طباع الذئاب لا تتغير بتقادم الايام
فرنسا التي بات دورها هامشياً في أزمات منطقة الشرق الاوسط تحاول استئناف نفوذها ودورها التاريخي من البوابة السورية بأن تكون الراعي الدولي لعملية الانتقال في سوريا.
فأول مؤتمر دولي حول سوريا عقد في 13 شباط الماضي احتضنته باريس، وكانت من اولى الدول الاوروبية التي ارسلت وزير خارجيتها "جان نويل بارو" - متزامناً مع وزيرة خارجية المانيا – كما قامت باعادة فتح سفارتها التي اغلقت في مارس 2012. وقال الوزير الفرنسي: ان فرنسا لا تكتب شيكاً على بياض. فحصلت فرنسا العقد الذي وقعته؛ "الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية" السورية مع شركة "سي ام ايه سي جي ام" الفرنسية ومدته 30 عاماً، ويتضمن قيام الشركة بتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية بقيمة 230 مليون يورو. اضافة لضخ الاستثمارات الفرنسية في مختلف القطاعات الاقتصادية في سوريا. ولكن عند وصول الجولاني الى مطار "شارل ديغول" وضعت فرنسا في استقباله عند نزوله من الطائرة سجادة حمراء قصيرة جداً، دلالة على التقليل من قيمة الشخص الزائر، كما لم ينشر الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" اي صورة او تصريح على صفحته الشخصية، في المقابل نشر حساب الرئاسة الانتقالية السورية رسالة من الجولاني يشكر فيها ماكرون. وضمن الاجابات على اسئلة الصحفيين والتي منها: الفرنسيون لا يثقون بكم باعتباركم قائد جماعة متطرفة سابقاً، قال الجولاني: ليست لنا اي علاقة واي يد في اي عمل اجرامي حصل في اي مكان خارج سوريا. بينما تجمع عشرات السوريين من ابناء الجالية السورية في فرنسا ورفعوا لافتات وصوراً لمدنيين قتلوا خلال الاشهر الماضية في عمليات ذات طابع طائفي، بالتزامن مع وصول الجولاني الى باريس، صاحوا بهتافات: برة برة جولاني يطلع برة.
فما دلالات زيارة الجولاني لمن استعمروا بلاده، منذ عام 1920 باندلاع الحرب الفرنسية السورية بين الحكام الهاشميين للملكة العربية السورية وجيش الاحتلال الفرنسي بلغت ذروتها في معركة ميسلون، فدخلت القوات الفرنسية دمشق في 24 يوليو 1920 واعلنت عن تشكيل حكومة موالية لفرنسا برئاسة علاء الدين الدروبي.
واستمر الاستعمار الفرنسي حتى 17 ابريل عام 1946 يوم استقلال سوريا؟ وكيف يمكن قراءة السياسة الفرنسية تجاه سوريا كجزء من استراتيجية أوسع لاعادة التحكم وتقطيع الاوصال مثلما فعلت فرنسا بتنازلها عن الموصل التي كانت حسب سايكس بيكو جزءاً من الانتداب الفرنسي، وكذلك عما تبقى من شرق الاردن والتي كانت تابعة لسوريا؟ فلاعادة الخريطة الاقليمية بعد سقوط نظام الاسد، تعد المناطق ذات الغالبية الدرزية في الجنوب السوري وعلى رأسها السويداء جزءاً من مسرح العمليات لتوسيع نطاق النفوذ الاسرائيلي نحو العمق السوري بما يعرف بأسم "ممر داوود" المشروع الذي يمتد من الجولان المحتل نحو محافظة السويداء ودرعا ثم يتصل بمناطق النفوذ الكردي.
الجيش الاسرائيلي افاد انه قام خلال الايام الماضية باجلاء عشرة مصابين سوريين من الطائفة الدرزية لتلقي العلاج في "اسرائيل" بعد اصابتهم داخل الاراضي السورية، واضاف البيان: ان قواته منتشرة في جنوب سوريا وستبقى مستعدة لمنع دخول قوات معادية الى المنطقة والى القرى الدرزية! اذن فهناك مشروع لتقاسم النفوذ بعد تقطيع الاوصال، وللاستراتيجية الاقتصادية الدور الابرز باعتماد الغطاء الرسمي للحكومة السورية الجديدة الموالية للغرب، من خلال ربط شرق المتوسط بالخليج الفارسي والمشاركة في مشاريع نقل الغاز والتجارة البرية عبر الاردن والعراق وتركيا بربطها كذلك بالموانئ الاسرائيلية على البحر المتوسط، حيفا واسدود" وبالمعابر البرية عبر الاردن والعراق نحو الخليج الفارسي من جهة وبالاراضي التركية كممر نحو اوروبا من جهة اخرى.
ان اولى الاشارات على تواطؤ الادارة السورية الجديدة مع ما يتم رسمه للمنطقة ما نقلته صحيفة هآرتس والقناة 13 التلفزيونية الاسرائيلية الخميس الماضي من محادثات سرية بين سوريا والكيان الصهيوني بوساطة اماراتية، بالتزامن مع وصول الجولاني الى باريس الاربعاء الماضي.
الامارات بدورها قد مهدت لقناة سرية للتواصل بين سوريا والكيان الصهيوني حول مسائل امنية ومد جسور الثقة منذ الثالث عشر من ابريل الماضي، وهو ما نقلته وكالة رويترز عن مصادر مطلعة. وضم الوفد السوري شخصيات دفاعية كبيرة، والاجتماعات استمرت لعدة ايام شارك فيها مسؤولون اسرائيليون من وزارة الدفاع، وتعتبر خطوة غير مسبوقة في استكشاف فرص جديدة للتعاون. فالذي يجمع العصابة الحاكمة قي سوريا مع المشروع المعد للمنطقة اضافة الى ما يطفو على السطح بين الفينة والاخرى كما حصل في حزيران 2015 حيث كانت سيارات الاسعاف الاسرائيلية تنقل جرحى جبهة النصرة في مجدل شمس وحرفيش، هو الاشتراك في الطباع الذاتية التي لا يمكن تغييرها بعد ان استمرأت شرب الدماء وقتل الابرياء، والقادم اسوأ.