kayhan.ir

رمز الخبر: 199312
تأريخ النشر : 2024December17 - 20:03

لماذا تقلق اميركا واسرائيل ودول عربية من الوضع السوري؟

 

بعيداً عن التحولات الستراتيجية من 27 نوفمبر والى 8 ديسمبر الجاري في سوريا المبنية على مخطط معد منذ سنوات، فان المستقبل السياسي والحوكمي يبقى في دائرة الابهام. فاجتماع العقبة في الاردن المفاجئ وما رشح من بيان وتصريحات شخصيات رفيعة من هيئة تحرير الشام ومسؤولين اميركان ومواقف الكيان الصهيوني تعكس جميعاً القلق. على ذلك لا نرى صورة واضحة لما يحصل بحق.

فشخصيات هيئة تحرير الشام مع تأنيهم في بيان مواقفهم سعوا بوعود اقتصادية  مغرية مثل زيادة المرتبات بمعدل 400 في المائة لحفظ الداخل، ومع اعطاء وعد بتشكيل  حكومة ديمقراطية ازالوا قلق جهات مختلفة في الخارج. ولكن بنفس مستوى  عدم امكانية تحقق وعد زيادة المرتبات 400% لشحة المصادر المالية، فان تحقق اعطاء وعد تشكيل حكومة ديمقراطية  كذلك بعيد المنال، اذ بين المجاميع المؤلفة لهيئة تحرير الشام لا يوجد اتفاق على تشكيل حكومة شعبية فضلاً عن ارضاء المجاميع الاخرى المتوزعة على ارض سوريا.

ان التخلف عن وعود سابقة بتحقيق خلافة اسلامية قد اوقعت ادعياء الحكومة الجديدة في حرج امني اساسي وهو داعش، اضافة لخروج اكثر من عشرين الف سجين من عناصر داعش لاسيما في مناطق شرق وشمال سوريا وهم يتربصون لهيئة تحرير الشام. وهذا ما يشكل ضغطا على ادعياء حكومة دمشق اذا ما رضخوا لتشكيل حكومة ديمقراطية. فقبل ايام صدر بيان لعلماء من دول عدة يخاطبون قادة تحرير الشام يشددون فيه على تشكيل حكومة  دينية واحياء الخلافة.

وعلى مستوى دول الجوار وحتى ابعد في المحيط العربي والاسلامي، باستثناء تركيا التي تدعم فكرة الخلافة ولكن ليس من طراز داعش وليس بمركزية دمشق، اذ تدعو تركيا لخلافة  الفنيين (تكنوقراط) السنة مركزها انقرة، وهي فكرة حزب العدالة والتنمية في تركيا، فهي ترفض حكومة خلافة  من نوع دولة داعش ومن جهة خطوة ليست باتجاه حكومة اموية،  من هنا يمكن القول ان جميع الذين التقوا على اسقاط حكومة الاسد يختلفون في ايجاد حكومة بديلة مما يعرض سوريا لحرج شديد.

واتضح الآن موقف جميع الذين تآلفوا لاسقاط الحكومة الحليفة للمقاومة بخصوص البديل  فهم اما لا يملكون الفكرة المشتركة او في التطبيق يعانون من ذلك. مع علمنا بوجود اختلاف شديد بين الفصائل  المسلحة الارهابية في سوريا ولطالما تقاتلوا فيما بينهم وهذا لا ينفك بمجرد انتصار مشترك على بشار، فالجماعات التي لا تتخلى بالمسحة المعنوية وفي نفس الوقت يتشبثون بالدين ليصلوا الى الحكم فان مشهد الانتصار بمثابة فرصة لتقسيم الحصص والامتيازات. اذن هنالك مستوى من التضاد في الداخل هو في ماهيته تضاد امني يختلف عن تقاطع عدة احزاب سياسية.

فتركيا تجد نفسها بخصوص تغيير الحكومة في سوريا قطب الرحى فتسعى لايجاد حكومة دينية تكنوقراطية تابعة لها بحيث تكون مقبولة إقليمياً ودولياً وبالتالي لا تعزز في تركيا الميول لحكومة تتبنى الشريعة، اذ ان هكذا رغبات تعارض الافكار القومية لاردوغان وحزب العدالة والتنمية وتمنع التنسيق مع الدول العلمانية التركية على ضفتي بحر الخزر ذات نفس النزعة القومية. ولكن هل ان تحقيق حكومة تكنوقراط دينية في سوريا حسب  مذاق تركيا بالامر السهل كما يمليه "اردوغان" و"هاكان فيدان" على الورق؟ بالطبع كلا. اذ ان هذه الفكرة لها من يعارضها داخل  سوريا، كما لها معارضون اقليميا ودوليا، ومنهم الدول العربية التي لا تقبل بهكذا راي.

ومع ذلك فهل تملك تركيا من الناحية الاقتصادية والسياسية امكانية تبني هكذا فكرة في سوريا بالرغم من الرؤى المخالفة بشدة على نطاق عربي وغربي وروسي؟

فسلوك تركيا خلال هذه الفترة ينم عن قلق واضح. فمع تاكيد المسؤولين الاتراك على شمولية الحكومة ورعاية حقوق القوميات والمذاهب والتماهي مع الجو الاقليمي والدعوة لعلاقات مع ايران وحزب الله، سعوا لتمهيد  اجواء حكومة تناسبهم في سوريا.

ان مضمون الاجتماع العاجل  في العقبة وبيانه الصادر عن الدول العربية ومجموعة الاتصال، يعكس قلقهم من تحول ينجر لتشكيل حكومة في سوريا. فالتصريحات والبيان لم تسلط كثيرا على اعتداءات الكيان الصهيوني ونفوذه على الاراضي السورية، في الوقت الذي هو الامر الاهم والاكثر فورية، فهم شددوا على عدم كون الحكومة السورية ذات ميول دينية وان لا تكون خاضعة لجهة خارجية وان  تكون متعاونة مع جامعة الدول العربية، وان تشكيل اجتماع سريع لقادة الدول العربية في الاردن له بصمة واضحة في مواجهة المحور التركي. فنوع الحكومةا لمطروحة من خلال البيان هي؛ حكومة علمانية عربية (وفي الحقيقة تكرار للجمهورية السورية العربية) وهو ما يختلف عن الطراز التركي اختلافا اساسياً. فالدول العربية المشاركة في اجتماع العقبة لا تقبل بتشكيل دولة خلافة او اخوانية الهوى، وهذا تحد اساس لادعياء  تاسيس حكومة في سوريا اولا وثانيا هو تحد لتركيا.

ان اميركا واسرائيل وضمن ارتياحهما الشديد لكسر حلقة المقاومة في سوريا، ويسجلان ذلك كمكسب لهما ستراتيجي ولكنهما يحذران مما تؤول اليه الامور.

ان اميركا قد اثبتت عجزها في اجواء حكومات فاقدة لقيادة. ففي فترة كان يقال ان ستراتيجية  اميركا لغرب آسيا تتلخص في "الفوضى الخلاقة"، الا ان الوضع في افغانستان والعراق واليمن قد برهن على ان هذه الفكرة بفشلها في مناطقها الثلاث  تبرهن على عدم صلاحيتها. وهذا المنحى لم يتم اهماله بالنسبة لاميركا واسرائيل مع ان ما سيفضى اليه اخطر مما هو عليه الآن. وهذا القلق يعكس انه حتى مع احتمال كبير بديل لحكومة الاسد هي حكومة الجولاني او البشير بالرغم من استعدادهما حتى لتحويل كامل لهضبة الجولان الى الكيان الصهيوني. ان حالتين يمكن ان تجعل الامور في سورية اسوأ بالنسبة لاميركا واسرائيل وحلفائهما في المنطقة؛

الامر الاول: انبثاق تيار تكفيري غير قابل للسيطرة ويكون ممهداً لارضية معارضة لاميركا واسرائيل في سوريا. في هذه الحالة ستتعرض اميركا والكيان الصهيوني  لاضرار شديدة.

الامر الثاني: ان تنبعث من حالة فقدان القيادة المشخصة نسخة سورية لحزب الله لبنان ليعاد ترميم ماهية المقاومة السورية لتتعاظم في المستقبل. فاذا حصل ذلك  ـ والذي تتوافر ارضيته والقرائن على ذلك ـ فسيتحول الموقف الاميركي الاسرائيلي من المقام الرابح الى الخاسر. وهذا ما يثير القلق بين المسؤولين والاوساط الاميركية ـ الاسرائيلية. وهذا يعكس ان واشنطن وتل ابيب يعانيان حالة عدم الجزم والقطعية.

الحالة المهمة للتغيير الجديد هو الوضع الاقتصادي. فالتغيير السياسي في سوريا والذي انجر بسبب عدم قدرة الحكومة في توفير الجانب الاقتصادي للشعب، وعموماً فالاقتصاد هو الذي يعمل على استقرار حكومة او يتسبب في تغيير الحكومات بشكل متسارع ويعجل في وقوع اعمال شغب وفوضى مما يجعلها من دون قيادة مشخصة.

وبالضبط لهذا السبب اعطت الجماعة الجديدة وعود تحسين الظروف وزيادة ملحوظة في المرتبات والدخل، كما وتم التشديد في البيانات العربية على ضرورة المساعدة في حل المشاكل الاقتصادية للشعب السوري.

ولكن هل ستكون هذه الوعود عملية في حل الامور الاقتصادية لسوريا ام لا؟ ان التجارب تقول ان الدول العربية الغنية ـ لاسيما الامارات وقطر والسعودية ـ لا تقدم الكثير من المساعدات عملياً دون ان تضمن مصالحها. كما ان الدول العربية لم تقدم مساعدات اقتصادية مؤثرة للحكومات السابقة والحالية في افغانستان وكذلك للحكومة اللبنانية، والصومالية والسودانية وغيرهم كذلك لسورية خلال فترة الاسد ـ الذين يعانون من ازمات اقتصادية حادة. وحتى لو تنزلنا وقلنا انه سيتم تقديم مساعدات اقتصادية من قبل ابوظبي والدوحة والرياض الى دمشق، فانه بالطبع سيكون ضئيلا بحيث لا يغني من جوع ويعيد الوضع الاقتصادي في سوريا الى حالته الطبيعية. هذا في الوقت الذي ليس الوضع الاقتصادي في تركيا مما يحسد عليه كي تتمكن الحكومة التركية من تكفل 25 مليون نسمة في سوريا يعانون انواع المشاكل الاقتصادية، ولفترة طويلة.

تأسيسا على ذلك فان ادعياء تشكيل حكومة جديدة في سوريا سيديرون ظهورهم لاجواء ايام العسل والوعود الفضفاضة في القريب العاجل، لتعيش سوريا الفراغ الاقتصادي.

سعدالله زارعي