الثورة التي تنتصر
مازالت ابعاد الثورة الاسلامية الايرانية عصية على الالمام والتأطير، فكما لم يدرك المنظرون الاجانب جوهر الثورة لفقدانهم اصلاً الرؤية الثقافية والموسوعية في فهم الرسالة الدينية حيث المتأصل عندهم هو الكهنوت المسيحي، ولا نتوقع من هؤلاء ان يفقهوا تعاليم الاسلام المحمدي الاصيل، صعب على الليبراليين والعلمانيين كذلك ان يحسنوا الظن بأساس قيام الشعب الايراني.
فيما ضاقت آفاق رؤية المتكتلين ضمن حزب أو حركة عندما ارادوها مغنماً سريعاً بتطابقها مع حالات عايشوها في مناطق اخرى. فشمولية الثورة بعدم اعتمادها على طبقة دون اخرى او حتى انحيازها لدولة ومحور عالمي، كانت اللغز الذي صعب على المنظرين والسياسيين المخضرمين ان يفكوه لعقود متطاولة. اذ بعد 46 عاماً على انتصار الثورة الاسلامية ما انفكوا يحسبونها على الشرق حيناً وعلى الغرب اخرى.
صحيح كتب الكثير من الكتب والدراسات والاطروحات عن الثورة الاسلامية، الا انها في المجموع تحدق بعين واحدة، إما للحالة الدينية المتجذرة في ايران ومكانة رجال الدين فيها، او لطغيان الشاه والحالة الاقتصادية السيئة لفئات الشعب، فكانت اسقاطات الثورات الماضية حاضرة في مكنون اذهانهم، سواء الاجتماعية كالثورة الفرنسية او الاقتصادية كالثورة الروسية. الا ان الثورة الاسلامية اطاحت بأكبر القواعد الستراتيجية الغربية في منطقة الشرق الاوسط تعتبر بحق اعظم ثورة في التاريخ المعاصر، والتي اشرق شمس انتصارها فجر الحادي عشر من شباط 1979، بعد انطلاقتها عام 1962 حينما وقف الامام الخميني "ره" في نضاله العلني ضد الشاه بعد طرح لائحة "مجالس الاقاليم والمدن" والتي كان محورها محاربة الاسلام، فالمصادقة على هذه اللائحة من قبل الحكومة آنذاك تعني حذف الاسلام كشرط في المرشحين والناخبين وكذلك القبول باستبدال اليمين الدستورية بالكتاب السماوي بدلاً من القرآن المجيد، مما اضطر نظام الشاه الى الغاء هذه اللائحة. ان النقطة المهمة في الثورات معرفة سير الاحداث التاريخية، اذ أحدثت الثورة الاسلامية في ايران تغييرات واسعة النطاق في المجالات السياسية والاجتماعية لايران والعالم، وتسببت في تعزيز وظهور جهات فاعلة جديدة في العالم الثالث وفاعلين غير حكوميين مثل الحركات على المسرح السياسي، متحدية النظام الثنائي القطب، وليس بالضرورة ان يتم التخطيط لتشكيل هكذا حركات وتنظيمات حزبية وانما هي تراتبية جراء فهم دقيق لمعاناة الشعوب مع إخلاص القيادة الحكيمة فشهدنا بصمات قائد الثورة وليس حركة اصابعه منطبقة لدى جيل الشباب الثوريين في دول المنطقة.
وخير مصداق لذلك ما حصل في العراق من تفاعل رأس هرمه علماء افاضل كالشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر "قدس سره" والى القاعدة العريضة من طلاب الجامعات وكسبة البازار، فقدموا قوافل الشهداء مستبشرين بولائهم للامام الخميني "ره" وثورته غير مبالين بوجبات التعذيب في السجون يطلب السجان منهم البراءة من الامام الخميني فلا يستجيبون ويفضلون الشهادة بعز وفخر.
وهكذا شهدنا جمهور لبنان من قيادة حزب الله الى مختلف طبقات المجتمع. وفي اليمن الحبيب وسوريا الصابرة ودول الخليج الفارسي ... فهذا المد الثوري لم يسبقه أي حدث اجتماعي أو تأثير كارزما قائد معين في كل انحاء العالم، وإنما هي عفوية ثورة تشعبت فتأصلت مما يعكس خصوصية القائد، اذ ان قيادة الامام الخميني "ره" نبعت من فكره المشبع بمعارف الاديان السماوية والالهامات الربانية بعد ان تتلمذ على "ميرزا شاه آبادي" لباب المشرب العرفاني المنتسب الى "محي الدين ابن العربي" وهذا ما انعكس في آثاره العرفانية؛ شرح دعاء السحر، ومصباح الهداية، وتعليقات على شرح فصوص الحكم ومصباح الانس، وسر الصلاة... فخاض الامام غمار العوالم الملكوتية فضلاً عن شخصيته الاجتماعية شاطر الفقراء والمستضعفين حياتهم المتواضعة فكان ألمه مما يعاني عامة الناس وآماله ان يتذوقوا الكرامة السماوية اضافة للعيش اعزاء كرماء أباة للضيم تتجذر ثوريتهم من فيوضات وحيانية وليس من أجل كسرة خبز وحاجات هابطة من هنا كان الامام مطمئناً لمسيرة الثورة لان هنالك قامات لا ند لها امثال سماحة قائد الثورة آية الله السيد الخامنئي الذي حمل الامانة بصدق فرغم كونه طاعناً في السن إلا ان فطنته وحكمته في اتخاذ القرارات وصيانة الثورة من الزلات قد حيرت كافة السياسيين ومراكز القرار في العالم الغربي والشرقي، ولذا لا نطلق على الثورة الاسلامية بانها انتصرت، بل الثورة التي تنتصر باستمرار على جميع الساحات العلمية والادبية والاقتصادية والاهم على ساحة صناعة الانسان.