kayhan.ir

رمز الخبر: 201607
تأريخ النشر : 2025January29 - 19:45

حلم ساذج أم تبعية للأجنبي؟!

 

سعدالله زارعي

 لغة خطاب المسؤولين الاميركيين بالامس واليوم تجاه ايران، لا تخرج عن حالتين؛ "لابد من ازالة النظام السياسي في ايران" و"ينبغي التخلص من الجمهورية الاسلامية"، في المقابل الخطاب الذي اعتمدته الجمهورية الاسلامية الايرانية بالامس واليوم بخصوص اميركا ينحصر في متوازيين؛ "على اميركا ان تكف عن التدخل في شؤون المنطقة – غرب آسيا – " و"على اميركا ان لا تتدخل في شؤون ايران الداخلية". وفي الحقيقة ان الحالتين اللتين تبذلانها اميركا تجاه ايران حالتان ايجابيتان، اي مالابد ان يحصل من احداث بحق ايران، اما خطابا ايران في مواجهة اميركا خطابان سلبيان، اي ان على اميركا ان تكف ايديها في مواجهتها لايران والمنطقة. فالاميركان يسعون لمواضيع ضد ايران لا علاقة لهم بها بينما لايران مطالب من اميركا لها الحق فيها.

اذن ما تسعى اليه ايران يرتكز على قاعدة قانونية محكمة فيما لا تتمكن اميركا ان تلبس مطالبها لبوساً قانونياً، فاميركا تريد من ايران ان توقف برنامجها النووي الذي يصبو لاستعمالات سلمية وتعزز ذلك دوائر قانونية متخصصة، وهذا مالا علاقة لاميركا به، كما وتريد اميركا من ايران ان تحدد قدراتها العسكرية ولا تتجه صوب اسلحة ستراتيجية كالصواريخ الباليستية، وهذا الامر كذلك لا علاقة لاميركا به.

وتريد اميركا من ايران ان تنهي علاقاتها الستراتيجية في المنطقة، وتبقى محصورة داخل حدودها. وهذا كذلك لا علاقة لاميركا به ولا تسجل كل هذه الامور حقاً لاميركا على ايران.

ان ايران تريد من اميركا ان تتجنب التدخل في منطقة غرب آسيا، وهذا الامر يتعلق بايران حقاً، اذ من جانب تشكل ايران قسماً من هذه المنطقة ومن جانب آخر فان تدخلات اميركا يستند على العبث واضعاف العلاقات الطبيعية لايران اضافة لما تستبطنه تدخلات اميركا في المنطقة بترسيخ سلطة الكيان الصهيوني الغاصب على المنطقة وهوما يتضاد وأمن ايران القومي.

اذن فمتابعة ايران لسياسة اميركا التدخلية في المنطقة له وجهة صائبة. فايران تريد من اميركا ان تكف عن تدخلاتها في شؤون البلد، وهذا حق طبيعي لكل دولة.

ومنذ الثورة الاسلامية وبداية السجال بين اميركا وايران شرع البعض في إيران بطرح ضرورة ان تحل ايران الامور مع اميركا وانهاء حالة الخصام، هذا في الوقت الذي لم تندفع خلال 46 عاماً اي حكومة اميركية لحل المسائل المستعصية مع ايران، بل ان جميع الحكومات حاولت ان تصوب مطالبها الستراتيجية التي لا وجهة قانونية لها والضغط على ايران لتلحق الضرر تباعاً، وفي هكذا اجواء اذا ارادت ايران ان تنهي حالة الخصام مع اميركا فينبغي ان ترضخ للمطالب غير القانونية والظالمة لاميركا، اي تكف ايران عن كل ما هو بنظر اميركا ممنوع، في الوقت الذي ذهبت اجنحة من الحزبين في اميركا لابعد من المطالب التي اوردناها اعلاه، حين تحاول – هذه الاجنحة – القضاء على نظام الجمهورية الاسلامية! ومن خلال محاسبة بسيطة يتضح ان ايران لا يمكنها ان تلجأ لحل الخصام مع دولة لا تفكر اساساً بحلها.

فمن وجهة نظر اميركا ان ذنب ايران في تشكيل نظام جمهوري اسلامي مستقل. ومن ثم تأتي مواضيع اخرى من قدرة ايران وهي ناجمة من نفس هذا النظام الديني.

نعم بإمكان ايران ان تدخل في مفاوضات مع اميركا بخصوص مواضيع طرحت مؤخراً، منها الموضوع النووي، ولكن حسب تجارب سابقة ينبغي ان لا نتوقع الحصول على مكاسب. وثانياً ينبغي ان لا نظن ان كل اتفاق هو خطوة باتجاه حل الخصام مع اميركا. فقد شككت اميركا بأصل الاتفاق سابقاً بالرغم من ايران التزمت به، ولذا فهي ستفعل ذلك في المستقبل، اذن ففي هكذا اجواء للتفاوض مع اميركا ليس اضاعة للفرص وحسب بل سيوجد اجواء مطالب جديدة لاميركا ضد ايران. في ظل هكذا واقع نجد بعض الشخصيات السياسية تدعو للتفاوض للتوصل الى اتفاق شامل! فقبول ايران باتفاق شامل يعني الرضوخ لجميع المطالب غير الشرعية لاميركا، اذ لطالما حاولت اميركا جر ايران لاتفاق شامل معها وليس بين طرفين، أي القبول باملاءات اميركا. فحين برهنت التجربة فشل التفاوض حول مطلب محدد، فكيف نعلل الآمال بإنجاح مفاوضات بخصوص كل ما تريده اميركا؟

فجدال أميركا معنا واضح سلفاً؛ ان نوقف صنع الاسلحة المؤثرة، وسحب دعمنا لشعوب تدافع عن حريتها واستقلالها، وان نبقي برنامجنا النووي الى مستوى غير صناعي اي بشكل رمزي وتعليمي، والقبول بجولات تفتيش كي لا نتجاوز المسموح لنا، واخضاع الادارة الداخلية لايران لنماذج دولية وهذا يعني القبول بتحول اساسي في الماهية الشعبية للنظام السياسي للبلاد. فالاتفاق الشامل يعني كل هذا، من هنا صار علينا ان نفض هذه الامور داخلياً قبل الولوج بمفاوضات جديدة. وحينها سيكون ردنا لمطالب اميركا اكانت سلبية أم ايجابية، سالبة بانتفاء موضوع التفاوض. اذ ان كانت الاجابة ايجابية سيكون التفاوض حول ما قبلنا به لامعنى له، واذا كانت الاجابة سلبية وفي نفس الوقت نلج التفاوض فقد اثبتت التجارب ان اميركا تعمل كل امكاناتها لفرض ما تريد ولا نريده نحن، وحينها سيكون الامر كما في السابق سنصل اما الى طريق مسدود في المفاوضات اونضظر لقبول اتفاق نعلم سلفاً ان لا ضمان ان تفي اميركا بعهودها. ومن جانب آخر سيكون الاتفاق هذا منصة لضغوط جديدة.

ان ظروف ايران ليست بالظروف الاضطرارية كي نحاول رفع الاضطرار والرضوخ لامور تضاد مصالحنا القومية.

كما ان الظروف الدولية والاقليمية قد تغيرت مقارنة لعقد مضى – حين توصلنا الى خطة العمل المشتركة - . فالعالم انقسم اثر نزاع اوروبي – حرب اوكرانيا -، وذهب مجلس الامن لاتجاهين نديين.

كما ان العلاقات الاقليمية قد تغيرت جراء حرب غزة، وسجال جديد – يستوعب الاقتصاد والسياسة – مع ايران في المنطقة قد خسر مصداقيته. فأي  توتر ينعكس على مصالح جميع الدول في المنطقة، فيما العلاقات الاقتصادية والسياسية داخل المنطقة قد تغيرت، واتجهت صوب الشرق بعد ان كانت الى عقد حبيسة اميركا ودولة او دولتان اوربيتان. اضافة الى ان قالب التواصل الاقليمي لايران في الشمال والجنوب والشرق والغرب قد تحسن مقارنة للعقد الماضي.

فحضور ايران في منتديات اقتصادية دولية قوية – شانغهاي وبريكس وذات المصالح المشتركة – حققت مكانة ثابتة للبلد، اضافة للنمو الاقتصادي باعتماد الداخل وايجاد بنى تحتية اقتصادية وتقنيات حديثة.

والامر المهم الاخر هو ان الخوض في التفاوض واتفاق ايران مع اميركا، في ظل ثنائية المحور عالمياً بتداعياتها المختلفة كحرب اوكرانيا، سيؤدي لسوء ظن احد القطبين الدوليين تجاه ايران، هذا في الوقت الذي اكسبتنا التجارب ان سعي ايران نحو الانفتاح على اميركا عقيم الثمرة.

فموضوع التفاوض مع اميركا لا يخرج بنتيجة وسيؤدي الى تزعزع ثقة الدول المقتدرة – التي هي في ند مع اميركا – بخصوص مدى جدية ايران في التنسيق الاقتصادي المشترك و... من هنا فان التفاوض مع اميركا رهان خاسر من الجانبين وفيه ربح لاميركا من الجانبين.

ان الذين يدعون لاتفاق – واتفاق شامل – مع اميركا، غالباً ما كانوا خلال العقدين المنصرمين رواد التفاوض مع اميركا وكان لهم صلاحيات في هذا المسار، وعلى هؤلاء ان يجيبوا على تساؤل وهو ما الذي افادوا به البلاد من التفاوض مع اميركا؟ وهل ان محصلة مساعيهم بحجم خطوة واحدة نحو رفع عداء اميركا لايران؟ ومن المؤكد ان الاجابة على هذه الاسئلة بالنسبة لهؤلاء اوضح من الاخرين. ولكن لماذا بالرغم من ذلك يصرون على موقفهم؟ وليست الاجابة بالصعبة، فلو راجعنا مقالاتهم الوفيرة والتي تنم على عدم اعتقادهم ان تكون لايران مكانة كقوة دولية او اقليمية. فهم حسب مقالاتهم لا يرون انه لا ينبغي الرضوخ لاملاءات اميركا. ولا يعتقدون بأن من حق الشعب الايراني ان يختار المنهجية التي يراها من صالحه لادارة البلد، رغماً عن اميركا.

وكم هي حكيمة مقولة سماحة الامام الخميني "ره" بهذا الخصوص؛ "ادعو الله ان يوقظ اولئك الذين لا يحلمون الا باميركا".