اعتصار العدو في هذا المضيق
حسين شريعتمداري
1 ـ مرة اخرى تتطاول صحيفة "شارلي ايبدو" الفرنسية بعد ان وجهت اهانة قبل سنوات للساحة القدسية لرسول الله (ص)، اذ اقدمت على وقاحة جديدة تجاه الشؤون المقدسة الدينية الوطنية لشعب ايران المسلم، بعد ان افشل الشعب مشروع اميركا واوروبا في دعم مثيري الشغب والارهابيين المأجورين والقمهم حجرا في فيهم.
وبعد هذه الاهانة الوقيحة للصحيفة المذكورة، استدعت وزارة الخارجية الايرانية السفير الفرنسي محملة الحكومة الفرنسية تداعيات وقاحة الصحيفة الفرنسية، فرجعت الحكومة الفرنسية الامر الى حرية التعبير! ولم توضح انه اذا كان هناك حرية تعبير في فرنسا فلماذا يتم اعتقال من يشكك في اسطورة الهولوكوست وفي عدد الضحايا الذين تفترضهم الصهاينة، فيتم حبس من يعبر عن شكوكه او يدين ذلك، واضافة للسجن يحكم بدفع غرامة ثقيلة! يذكر انه في عام 1990، صادق البرلمان الفرنسي على قانون "غاسو" كمرجع قانوني لمجازاة منتقدي اسطورة الهولوكوست، فيما صادقت بعض الدول الاوروبية على قوانين مشابهة، اذ عليه يحكم منتقد الاسطورة المزيفة بالسجن ودفع الغرامة الثقيلة! ومن المحكومين بهذه القضية نذكر منهم؛ البروفيسور "روبرت فريسون"، والبروفيسور روجيه غارودي ، والبروفيسور "اورسولا هاوربك" وهو استاذ جامعي يبلغ الثامنة والثمانين من العمر، وعشرات الامثلة الاخرى التي تعرضت لحكم السجن ودفع الغرامة رغم تقديمهم للادلة الموثقة بان الهولوكوست اسطورة اخترعتها الصهيونية وكذبة تاريخية كبيرة. وواحدة اخرى من مئات الامثلة، الكاريكاتور الذي نشرته صحيفة فرنسية حول الرئيس الفرنسي "ماكرون"، فتم توقيفها فورا واحالة مسؤوليها للمحاكمة وتغريمها!
وهنا حديث في طول ما قدمناه:
2 ـ فقد اوردنا في العدد المنقضي بتاريخ 13 ديسمبر عام 2022، مقالا تحت عنوان "ألسنا اُمة الامام الحسين (ع)"؟ في ا شارة الى الجرائم العلنية للحكومات الاوروبية في دعم مالي، وتسليحي واعلامي عن الارهابيين مثيري الشغب والمأجورين، حيث قلنا؛ "إن اجراء وزارة الخارجية الايرانية في استدعاء سفراء الدول الاوروبية وتسليمهم مذكرات احتجاج، رغم انه اجراء يستحق الثناء، إلا انه في خضم الحرب المركبة من العيار الثقيل التي فرضها اعداء الخارج على بلدنا، وفي الوقت الذي تداس جميع القوانين الدولية المتفق عليها، لتنشغل هذه الدول وضح النهار بالدعم المالي والتسليحي والاعلامي للجرائم الوحشية لمثيري الفتن الارهابيين، حتى بلغ بها ان تحدد رسمياً جائزة للاشخاص المرقمين في اغتيالهم! فالحظر على المسؤول الاوروبي والاميركي الكذائي، او استدعاء سفراء هذه الدول الى وزارة الخارجية الايرانية، ليست مقارنة بالاحقاد المستمرة للدول المذكورة لا ترقى للتكافؤ المفروض وحسب بل يصعب رفع مؤشر الردع لسقف الصفر"! مؤكدين حينها ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تمتلك آليات كثيرة لردع اميركا واوروبا الارهابيتين في دعمهما للارهابيين، مازالت هذه الآليات متوقفة دون تفعيلها او يقل العمل بها. إذ هي آليات تحتسب عند المشرع الدولي قانونية لاغبار عليها.
3 ـ واوردنا حينها قضية اغلاق مضيق هرمز امام ناقلات النفط والسفن التجارية للدول المذكورة كواحدة من الآليات الفاعلة والرادعة لمواجهة جرائم اميركا واوروبا التي ذكرناها. اذ ان مضيق هرمز يمثل ثاني مضيق مكتظ في العالم، تعبر من خلاله يوميا ما يقرب من 18 مليون
برميل نفط اي ما يعادل 42% من النفط الخام المتداول عالمياً عن طريق ناقلات النفط.
فالجمهورية الاسلامية الايرانية واعتماداً على معاهدات عام 1958في جنيف وعام 1982 في جامايكا واللتان تتناولان "النظام القانوني للممرات المائية الدولية وحقوق السفن في العبور"، لها الحق وبامكانها غلق مضيق هرمز، اذا ما تعرضت مصالحها القومية للخطر، بوجه جميع السفن الحاملة للنفط وحتى السفن الحاملة للسلع التجارية والاسلحة، ولا اعتبار لاي تصريح مرور للدول المتنازعة من خلال مضيق يدخل ضمن سيادة بلدنا. انه حق قانوني لايران لا نقاش فيه بعدم السماح لناقلات النفط والسفن الناقلة للسلع التجارية والتي تعود لدول متنازعة من العبور خلال مضيق هرمز.
4 ـ والجدير ذكره، ان المواد 14 الى 23 من معاهدة جنيف لعام 1958، والمواد 17 الى 37 من معاهدة جامايكا لعام 1982، تختص بموضوع البحار المتشاطئة وحق السفن بالعبور.
فالمادة 14 من معاهدة جنيف لعام 1908، وضمن تصريحها لعبور سفن جميع الدول سواء الدول المتشاطئة او غيرها في البحار المتشاطئة (وهنا ايران الاسلامية)، وجاء في البند الرابع من المادة نفسها، "ان ملاك الضرر في العبور والمرور عدم إلحاق اذى بنظم وامن واستقرار البلد المتشاطئ"، فيما المادة 16 من المعاهدة، تقول باسناد قضية "تشخيص عدم ضرر او الحاق الاذى للسفن المارة" بالدولة المتشاطئة للممر المائي.
5 ـ وهنا يثار هذا التساؤل الهام والمنطقي من المسؤولين المحترمين للبلد (ولا نعني وزارة الخارجية فقط)، انه لماذا لا يفعل هذا الحق القانوني للجمهورية الاسلامية الايرانية لمواجهة مفحمة مع جرائم الدول المتنازعة؟! ولنسلط الضوء على ثلاثة نماذج ادناه:
الف: خلال الحرب المفروضة وحين وصل خبر، ارسال الاسطول الاميركي للخليج الفارسي الداعمة صدام، لسماحة الامام (ره)، فقال: اذا استشرتموني فسارشدكم الى استهداف اول فرقاطة تدخل الخليج الفارسي واغراقها فورا.
باء: في تموز من عام 2018، قال السيد روحاني رئيس الجمهورية حينها، مخاطبا الغربيين؛ "من يدرك من السياسة القليل لا يقول بصد ايران من تصدير النفط. فلدينا مضائق كثيرة، فمضيق هرمز واحدة منها". وبعد هذا التصريح للسيد روحاني، قال سماحة القائد المعظم؛ "ان حديث رئيس الجمهورية في زيارته الاخيرة لاوروبا والقاضية بانه "اذا لم يتم تصدير النفط الايراني، فلا يسمح لتصدير نفط اي بلد في المنطقة، حديث هام، ويعكس عن سياسة ونهج النظام. فمن مهام وزارة الخارجية متابعة جادة لهكذا مواقف تصدر عن رئيس الجمهورية".
جيم: في تلك الظروف كتب الشهيد الكبير الفريق قاسم سليماني في رسالة موجهة للسيد روحاني يقول فيها؛ "ما رشح عن وسائل الاعلام بخصوص تصريحات جنابكم، والقاضية بانه اذا لم يسمح لايران بتصدير نفطها فلا ضمان في البين بالسماح لدول المنطقة ان تصدر نفطها، وما تفضلت من بيان قيّم حول موقف الجمهورية الاسلامية الايرانية حيال الكيان الصهيوني، يستحق الاعتزاز والفخر ... وبدوري اقبل يدك لتفضلك بهذه الكلمات المناسبة والحكيمة والصحيحة، مستعدون لدعم اي راي سياسي يصب في منفعة النظام الاسلامي".
ورغم ان متابعة القضية لم تأخذ مساحة من رؤية وخط مسار السيد روحاني، الا ان ترحيب سماحة القائد والشهيد سليماني يعكس ان تفعيل هذه الرؤية ليس لا مناص منه وحسب بل هو امر ضروري.
6 ـ وبالتالي ان كنا قد استعنّا بالمساحة القانونية المتاحة لنا مع باكورة الردود الحاقدة للخصم، واغلقنا مضيق هرمز بوجه السفن الحاملة للنفط والتجارية للاعداء، وفي بعض الحالات مصادرة حمولاتها المنقولة تحت عنوان جبر الاضرار، لما تجرأ العدو المجرم مصاص الدماء على الاستمرار في جرائمه، وكا قال الشاعر سعدي في كلمات حكيمة؛
لربما يغلق عين الماء بتراب قليل
فان فاض فلا يمكن عبوره على صهوة فيل