عراقجي: ايران اثبتت ان الاعتماد على الآخرين خطروخطأ استراتيجي
*مسارنا لا يعتمد على الدعم المشروط من القوى العالمية ولا الوعود الدبلوماسية الهشة ولا التهديدات الخارجية
*الخلاف الأخير في البيت الأبيض ليس مجرد خلاف عادي بل تصدع عميق يتسع داخل النظام الدولي
طهران-مهر:- كتب وزير الخارجية في مذكرة تشير إلى الخلاف الأخير بين ترامب وزيلينسكي: "في بعض الأحيان، يمكن لاجتماع رسمي أن يكشف الحقائق المخفية في قلب السلطة أكثر من مئات التصريحات الدبلوماسية".
وكتب عباس عراقجي في مذكرة في إشارة إلى اللقاء الأخير بين رئيسي الولايات المتحدة وأوكرانيا: "السياسة ليست لعبة بسيطة". في بعض الأحيان، يمكن لاجتماع رسمي أن يكشف أكثر من مئات التصريحات الدبلوماسية حول الحقائق المخفية داخل السلطة.
لم يكن الخلاف الأخير في البيت الأبيض بين دونالد ترامب، وزيلينسكي مجرد خلاف عادي؛ لقد كشف هذا الحدث عن تصدعات عميقة تتسع داخل النظام الدولي.
هناك الكثير من التكهنات حول هذه الحادثة. هل تم التخطيط لهذا الصراع عمدا؟ أم أن الأمر خرج عن السيطرة؟ فهل كان الهدف إرسال رسائل داخلية وخارجية، أم كان مؤشرا على فشل آليات التنسيق في السياسة الخارجية الأميركية؟ ومن المؤكد أن هذه الحادثة قدمت صورة لعالم فوضوي حيث لم تعد القرارات تُتخذ في فراغ.
منذ سنوات، عملت واشنطن على ترسيخ مكانتها كمركز لصنع القرار في العالم الغربي. ولكن اليوم لم تعد هذه المركزية بلا منازع. ويشكل الخلاف الذي اندلع في قلب البيت الأبيض رمزاً للترددات الاستراتيجية، وعدم اليقين الدبلوماسي، والخلافات التي لم يتم حلها داخل الكتلة الغربية.
دخلت إدارة ترامب ساحة السياسة العالمية تحت شعار استعادة "السلام السريع". الوعد الذي اعتبره كثيرون متفائلاً أكثر من اللازم أصبح الآن يشكل ضغطاً مضاعفاً على الرئيس الأميركي ونائبه. ويواجه ترامب ونائبه تحديا حقيقيا: هل سيتمكنان من الوفاء بالتزاماتهما في ظل وضع تتضمن فيه الحرب مصالح العديد من الجهات الفاعلة؟
وفي ظل هذه الأجواء المضطربة، تدرس الجمهورية الإسلامية الإيرانية التطورات بعناية وحذر. إن الاضطرابات في السياسة الدولية تضر دائما بالاستقرار والأمن العالميين.
وعلى النقيض من العديد من الجهات الفاعلة المنخرطة في التوترات اللفظية والسياسات المتسرعة، فقد أكدت إيران دائمًا على المبادئ التي تركز على الاستقلال والاحترام المتبادل وتجنب الانخراط في خطابات غير بناءة.
ولكن استقلال إيران ليس حادثًا أو نتيجة لشروط مفروضة؛ بل كان ذلك خياراً واعياً، وقراراً استراتيجياً، ومبدأً ثابتاً في السياسة الخارجية للبلاد. وعكس بعض البلدان التي سعت إلى تحقيق أمنها واستقرارها من خلال الاعتماد على القوى الأجنبية، فقد أدركت إيران منذ فترة طويلة أن الاعتماد لن يؤدي إلا إلى عدم الاستقرار وفقدان السيادة الوطنية. إن الأمن الحقيقي لا يأتي من دعم القوى من خارج المنطقة، بل من القدرة المحلية، والاعتماد على القدرات الوطنية، والاعتماد على الشعب. ولهذا السبب اختارت إيران طريقا مختلفا؛ مسار لا يعتمد فيه مصير البلاد على قرارات الآخرين، وتتشكل السياسات على أساس المصالح الوطنية، وليس في ظل النصائح الأجنبية.
إن الحفاظ على الاستقلال له ثمن دفعته إيران دائمًا. منذ الأيام الأولى للثورة الإسلامية، كانت الضغوط الاقتصادية، والعقوبات، والتهديدات العسكرية، والحروب بالوكالة كلها مصممة لتحويل إيران إلى طرف تابع في النظام الدولي.
ولكن إيران، خلافا لتوقعات أعدائها، بقيت ثابتة وأظهرت أنها لن تستسلم للضغوط فحسب، بل ستواصل مسيرتها نحو التنمية والتقدم بالاعتماد على قدراتها الداخلية. لقد أصبح هذا الاختيار الواعي مبدأً: إيران لا تشتري أمنها، بل تبنيه. نحن لا نعتمد على الآخرين لدعمنا، بل ندافع عن أنفسنا بالاعتماد على معرفتنا الداخلية وقوتنا وقدراتنا.
لقد اختارت إيران طريقها الخاص منذ سنوات، وهو طريق لا يعتمد على الدعم المشروط من القوى العالمية، ولا الوعود الدبلوماسية الهشة، ولا التهديدات الخارجية، كأساس لاتخاذ القرار. ما هو مهم بالنسبة لإيران هو الحفاظ على استقلالها، وتعزيز قدراتها الداخلية، والمضي على المسار المبني على المصالح الوطنية. وفي عالم تنخرط فيه القوى في نزاعات ومنافسات متقلبة كل يوم، أثبتت إيران، بثباتها في سياساتها، أن الاعتماد على الآخرين ليس خطراً فحسب، بل خطأ استراتيجياً أيضاً.
هذا هو الدرس الذي علمنا إياه التاريخ مراراً وتكراراً، ولم نحافظ عليه فحسب، بل سننقله أيضاً إلى الأجيال القادمة.