اللوازم المتباينة لطرفي الحرب الحالية
انقضى عام على حرب غزة التي نشبت بعد عمليات "طوفان الاقصى"، فيما يصر الكيان الصهيوني على استمرار الحرب ونحن نريد ايقافها سريعا. فالكيان الغاصب يبحث عن مخرج مؤمل لينهي به الحرب ونحن نعتبر ايقاف القتال هي الموفقية.
من هنا ظهر الكيان كمجرم حرب والطرف الآخر يقاتل على مستوى الضرورة، اذن هنالك ستراتيجيتان متضادتان، فلا يصح ان نطلب من الجهة التي تريد انهاء القتال ان تعمل كالاخرى مستمرة في جرائمها حتى تصل لمؤملها.
تاسيسا على ذلك فان ادارة الحروب من اعقد الامور على مر التاريخ، فهي مركبة من الشجاعة والحكمة والمحاسبات، واضاعة احداهما ينعكس نتيجتها بالضرر على الحكومة بهذه الخصائص.
وعلى ذلك ففي جميع الدول يكون القرار حول الحرب والسلم بيد اعلى مؤسسة قانونية لها الصلاحيات اللازمة، وهي مؤيدة من قبل الشعب. وهذا الامر في ايران بالنظر للظروف القانونية والصعبة في انتخاب ولي الفقيه لهذه المؤسسة التي هي اعلن موقع ديني وسياسي في البلد وسماحته باعتماده استشارة بعض المؤسسات، منها المجلس الاعلى للامن القومي ليقرر في الامر.
وبالنظر لهذه المقدمة في تحليل الحرب الحالية التي لا نشهد اي افق لنهايتها ويستبعد ان تتوقف خلال الاسابيع او الاشهر القادمة، هنالك بعض الاشارات؛
1 ـ ان الكيان الصهيوني خلال عام مضى اعلن مراراً ان حرب غزة هي حرب وجود. وهذا يعني ان الكيان يعتبره آخر الحروب التي اما يتعافى منها او يندحر للابد.
فمسؤولو الكيان قد اعلنوا الايام الفائتة بان هذه الحرب لتغيير المعادلة واسموها "بعث اسرائيل". فعبارة "تغيير المعادلة" وعبارة "بعث اسرائيل" تعكس ان اسرائيل تقييم الوضع في المنطقة لغير صالحها مما يفهم منه انها خلال عملية السابع من اكتوبر العام الماضي قد ماتت وهي تسعى للنهوض والخروج من موتتها.
وبالطبع الامر يختلف على الجهة الاخرى. فلا احد من اركانها؛ من المقاومين في غزة كثقل اصغر والى الثقل الاكبر وهي الجمهورية الاسلامية الايرانية لا يعيشون حالة الموت والبعث مرة ثانية كي يلجأوا لاعمال كما يفعلها الكيان المجرم.
على ذلك فكل ما يتم توصيته في الجهة الثانية بعنوان ضرورة بقاء اسرائيل، يتم تقييمه في هذه الجهة بعنوان فناء اسرائيل وهو بالضبط كذلك. فقصف شعب لبنان بوحشية يصب حسب نظام اسرائيل في ضرورة البقاء، ومن وجهة نظر المقاومة هي السبب في فنائها.
2 ـ ان الكيان الصهيوني قد قاتل لعام كامل في رقعة جغرافية صغيرة ضد المقاومين الغراويين ونتيجة الحرب مؤلمة للجانبين. فالكيان الغاصب قتل اكثر من 42 الف منهم 19 الف امرأة وطفل، وما يقرب من مائة الف جريح، ومن المؤكد ان نصفهم من النساء والاطفال. وحسب تقارير لمصادر موثقة فان كيان الاحتلال قد قتل من عشرة الى عشرين في المائة من مجاهدي الالوية الفلسطينية المقاتلة.
كما وهدم 80% من منازل السكان الذين يقدر عددهم 5/2 مليون شخص في غزة. والجهة المقابلة وخلال عام من القتال هلك 1200 جندي اسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية ومنطقة شمال فلسطين المحتلة وهذا الرقم يعادل قتلى الجيش الاسرائيلي خلال عمليات طوفان الاقصى التي استمرت لاربع ساعات. اضافة لذلك فانه حسب التقارير الرسمية للكيان قد جرح اكثر من سبعين الف جندي اسرائيلي منهم 12728 اصيبوا ببتر الاعضاء حسب "يديعوت احرونوت" وبذلك تركوا الخدمة في الجيش للابد. وهذه الارقام لا تحتاج الى تعليق. نعم تحمل الجانبان خسائر بشرية ومالية؛ احدهما في جهة العدوان على المشافي والمدنيين وقتل النساء والاطفال، باستخدام قنابل متطورة وسامة كيماوية، والجهة الثانية في جهة الدفاع عن النفس باستخدام اسلحة اقل فتكاً بعشرات المرات من اسلحة الكيان المجرم. ولكن بالضبط حين ادعى جيش الاحتلال ان مصير غزة قد انتهى، تعرض الكيان في منطقتين؛ "خان يونس" في الجنوب و"جباليا" في شمال غزة لهجمات الفلسطينيين، فاطلقوا خمسة صواريخ باتجاه تل ابيب لعدة مرات وفي جباليا تمت مهاجمة الجنود الاسرائيليين. انها مشاهد عينية وليست افتراضية من هنا فليس بالحصار وليس بالقاء مائت الف طن من القنابل في مساحة 360 كيلومتر مربع وليس في اصطفاف الدول الغربية بدعم الكيان وارسال الاسلحة والمال، تبقى النتيجة واحدة بالنسبة لاسرائيل، كما ان الوضع هو اسوأ على الجبهة اللبنانية.
3 ـ ان كيان الاحتلال استخدم سياستين على جبهة لبنان؛ ضرب القيادات العليا في حزب الله لاجل افشاله، والتغلغل البري في منطقة الجنوب، وهي سياسة بدأت منذ شهادة فؤاد شكر القائد الرفيع في حزب الله، واستمرت باغتيال "ابراهيم عقيل" و"علي كركي" وما يقرب منه 15 آخرين من قيادة حزب الله، وانتهت بشهادة القائد الكبير المقاومة اللبنانية السيد حسن نصر الله.
فالكيان الغاصب يحتمل انه باغتيال القادة يشق الطريق لدحر حزب الله. فيما صدق البعض ذلك بانه باستشهاد الامين العام للحزب والقادة الاخرين سترجح الكفة لصالح الكيان الغاصب، معتمدين على استمرار صف الضاحية. ولكن هذا تحليل معيوب لمعرفة الجهة الرابحة، اذ بعد ان خربت البيوت وتم قتل القادة، استمر القصف وهذا يعني ان القضية لم تنته بعد فما زالت الحكاية باقية. فلم يهن الحزب او يرتبك بمقتل قياداته، اذ برهن على مقاومته باستمرار القصف وباشكال متنوعة وهذا يعني انه قد بلسم جراحه، ليستمر في مقاومته.
وبعد ساعات من الهجوم الصاروخي الثقيل من قبل حرس الثورة على مناطق حساسة امنية وعسكرية لكيان الاحتلال في مركز وجنوب الكيان، اقدم الكيان بتحشيد الالوية 36 و146 المدرعة باسناد الفرقة الخاصة 91 على حدود لبنان ظناً منه باستمرار قصف الضاحية ان لا طاقة لحزب الله في المواجهة ولكن ووجه الكيان بمقاومة عنيفة، فتكبد 11 قتيلا و30 جريحا، ليتراجع ادراجه. فتأثير القصف في عمليات الوعد الصادق 2 على الدول الاروبية تسبب في توجه فرنسا والمانيا الانتقاد للكيان واشاروا الى ضرورة حظر ارسال الاسلحة له.
والامر اللافت انه خلال الهجمات الارهابية الاسرائيلية على السكان والابنية في الضاحية واغتيال عدة من القادة، افادت شبكة "كان" باستقراء يفيد انه خلال العام الفائت فر 86% من اليهود الغاصبين الساكنين اطراف غزة وشمال فلسطين من منازلهم، وقالوا حتى ان انتهت الحرب فلا يعودوا لمنازلهم! وان 62% منهم قالوا انهم لا يشعرون بالامان بعد ذلك، و42% منهم قالوا ان لا ثقة بتحقق وعود الجيش المبنية على انتصارهم على المقاومة وان 35% قالوا ان حركة حماس هي المنتصرة في هذه الحرب. والجدير ذكره انه حسب آخر احصاء غربي بخصوص غزة فان 67% من مشردي غزة شددوا على ضرورة استمرار حكومة حماس في غزة بعد انتهاء الحرب، وهم لا يقبلون باشخاص من السلطة التنفيذية الفلسطينية.
سعدالله زارعي