kayhan.ir

رمز الخبر: 170556
تأريخ النشر : 2023June10 - 20:22

محمد التميمي.. بأي ذنب قُتل؟!

 

رشاد أبو شاور

محمد التميمي ضحية ذنبها أنها ولدت لأبوين فلسطينيين، وأن من اخترق رصاصه بدنها يسرق كل شيء، وحكمه المبرم: الموت للعرب..الموت للفلسطينيين!

عندما يموت المسلم يقف رجل دين عند رأسه في القبر، ويشرع في تلقينه، ويوصيه، ويعلّمه، ثمّ يدعو له وخلفه يردّد المشيّعون سائلين الله الرحمة له، وأن يغسله بالثلج والبرد، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنّة، وخلفه يدعو المُشيّعون بخشوع: آمين.

أمّا الأطفال، وهم لم يقترفوا ذنوباً في حياتهم القصيرة، والذين يفقدون حياتهم بسبب المرض، أو الحوادث العابرة كحوادث السير، فهم جميعاً ينضمّون إلى طيور الجنّة، وللتخفيف عن ذويهم يبشّرون بأنهم سيحملون لهم أباريق الماء، عند موتهم، ليسقوهم وهم يرفرفون فوق رؤوسهم بأجنحتهم الرشيقة، فتقرّ النفوس ويتخفف المنكوبون بفقدان أطفالهم، فلموتهم حكمة إلهية.

ولكن، ماذا عن أطفال فلسطين، ذكوراً وإناثاً، الذين يصطادهم جنود الاحتلال ومستوطنوه، ويسرقون أعمارهم؟!

خذوا مثلاً آخر طفل اصطاده جنود الاحتلال في قرية النبي صالح، محمد التميمي، الذي لم يبلغ سنته الثانية، وهو بالكاد تعرّف إلى وجه أمه وأبيه. قُتل وهو لم يتعرّف إلى شيء في الحياة، حتى إنه لم يعرف ما هو الدم الذي يجري في العروق، وكيف تنتهي الحياة إذا فقد الجسد دماً كثيراً!

ومحمد ربما نقز من صوت الرصاصة التي اخترقت جسده، لكنه مات ولم يعرف ما هي الرصاصة، ولماذا مات؟!

أمه وأبوه أنجباه واستقبلاه بفرح كبر مع كل يوم يكبر فيه محمد، وابتسامة أمه ومناغاتها له أينعت فرحاً وطمأنينة في نفسه الشفافة، والبيت في قرية النبي صالح شاع فيه الفرح والطمأنينة، ولكنّ شيئاً صغيراً حاداً اخترق جسد محمد فأسكت الحياة، وحوّل مناغاة الأم إلى نواح، ووجه الأب المتهلل بالفرح إلى حزن وغضب وألم...

رااااح محمد، ونُقل جسده المدمّى إلى بيت جده كي لا يحضر جنود الاحتلال ويختطفوا جسد الطفل الشهيد ويضمّوه إلى أجساد الشهداء المصادرة عند الاحتلال. لماذا سيصادرون جثمان محمد؟!

لأنه جسد فلسطيني، والتهمة التي تنتظره وهو في رحم أمه أنه فلسطيني، ولذا قُتل قبل أن يحيا وتكبر قامته شبراً، وتنمو معرفته بأنه قادم إلى الحياة في بيت مهدد، وفي قرية قدّمت عشرات الشهداء، وأنه أمام خيار أن يحمل حجراً يرشق به جنود الاحتلال، وعندما يكبر يحمل شيئاً غير الحجر للدفاع عن أمه وأبيه وبيته وأشجاره.. وعن جيرانه، وأصحابه في المدرسة، وكل فلسطين، فالذين يريدون قتله سيدّعون أن أجدادهم كانوا يعيشون هنا قبل ألفي سنة! وأنهم يعودون ومعهم كل أنواع الأسلحة، أمّا محمد فيعرف أن جده زرع الحاكورة واعتنى بأشجار التين والزيتون ودوالي العنب، وأنه ورث كل شيء عن جده وجد جده حتى أول السلالة في الزمن الكنعاني حيث كانت فيه الإلهة عناة تحمي الأطفال والشجر والعشّاق، فترّد الأعداء ببسالة، وتشجّع الفلاحين على زراعة حقولهم...

راح محمد برصاصة مسلّح ينفّذ أمراً بقتل الفلسطينيين الصغار قبل أن يكبروا، ويصروا على أن لا ينسوا بعد أن مات أجدادهم وآباؤهم وأمهاتهم برصاص مثل الرصاص الذي قتل الطفل الفلسطيني مُحمداً.

محمد التميمي ضحية ذنبها أنها ولدت لأبوين فلسطينيين، وأن من اخترق رصاصه بدنها يسرق كل شيء، وحكمه المبرم: الموت للعرب..الموت للفلسطينيين!

يا رب اجعل محمد التميمي ابن السنتين طيراً من طيور الجنة، واجعله يسقي الجندي العربي المصري الشجاع محمد صلاح من إبريق من تراب فلسطين، ويبشّره بالجنة، ويرفرف فوق رأسه ليجلب له النسمات من قرية النبي صالح معطرة بعطر زهور أرض فلسطين ووردها...

أمّا أنتم يا أطفال قرية النبي صالح، يا من حملتم نعش جسد حبيبكم الصغير جداً كعصفور محمد التميمي، فليس لكم، ولكل أطفال فلسطين، والوطن العربي الكبير، إن شئتم أن تعيشوا بأمن وسلام وكرامة سوى أن تهزموا "جيش" الشر والخرافات الذي يحتل فلسطين، ويهدد كل الوطن العربي الكبير، لتكبروا بأمن وسلام، ولا يحرمكم رصاص الاحتلال من الحياة الآمنة المطمئنة كما فعل بمحمد التميمي..آمين.