رؤيتنا المختلفة عن اميركا نحو المفاوضات
سعد الله زارعي
ان المفاوضات غير المباشرة بين ايران واميركا بعد طلب واصرار اميركي وبالذات من قبل نفس "دونالد ترامب" قد تخطت جولتها الثانية اول امس في روما حازت اهمية بالتزامن مع مسار الدبلوماسية على مستوى المنطقة والعالم، فالرسائل واللقاءات تعكس ذلك. من هنا ولما لا يمكن الثقة باميركا في الجو الدبلوماسي وهذا يدفعنا لنشكك كثيراً في نتائج المفاوضات، ومع ذلك فأن نفس هذه المحادثات اكتسبت اهمية بحيث ان سائر التحولات الدولية دفعت للحاشية خلال الاسبوع الاخير ودليل ذلك مكانة الجمهورية الاسلامية.
وهنا نتطرق لمسائل:
1 – ان ترامب حين اخرج اميركا عام 2018 بأمر تنفيذي من خطة العمل المشتركة شدد على ضرورة التوصل لاتفاق أفضل مع ايران ولطالما وعد ان ايران مستعدة لاتفاق افضل وسيتم التوصل لمثل هكذا اتفاق جديد.
وحين دخل المعترك الانتخابي العام الماضي اعاد الكلام عن ضرورة التوصل الى اتفاق مع ايران. وبعد ان فاز في الانتخابات بقي مصراً على هذا الاتفاق الجديد في الوقت الذي لم يكن للجمهورية الاسلامية اي امل بالمفاوضات لاسيما مع ادارة ترامب. على ذلك فأن الاجواء بين انتخاب ترامب في فبراير والى القبول بطلبه في ايران تحول الى ثنائية الاصرار – والانكار. فتأكيد اميركا على التفاوض يعكس ان لا طريق مثمر والان وقد اتشحت المفاوضات بماهية تكتيكية تحولت الى هدف. وعليه فأن المقربين من ترامب وضعوا الامور المتعلقة بايران في خانة التفاوض كي يتم التوصل الى اهدافهم الاساس حيال ايران.
في هذه الاثناء يكشف ترامب عن اصدار رسالة لم تسود بعد؛ فهذه الرسالة السرية تتمتع باختلاف عن التصريحات العلنية وموضوعها يقتصر على البرنامج النووي الايراني كي تستأنف المفاوضات وتبدي ايران رغبة في ذلك. في الحقيقة ان ما اعرب عنه ترامب في رسالته وعن طريق مبعوثه الخاص "ستيف ويتكوف" في المباحثات الاولى في عمان اكثر بعداً عن خطة العمل المشتركة وعن المطالب التي كان الاوروبيون يصرون عليها في اطار 5 + 1 من ايران!
هذا في الوقت الذي كان ترامب يقول ان الاتفاق زمن اوباما كان سيئاً وفي ادنى المستويات ولابد من اتفاق أقوى وأدوم. تأسيساً على ذلك قيل ان القضية الاساس لترامب هي ان الاتفاق النووي بين اميركا وايران تسجل باسمه ولذا هو مستعد لتقديم امتيازات ليتم التوصل لهكذا اتفاق. وبالطبع لا يمكن القول ان اميركا الترامبية ستستمر في نفس النهج بخصوص ايران. فلا يستبعد ان يقدم ترامب ومبعوثه خلال المباحثات الآتية على مطالب غير مقبولة.
الامر الموجه هو ان ترامب حالياً جاء ليقول انه يقبل ببرنامج تخصيب اليورانيوم في ايران وما يقلقه هو تحويله الى مسار غير سلمي. ولنفترض ان ترامب يكذب ولا يمكن الوثوق به، ففي الاجواء التي يكشر الخصم عن صورة عازمة على حل الامور وقد ألفت الرأي العام بهذا القرار. فما على الجمهورية الاسلامية من رد تبديه كي لا تقع في فخ خبيث نصبه الجانب الآخر؟
2 – ان الجمهورية الاسلامية قد اتخذت اذكى المواقف. فسماحة قائد الثورة – دامت بركاته – خلال بياناته المتتالية قال ان اميركا غير موثوق بها وليس من الشرافة بمكان ان نتفاوض معها. فالمفاوضات لا تحل اي من مشاكلنا وهي تعقد ما استعصي من الوضع الاقتصادي في البلد، فهذه البيانات قد خفضت من سعر السلع التي ارادت اميركا ان تبيعها لايران بأغلى الاثمان، حتى ان ترامب في رسالته قد اكد بعنايته في حل القضية النووية مع ايران ولا يصيبها الضرر.
في ظل هكذا اجواء التي حسب اميركا هي مفاوضات قيمة جداً وحسب ايران هي غير مهمة، فان الجمهورية الاسلامية وبذكاء طالبت برفع العقوبات على ايران في قبال ضمانة سلمية النشاطات النووية، وقبل الجانب الاميركي بمعادلة واحد مقابل واحد. في ظل هذه الاجواء قبلت ايران بمفاوضات غير مباشرة وهو ليس بالامر الجديد اذ خلال عشرين عاماً "2003 – 2022" كان معمولاً به سواء بخصوص البرنامج النووي الايراني أوأمور اخرى.
3 – ولماذا مفاوضات غير مباشرة؟ان التفاوض غير المباسر أمر معمول به في العالم. فالكثير من الدول ترغب ان تتباحث مع عدوها عن طريق طرف ثالث. انه في الحقيقة نوع من توجيه الاهانة لاميركا، ومن هنا كان ترامب يصر على ان تكون المفاوضات مباشرة.
وفي نفس الوقت ينبغي الاقرار بأمر انه بالتأكيد على ان تكون غير مباشرة يعكس الوضع عند الايرانيين انه في حال القبول او في حالة عدم القبول سواسية،وتقول للعدو انه اذا كانت المفاوضات بالنسبة لك ستراتيجية فانه بالنسبة لي هو موضوع بين عشرات المواضيع وما تطلبه ويهمك من عنوان المفاوضات اطلبه وما يهمني من مخرجاته، ولا افكر حين التفاوض سوى بالطمأنينة من التوصل الى مخرجات مناسبة، وفي نفس الوقت فان المفاوضات غير المباشرة توفر لبلد مثل ايران لم تواجه خلال ما يقرب من خمسين عاماً غير الشر ولذا فان ايران تقلب الامور بروية لتصل الى القرار الافضل.
4 – وخلال هذه المفاوضات والتي كانت اوروبا – وهي نصف 5 + 1 – تتمتع بمحورية قد وضعت جانباً اي انها شطبت عملياً. انه اجراء واقعي وحكيم اذ ان اوروبا منذ ان دخلت هذا البرنامج لم يصدر منها سوى الشر تجاه ايران. فيما لم تحصل بعض حكومات المنطقة المحظية لدى اميركا على دور، وفي الحقيقة ان المفاوضات من جهة تشكلت في أجواء التواصل الاولي بمحورية بلد صديق واحد – عمان – ومن جهة ثانية فان المعسكر السابق الغربي قد فشل في فندق كوبورغ و... وهذا الموضوع يمكن ان يحرك الحوار ليؤدي الى تحسين وضع المفاوضات.
5 – ان المفاوضات الحالية تنعقد من قبل ممثلين خاصين، في نفس الوقت فأن الممثل الايراني الخاص وهو وزير الخارجية ويمكنه الاستفادة من الخبراء لمسار العمل. وهذا الموضوع يبين مدى حساسية المفاوضات للجانبين.
ان ايران هي مركز جعل عالمية شعار "الموت لاميركا" وحاملة لواء اخراج اميركا من المنطقة. من جانب آخر فأن الجانب الاميركي هو العدو الاقوى للجمهورية الاسلامية، ولربما لم تشهد طاولة المفاوضات في اي مرحلة تاريخية هكذا اعداء على جوانبها! من هنا فان العالم ينظر الى هذا الحدث كموضوع غير طبيعي وخاص. والامر المفرغ عنه فان العالم لا يتوقع ان يغير هذان العدوان وضعهما وتنتهي حالةالعداء بينهما.
ان هذا المشهد من زاوية نظر عالمية هو محك اقتدار الجانبين. فالاميركان لاجل تحميل رؤيتهم، يؤكدون على ضعف ايران بسبب التحولات لعام سبق ومن جانب اخر تضخيم موضوع الحؤول دون حصول ايران على السلاح النووي – وهو اساساً ليس من برنامج ايران- ! وفي المقابل تؤكد ايران على رفع العقوبات كحق طبيعي وتطالب من العدو جدولة زمنية لذلك. والعالم يرتقب؛ هنالك طرف شيطاني وطرف توحيدي يتواجهان في الظاهر دبلوماسياً، فالنصر في هذا المضمار مهم. ولكن الحقيقة هي ان اي نتيجة لا تؤدي الى تغيير عداء الاستكبار لشعب ايران المطالب للحق، وليس هناك شيء يدفع الشعب الايراني لارتكاب أي خطأ.