’سي آي إيه’ استمرت بعملها في الداخل السوري وعلى الحدود
صباح أيوب”
خلقت واشنطن قبل عام أسطورة جيش "حزم” "المعتدل” الذي سينتصر بدعمها ورعايتها. أرسلت له الغذاء وضبّاط "سي آي إيه” وصواريخ "تاو”، لكنها صمتت حيال تحالفه مع "النصرة” وتجاهلت حدث سقوطه منذ أيام.
عندما أرادت واشنطن قبل عام أن توهم العالم (مرة أخرى) بأنه ما زال في سوريا مقاتلون "معتدلون” وأنها تريد أن تدعمهم بــ”التدريب والمعدّات”، كانت "حركة حزم”. عندما أراد البنتاغون أن يدخل صواريخ أميركية الصنع بطريقة "شرعية” الى الجبهات السورية، أرسلها الى "حزم”. و”وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي إيه) استمرت بعملها في الداخل السوري وعلى الحدود لكن بشعار جديد معلن وهو "تدريب عناصر حزم”.
في بداية عام ٢٠١٤ سوّقت الإدارة الأميركية وجيشها واستخباراتها لفكرة أنهم يُعدّون "جيشاً بديلاً” قادراً على إسقاط النظام ومولوداً من رحم "الجيش الحرّ” (بعدما فشل الأخير). "جيش مؤلف من ثوار معتدلين مؤمنين بدولة ديموقراطية سيقاتلون قوات النظام ويهزمونهم، وسيحافظون على الأقليّات”. هكذا أراد المسوّقون (من مسؤولين وضبّاط استخبارات وصحافيين) أن يرى العالم "حزم” عندما أطلقت في ٢٧ كانون الثاني ٢٠١٤.
أرسلت واشنطن ضبّاطها ومخبريها ومواد غذائية ومعدّات عسكرية وصواريخ "تاو” مضادة للدبابات... "الى الشعب السوري من الولايات المتحدة الأميركية”، كما كتب على الصناديق المختومة. لم ترشح أي تفاصيل عن برنامج تدريب "سي آي إيه” لاحقاً، ولا معلومات دقيقة عن كيفية تدريب عناصر "حزم” ومدى جاهزيتهم لتلقّي الصواريخ. والإعلام الأميركي ردّد على مدى عام ما أرادت الأجهزة والإدارة تعميمه عن أسطورة تدعى "الجيش البديل المعتدل”.
هكذا لم يُسأل الرئيس باراك أوباما بداية كيف جرى فحص "اعتدال” هؤلاء المقاتلين قبل اختيارهم للمهمة الحساسة وتزويدهم بصواريخ (!)، كما لم يُساءل عندما تحالفت "حزم” مع "جبهة النصرة” مرّات عدّة في المعارك.
وإضافة الى التعتيم على ما كان يجري على الأرض من سلوكيات "غير معتدلة” من قبل "حزم”، كان من اللافت عدم توقف الاعلام والمسؤولين عند تفاصيل ذات دلالات مهمّة، إذ لم يهوّل الإعلاميون مثلاً من السيف وسط شعار "حزم” - والشعار التسويقي مهمّ عادة في الحملات الأميركية - ولم يتوقّف أي من المسؤولين عند اللغة التي استخدمتها الحركة في بياناتها، والتي لا تختلف في الشكل ولا في المضمون عن لهجة بيانات المجموعات الإسلامية المتطرفة. ولم يسجّل تحذير المموّلين الداعمين من اعتماد "حزم” لــ”شرعي عام” يفتي بقراراتها كما الفصائل الإسلامية المتشددة الاخرى. لماذا لم يُرعَب الجمهوريون ولا الديموقراطيون على مشهد مقاتلين ملتحين يكبّرون خلال إطلاق صواريخ أرسلوها إليهم للتوّ؟ لمَ لم يُصعق الإعلام الأميركي السائد ببيانات "حزم” عن "حكم الشرع (الذي) نسلم له رقاب قادتنا قبل عناصرنا”، ولا بالبيانات والتغريدات التي تضج بخطاب مذهبي مطابق لما تبثّه باقي الفصائل المتشددة؟
وكما تصرّفت الإدارة وإعلامها بخبث خلال مرحلة "نجومية” الحركة، ها هم يتبنّون موقفاً واحداً أيضاً عند سقوطها. إعلان "حزم” حلّ نفسها واستيلاء "النصرة” على صواريخها وانضمام مقاتليها المدرّبين أميركياً الى "الجبهة الشامية” الإسلامية لم تتبعه، رغم فداحته، تساؤلات أو استنكارات أو تهويلات بحجم الحدث. تغطية تلفزيونية متواضعة جداً ومقالات لا يتعدّى عددها عدد أصابع اليد الواحدة وتصريحات خجولة أرادت تحجيم حدث مفصلي وخطير كسقوط "جيش أميركا” في سوريا.
مقال في "ذي دايلي بيست” الاسبوع الفائت، وآخر في "لوس أنجلس تايمز” لفتا الى أهمية الحدث وأشارا الى بعض جوانبه الخطيرة. عن وصول الأسلحة الأميركية وصواريخ "تاو” الى "النصرة” "مرة جديدة”، وانتقال المقاتلين الذين درّبتهم "سي آي إيه” الى حركات أكثر تشدداً، واستمرار "سي آي إيه” في برنامجها شمالي سوريا، وعن تحالف "حزم” مع "النصرة” في حلب واستمرار تحالف مجموعات مدعومة من الغرب مع "القاعدة”... كتب صحافيّو "بيست” و”لوس أنجلس تايمز” في المقالين البارزين الوحيدين بعد عشرة أيام على الحدث.
"بغض النظر عن مصير القوات الجديدة التي تريد واشنطن تدريبها كما أعلنت أخيراً، يبيّن سقوط حزم أنه لا توجد أي ضمانات لنجاح المشروع الجديد في ميدان يصعب التنبّؤ به كسوريا”، يشير مقال "لوس أنجلس تايمز”، مذكّراً بمشروع واشنطن لتدريب قوة "معتدلة” جديدة في الاردن والسعودية بدءاً من الشهر الحالي. المقال ينبّه من خطورة تكرار تجربة "حزم”، ويقول إن "تعريف واشنطن للمتمردين المعتدلين بات غير واضح في سوريا مع نشوء مئات الفصائل المتمردة، والسهولة في تبديل الولاءات، وسيطرة الإسلاميين المتطرفين على ساحة معركة طائفية”.
"تايمز” نقلت آراء بعض المحللين الذين ما زالوا يدعون الى "زيادة ضخّ السلاح ومؤازرة القوات المعتدلة على الأرض بطلعات جوية... من أجل هزم قوات الأسد ومقاتلي حزب الله”، لكنها أشارت الى أن ذلك "من شأنه أيضاً أن ينقل المزيد من الأسلحة الأميركية الى المتشددين”. "سقوط حزم ليس سوى ضربة أخرى للجيش السوري الحرّ الذي طالما كان مفكّكاً من دون قيادة مركزية وبأيديولوجيات تختلف مع اختلاف الأجندات”، ختم مقال "تايمز”، ناقلاً عن أحد ضبّاط "الحرّ” قوله: "لم يبقَ من الجيش الحرّ سوى مجموعات قليلة. سقوط حزم حدث كبير جداً”.