مصر وحماس.. وتناقض المفاهيم!
أبورياض
لم يكن القرار المصري بوضع الجناح العسكري لحركة حماس على لائحة الإرهاب (لاحقا تم وضع الحركة بأكملها على لائحة الإرهاب)، سوى إستكمال لحالة الصدام السياسي الدائرة منذ الإطاحة بحكم الرئيس محمد مرسي.. بين مصر زمن السيسي وحماس زمن خالد مشعل. ليُنذر القرار بمرحلة شديدة التوتر مرشحة للتصادم العسكري بين مصر والبندقية الفلسطينية. ولقد كان للإعلام من كلا الطرفين الدور الأكبر في تأجيج الأمور بإتجاه تفاقم العلاقات المصرية الحمساوية. وما يُقلق لاحقاً هو هذه الأصوات الإعلامية المصرية المطالبة عبر أكثر من لسان صحفي وإعلامي.. الجيش المصري بتوجيه ضربة عسكرية ضد حماس داخل القطاع كتمهيد ومساهمة (بعلم أو بدونه) في تصفية البندقية الفلسطينية القادرة على الوقوف في وجه الصلف الإسرائيلي! فهل نحن حقا أمام دور مصري بقيادة الرئيس السيسي تتخلى فيه مصر عن دور الشقيق الأكبر الداعم للقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية!؟
لست مِمَّن يميل إلى هذا الإعتقاد، وذلك لإرتداد ذلك سلباً على حجّم الدور المصري عربياً وإقليمياً ودولياً، والذي سيُفقد مصر الكثير من توازناتها السياسية في المنطقة العربية والدولية. فالقضية الفلسطينية مهما حاول البعض إخراجها من دائرة الضوء والإهتمام.. تبقى شهادة الفرز في المواقف الوطنية.. والعنوان الأبرز لإستقرار منطقة الشرق الأوسط إن لم تكن للعالم بأسره. لذا نرى أن مصر بما تمتلكه من بُعد في دورها العربي والإقليمي، لا يمكن أن تقع في وحول مستنقع الإرباك السياسي عبر إتخاذها قرار التهديد او التدخل العسكري ضد القطاع من أجل وقف تجاوزت حماس السياسية أو العسكرية التي تعتقد مصر بوجودها.
ويبقى التساؤل الأهم، هو في كيفية منع حدوث مأساة فلسطينية تزداد فيها الأيدي العربية المُلطخة بالدم الفلسطيني.
مما لا شك فيه، أن القيادة المصرية تدرك بأنها تواجه معركة إرهابية منظمة الإيقاع والأهداف تهدد أرض الكنانة بأكملها. معركة لها أدواتها التنفيذية المتمثلة في الأخوان المسلمين والعديد من التنظيمات التكفيرية المنتشرة في أرجاء الوطن العربي. وتُدرك مصر أيضاً، أن وراء هذه الأدوات الإرهابية، دول عربية وإقليمية لها أجندتها الواضحة الأهداف. من خلال ذاك نرى أن الفصل في تصنيف هذه المجموعات الإرهابية بين الداعم البريء والمدعوم الإرهابي كلٌ حسب موقعه الجغرافي هو خطأ لا يجب الوقوع في دائرته. إذ كيف تُصنِّف القيادة المصرية تنظيم الأخوان المسلمين في مصر تنظيماً إرهابياً.. بينما لا تراه كذلك في سورية والعراق وليبيا ( لو لم يُذبح ال 21 مصريا في ليبيا لما تم تصنيف المجموعات الإرهابية هناك)! إنها إزدواجية وإرباك سياسي وعسكري سيأخذ مصر بإتجاه المزيد من الموت والدمار.
وأيضاً تُدرك القيادة المصرية أن دولاً عربية وإقليمية تحاول أن تضع الموقف المصري ضمن سياسة النأي بالنفس لتبقيه خارج دائرة القرار الفاعل بخصوص القتل والدمار في كل من سورية والعراق وليبيا واليمن ولبنان!. ومن المغالطة السياسية أن لا ترى مصر في الدول التي تدعم الإرهاب دولاً عدوة كذلك لمصر بقدر عداوة تلك الدول للعراق وسورية وليبيا..!. فسياسة النأي بالنفس التي إرتضتها مصر لنفسها، هي سياسة أقل ما يقال عنها بأنها سلبية وتُحسب على مصر، كونها غضت النظر عن دمار دول عربية بأكملها.. رضوخاً لبعض الدول العربية والإقليمية التي تسعى عبر المال للهيمنة على القرار المصري أو تحييده على أقل تقدير، وهو رضوخ مصري مستغرب ومرفوض! إنها سياسة (الجزرة والعصا) من قِبَل الدول العربية والإقليمية الفاعلة تجاه مصر. فإما الدعم المالي والإستثمارات الكبيرة إن هي نأت بنفسها ورضخت لتمرير المخططات التي يدور تنفيذها على الأرض العربية، أو إيقاف الدعم المادي والتهديد بحرب إرهابية على أرضها تمزّق الوطن المصري ونسيجه الإجتماعي إن هي شقت عصا الطاعة!
إنه (المال والإرهاب) وُضعت سياسته بإتقان شديد، لإضعاف القرار المصري سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً، تمهيدا لإصطياد مصر الدولة والتاريخ منفردة يوم تفرغ المهام في كل من العراق وسورية وليبيا.. ويومها لن ينفعنا القول: أُكِلتُ يوم أكِلَ الثور الأبيض! فهل حقا مصر بكل تاريخها العريق لا ترى كما نرى!؟.
- منذ اليوم الذي أعلن فيه الرئيس أنور السادات فك التنسيق السياسي والأمني مع المشرق العربي وتحديدا مع القيادة السورية والعراقية. منذ ذاك اليوم، بدأت ملاح العزلة والإرباك في الأداء السياسي المصري، وتقلص الدور الفاعل لمصر في المنطقة العربية وعموم الشرق الأوسط. لقد رهن في حينه الرئيس السادات الموقف المصري للسياسة الأميركية الغربية ضارباً بعرض الحائط ما يمثله مثلث القوة العربية (سورية العراق مصر) من مصدر إستقرار وأمن للمنطقة العربية. وهو قرار يغالط منطق التاريخ. فأمن مصر القومي لم يكن يوماً إلا عبر بوابة دمشق وبغداد.. ولن يكون غير ذلك مهما كثرت مساعدات بعض الدول العربية المسلوبة الإرادة، أو جاءت وعود وردية من دول إقليمية لا ترى في مصر غير العدو الأزلي المؤجل صِدامه.
إنه التاريخ يقول، ما إلتقت مصر وسورية والعراق إلا وكان النصر حليفهم.. وما إفترقا وإختلفا إلا وكان الخذلان والهزائم عناوين سياساتهم. لن تكون مصر القوية المُهابة بدون بُعدها القومي، ولن تمتلك بُعدها القومي بدون دمشق وبغداد. فالذي يريد أن يُوقِع مصر في مربع قطاع غزة الفلسطيني، هو في الأساس من يرغب في إبعاد مصر عن أمنها القومي وعن دورها الإقليمي وإرباكه في دائرة فلسطينية مغلقة.. تتعطل فيها مصر القادرة على مواجهة المخططات المشبوه في المنطقة العربية وعموم الشرق الأوسط!
أما بالنسبة لحركة حماس، فالعلاقة المتوترة مع القيادة المصرية فالمرجوا والمنتظر من الحركة أن تضع لها حداً وتعمل على إزالة كل ما من شأنه تعكير صفو العلاقات المصرية الفلسطينية، لتبقى قنوات التواصل المصرية مفتوحة مع كافة الأطراف الفلسطينية بما فيها حركة حماس. لكون مصر (شاء من شاء وأبى من أبى) هي الشقيق الأكبر الذي يستطيع أن يساعد في تصويب القرار الفلسطيني ومساندته إن هو تعرَّض لبعض الضغوطات والإملاءات الخارجية.
- إن مُفتاح البعد القومي للقضية الفلسطينية هو في الإحتضان المصري لها، وأن المصالحات والخصومات وحتى الصدامات الفلسطينية الفلسطينية لن تجد طريقها إلى الحل بدون مصر القادرة على إستيعاب تلك التجاذبات وإيجاد المخرج لها.
- من الحكمة أن تستنهض حماس موقفاً عملياَ وإيجابياً تجاه مصر يزيل الإلتباس في موقف حماس تجاه الأحداث الإرهابية الدامية التي تتعرض لها مصر هذه الأيام!
- إن التنسيق مع مصر سياسيا وعسكريا (وليست تركيا أو قطر) سيمنح القرار الحمساوي الفلسطيني مساحة واسعة من هامش الإستقرار والمناورة التي يتطلبها الموقف الفلسطيني في مواجهة الصلف الإسرائيلي والضغوطات الغربية.
- يجب التسليم بأن تنظيم الأخوان المسلمين هو تنظيم سياسي وُلد وترعرع خارج الأرض العربية، وأن أجندته كانت ولا تزال غير فلسطينية. وأن فلسطين لم تكن يوماً وجهتم الفكرية.
- ليس هناك من مُرشد ومُلهم لقيادات شعبنا الفلسطيني غير فلسطين القضية، التي يجب أن تبقى فلسفتهم الفكرية والنضالية مهما تبدّلت المفاهيم والموازين العربية والإقليمية.
- إن الحلفاء الجدد المُعتمدين في الفلسفة الفقهية لحركة حماس( تركيا.. قطر.. الأخوان المسلمين.. ومن لف لفيفهم) هم أكثر الدول والتنظيمات إلتساقاً بالمخطط الإسرائيلي في المنطقة العربية، فكيف نفهم إصرار حماس على هكذا تحالف!؟
- وأخيراً، إن عدم فك الإرتباط من قِبل حماس مع تلك الدول والتنظيمات ومخططاتها في المنطقة، وبقائها ضمن هذا الإرتباط، يضع الكثير من علامات الإستفهام داخل الشارع الفلسطيني وعموم الشارع العربي، حول هوية القرار الفلسطيني داخل حركة حماس ولصالح من تُرسم خطوطه!!