن يلقي المسؤولية على الآخرين الذين لم يتجاوبوا مع دعوته، ونتنياهو، إلى مهاجمة المنشآت النووية. لكن على خط موازٍ فإن ما أعلنه ينطوي على العديد من الرسائل والابعاد التي ينبغي التوقف عندها:
ايهود باراك
ما كان معروفًا من خلال تسريبات وسائل الاعلام الصهيونية، عن اختلافات داخل القيادة السياسية، وبينها وبين القيادة العسكرية، حول خيار مهاجمة المنشآت النووية الايرانية، بات الآن مؤكدا بشكل رسمي وعلى لسان من كان يتولى منصب وزير الامن في ذلك الحين، مع قدر من التفصيلات الهامة.
مع ذلك، ينبغي القول أن باراك، ربما، لم يقدم جديدا لجهة تأكيده أن خيار مهاجمة المنشآت النووية الايرانية كان مطروحا على طاولة صناعة القرار السياسي والامني في تل ابيب، في ذلك الحين. وكل هذه الانقسامات كانت معروفة بشكل عام، بل إن مواقف الكثير من الشخصيات المؤيدة والمعارضة للخيار العسكرية كانت معروفة أيضًا. لكن باراك قدم معطيات تفصيلية محددة، اظهرت كم كان ذلك الامر خاضعا للنقاش وكيف تمحورت حوله الاراء المؤيدة والمعارضة.
كان باراك واضحا في كلامه، الذي اكد فيه أن الكيان كانت مردوعا وعاجزا عن مهاجمة المنشآت النووية الايرانية بعيدا عن دعم ومشاركة الولايات المتحدة الاميركية. وهو ما اوضحه عندما لفت إلى ان "شطاينتس" و"يعلون" "ذابا" لدى سماع عرض رئيس اركان الجيش بني غانتس في العام 2011 حول الاخطار والمشاكل والعقبات والتداعيات.. الامر الذي دفعهما إلى معارضة الخيار العسكري.. والامر نفسه ينسحب على العام 2010 عندما اعتبر اشكنازي أن الجيش غير جاهز. اما في العام 2012، فاوضح باراك أن العامل الاساس يعود إلى الاميركي المعارض.. الامر الذي يؤكد مرة اخرى بأن العدو لا يستطيع التفرد بقرارات عسكرية كبرى تطال تداعياتها المنطقة برمتها.. وكل ذلك، بسبب ادراك الجميع بأن أية حماقة إسرائيلية أو غير إسرائيلية من هذا النوع كانت ستؤدي إلى ردود عسكرية متناسبة تطال العمق الإسرائيلي والمصالح الاميركية في المنطقة.
في كل الأحوال وأيا كانت السيناريوهات والتفسيرات، من المؤكد أن الاحتلال ارتدع عن الخيار العسكري، الذي طالما لجأ إليه في حالات مشابهة، سواء في العراق عام 1981، وسوريا عام 2007، لكنه امتنع عن تكرار ذلك في مواجهة ايران لادراكه أن تداعيات هذا الخيار ستكون أكبر من أن تحتملها "إسرائيل" لوحدها. ونتيجة هذه التقديرات اختلفت المقاربات داخل الساحة الإسرائيلية على المستويين السياسي والعسكري.