kayhan.ir

رمز الخبر: 195796
تأريخ النشر : 2024October16 - 21:23

بقية الجهاد خير لكم

في هذه الايام العصيبة إذ تعتصر القلوب رحيل خيرة المجاهدين، تتكشف للاذهان المعنى الحقيقي للآية "بقية الله خير لكم"، على مستوى الجَري، بعد ان كثُر اللغط بمصداقها الاوحد، دون ان ننتبه للمعنى التطبيقي لها. فالجهاد ليس حالة انفعالية وثورة مقطعية كما حُشد به تاريخينا عند قيام فئة بالخروج على حاكم ظالم ولا تعد العدة الكافية ولا تضع خارطة لعملها الجهادي فتذهب الجهود سدى فيما يزداد الظالم تعسفاً وسفكاً للدماء.

ولعل ما ابتكره الخليفة العباسي "المستعين بالله" بعد الغيبة الكبرى بابتداع نقابة للطالبين كهيئة رسمية وتنصيب علماء على رأس هذه النقابة كي يعودهم الناس في حل ورتق مشاكلهم واطفاء نيران الفتن ولا يتفرغوا لهجو الحكام او القيام ضدهم هو شاهد تاريخي لاكثر من سبعمائة عام.

ولا ننظر لفرض الجهاد كما شُرع منذ صدر الاسلام بآلياته المحددة حسب الظروف وحالات الناس، بل بما تبلورت منه الحركات الجهادية في لبنان وفلسطين المحتلة فكانت قائمة طويلة من الشهداء والتضحيات الجسام، فانبعث منهم قادة محنكين اتعبوا الغرب والكيان الصهيوني بخططهم لا الارتجالية وانما التشاورية على مستويين؛ الداخلي وهو حق مشروع لكل حركة جهادية لها بصمتها المهنية.

وعلى العموم بان تستهدي اخواتها لتاريخهم والقادة لماضيهم، فتستوعب الخسارة والضربات لتعيد تنظيم وترتيب صفوفها لمواصلة المواجهة بستراتيجية جديدة وتنسجم والمستجدات المفروضة. فليست المقاومة قوة عسكرية تقليدية بل حركة تملي قواعد اللعبة وتفرض وتيرة المعركة بالشكل الذي تريد عبر تثبيت معادلات جديدة على الارض، ولا تقتصر على الابهار الامني والقدرة على إلحاق الاذى والتسبب بالألم. فالجهاد قراءة الماضي بعيون حالية، استلهام لتجارب السلف الصالح في الصبر والمصابرة ولكن المرحلة غيرت من المعاني فبدل ان نفهم الصبر بانه تحمل المصاعب والاقتصار على الجانب السلبي، لابد من تفعيل الجانب الايجابي وذلك باستنطاق اساليب جديدة في المواجهة. وينعكس ذلك حتى على اداء الصلاة في ساحة المعركة، كما ان المرابطة تتحول الى اصرار ثوري يقهر العدو نفسياً قبل المنازلة الجسدية.

وبالتالي لا توجد في قاموس المجاهد شيء اسمه الخسارة والهزيمة والنقص والضياع، وانما التجدد والتقدم والبناء واحلال الافضل، لانه كدح نحو المطلق وليست بروباغندا لتمييع الهمم وتبرير ضياع القيم، وهو ما تلقته "اسرائيل" مؤخرا من ضربة في الصميم من خلال مسيّرة اطلقها حزب الله نحو حيفا فاصابت معسكر بنيامينا خلفت الكثير من القتلى والجرحى مما اضطر الكيان وبمرارة ان يكشف عن جانب من خسائره، وهذا اول الغيض ثم ينهمر.