مصر إلى أين ؟
راكان الجبيحي
لم يكن امراً مفاجئاً ان تعلن اللجنة العليا للانتخابات المصرية فوز عبدالفتاح السيسي بالرئاسة بنسبة فائقة حيث كان نتائجها معلومة مسبقاً دون أدنى شك. بعد ان اوصل مصر إلى وضع يصعب علينا القول انه حدث جليل وديمقراطية صارمة. وحرية شعب. وبناء دولة مصر الحديثة. بعد ان قام ذات الشخص الذي يتربع الان على عرش مصر بفتح ضلوع الحرية .. واستباحة الحرم الديمقراطي للشارع المصري في قيامه بعملية انقلاب. والإطاحة برئيس شرعي مُنتخب من الشعب بحرية ونزاهة وتدقيق مُحكم.
مهما كان الأمر جدياً وحاسماً. ومهما أصبح اليوم تاريخاً بالنسبة للشعب المصري الذين يتمسكون بعجلة الانقلاب ويسيرون وراء عملية الظل والتفرعن والتقزم. فإن مصر قد دخلت مجال العهد القديم .. واعتمقت جذورها شبح الظلم والقهر والتسلط. ولم يعد بالإمكان العمل على منع ذلك. وإعادة سيناريو ثورة يناير بثورة ثانية . فالأمر أصبح معقداً. وزمام التحكم أصبحت بين أيادي تتربص بين اجفانه حقد اسود على شعب وأمة بأكملها وليس على فرد او جماعة .
العديد من برقيات التهاني من دول مختلفة توافدت الى سجل مصر الجديدة لتهنئ رئيسها الجديد بصعوده إلى كرسي السلطة .
خلال الترويج والفرحة الغامرة التي فاقت ابتسامتها وجه الشارع المصري والخليجي بل والعالم الذي أصبح اليوم المروج بالديمقراطية والوقوف بجانب المظلوم وزرع ثمرة الحرية .. حيث ذلك الاستعراض بالفوز الكاسح والذي طالعتنا به القنوات المصرية الموالية لما يحدث اليوم وقناة العربية وأخواتها . تلمسنا برقية أولية . او لربما تكون مُدونة ومُغلفة مسبقاً. حيث وكأن واليها وكاتب سطورها يعلم جيداً وعلى يقين تام بفوز عبدالفتاح السيسي بالرئاسة وهو كذلك تماماً. دام ولغة الدعم والمساندة الفعَّالة منذ بداية الانقلاب وحتى الان لا تزال هي عابرة الطريق بين حواجز القضايا المهمة بين بعضهم البعض.
برقية العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز . التي كانت ابعد من التهنئة. والذي كان اول المهنئين بنجاح وفوز السيسي سواء عندما اظهر قوته في إطاحة مرسي. او فوزه بالرئاسة التي أصبحت الان بين رجس ابغض .
هي لم تكن على شكل برقية عند تمعنا بوصفها. انما على شكل رسالة او نشرة كاملة مفصلة ، بهيئة متكاملة ، ونوايا مقصودة ، ومواقف واضحة .
حيث جمع الكل . وتحدث عن الجميع. وأومأ بأصابعه الى البعض بطريقة غير مباشرة. وبأسلوب مهذب .
في صدد برقية العاهل السعودي الطويلة. والذي دعى فيها لعقد مؤتمر لأصدقاء مصر لدعم الاقتصاد المصري وفي هذه الأثناء سوف يضع كل ملياراته خلف المرحلة الحالية التي يقودها السيسي .. وأيضاً الى استخدام سياسة بقوة وقبضة حديدية .قوامها التحدي والضغط والتحكم بزمام الامور. ومن ثم بعث رسائل ونقاط حروف معلومة المراجع وبطريقة مشفرة بعدم التدخل بالشؤون الداخلية لمصر وان المساس والتدخل بأمن واستقرار مصر. هو مس بالإسلام والعروبة والسعودية على وجه الخصوص على حد قوله. في إشارة واضحة الى من يدعم حركة الاخوان التي وضعتها المملكة على قائمة الإرهاب . والجميع يعلم جيداً من يقف خلف حركة الاخوان ويدعمها بمختلف المجالات. والخلاف الحاد بينهم وبين والسعودية.
ان مصر الكنانة تتجه الى مفترق طرق. حيث انتهت الديمقراطية الحقيقة. والحرية المطلقة حينما اعلن الفريق السيسي سابقاً الإطاحة بمرسي ومحاصرة جماعة الاخوان . وشل حركتهم. وقص مسيرة الانتفاضة الثورية. وقطع حبل الصرخات والهتافات المناهضة للانقلاب .
لقد قطعت مصر تذكرة ذاهب دون عودة من الدائرة الديمقراطية والعيش الحر والتكافل والحياة الكريمة وخاصة في ظل الاوضاع الحالية المريبة. وان كانت في السابق غير مدرجة في هذه القائمة . فإنها كانت مهيأ للدخول ولو بعد فترة قصيرة من الزمن في عهد مرسي.
ان فوز السيسي في رئاسة مصر وان كان هذا الحدث هو اضحوكة بحق المصريين الواقفين في صف السيسي.. حيث كان في السابق وما بعد الانقلاب هو الرئيس على الملأ . وهذه الانتخابات انما هي مراوغة واستعراض ديمقراطي على حد قوله. فإن فوزه هو انتصار كبير للداعمين له في أمريكا وإسرائيل والمطبخ الخليجي الداعم له على وجه الخصوص رغم إيقانهم بأن الامور في مصر تسير على النحو الذي يريدونه . وبالتالي فهم لا ينتجون إلا العبث والتمزق. وخلق الأزمات . وزرع الفوضى الخانقة مهما صح عزمهم في الدعم والتحدث بالحرية الذين يتفتفون بها بألسنتهم. ولا يمتلكها شعوبهم بالنسبة للخليج .
فمصر سلكت طريق مسدود ، واتجهت نحو الهاوية .. فقد أصبحت بين أمل العودة. ووشك السقوط . وليس لدى أبنائها أي تفاؤل بالعودة الى ذاكرة الحرية الذين خرجوا من أجلها في وقت اندلاع شرارة ثورة يناير المناهضة لنظام حسني مبارك .
فقد شكلت ظاهرة الانقلاب والإطاحة بالرئيس مرسي حادثة فزع كبير. وموجة احداث وتصادمات بين مختلف المكونات في مصر والعالم أجمع . كون مصر لها اهمية كبيرة. ولديها مكانة وعمق استراتيجي طويل المدى. ومن الصعب ان تنهض وتنضج الحرية . وتتجه نحو الأمام دام ومصر معاقة وتمر بمرض خطير نتيجة حادث كبير ألم بها وبجسدها وحريتها ومكانتها الجبارة .
فبعد كل هذه الاحداث المؤلمة .. والأزمة الخانقة ، والصراعات المتراكمة . والموجة القارصة التي هبت على مصر والشعب المصري بعد الإطاحة بمرسي .. إلى أين تتجه مصر ؟ وإلى أي منعطف خطير انجرت إليه؟ وماذا عن ثورة يناير وأهدافها ؟ وعن المرحلة القادمة ؟ هل سوف يفتح ذلك روح التفاؤل لدى المصريين بالعودة إلى روح الامل وتحقيق مطالبهم وأهدافهم السامية ؟ ام مواصلة مشروع التخبط والحصار الخانق. وخلق أزمات جديدة وزرع ألغام متناثرة عبواتها ؟
الأسابيع والأشهر القادمة ستحمل لنا الأجوبة الحاسمة والفاصلة على هذه التساؤلات .. بنتيجة إيجابية او سلبية !