إيران… تظاهرات واحتجاجات بتوقيت أميركي
د. حسن مرهج
المسار السياسي والعسكري في الشرق الأوسط، بات واضحاً أنه تتمّ هندسته وفق المعطيات التي افرزتها نتائج وتداعيات الحرب على سورية، حيث أنّ جمود المسارات الأميركية في سورية، أو ما يمكن تسميته بـ الانزياح الاستراتيجي الأميركي، عن جملة الأهداف في سورية. قابله في المضمون السياسي والعسكري، انتصار محور المقاومة، وتكريس معادلات جديدة تنبئ بفصول المرحلة المقبلة، والتي لن تخلو من محاولات أميركية تستهدف عمق عواصم المقاومة، من دمشق إلى بيروت مروراً ببغداد ووصولاً إلى طهران.
هذه الحقيقة التي وسَمت مشهد هذه العواصم، تشي بأنّ الإخفاق الأميركي في توظيف الإرهاب واستثماره سياسياً وعسكرياً، لم يفلح في قلب المعدلات وتبديل الوقائع، من هنا بات لزاماً على واشنطن التدخل مباشرة وعبر أدواتها الإقليمية، لزعزعة الاستقرار عبر تظاهرات شعبية، وتهيئة الأرضية لانقلابات دون تدخل خارجي عسكري مباشر، وهنا لا يمكن إنكار بأن التحركات الشعبية حملت مطالب محقة، لجهة القضاء على الفساد ووضع مقدرات هذه البلاد في خدمة الشعب، لكن التوجيهات الأميركية لبعض الأطراف الداخلية ذهبت بإتجاه استثمار هذه التحركات، وحرفها عن مسارها الشعبي المطلبي المحق، والعمل على إحداث أكبر قدر ممكن من التجاذبات، وإلا بماذا يفسّر شتم رموز المقاومة في لبنان، وبماذا يفسّر الهجوم على سياسية إيران في تظاهرات العراق، وأخيراً بماذا تفسّر التحركات في إيران؟ كلّ هذه الاسئلة تصبّ مباشرة في بوتقة التدخلات الأميركية المباشرة وغير المباشرة.
من هنا يمكن القول، بأنّ الصورة الأميركية تقتضي إشعال إيران من الداخل، تزامناً مع تحركات شعبية في لبنان والعراق، تدين التدخل الإيراني في المنطقة. وصولاً إلى التظاهرات في إيران، والتي رفعت مطالب حرية المرأة، كمدخل خبيث لزعزعة الاستقرار في المجتمع الإيراني، ولم تخلُ الشعارات من مطالب كفّ إيران عن سياساتها الخارجية، الأمر الذي يمكن وضعه في إطار المطالب الأميركية الواضحة، ولا ننسى أنه في وقت سابق، قالها صراحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بأنه سينقل الحرب إلى داخل إيران. وكنقطة ارتكاز على هذا التصريح، يبدو أنّ كلّ المسارات السياسية والعسكرية إقليمياً ودولياً، تهندس بغية نقل المعارك إلى داخل إيران، وحتى قضية العقوبات على إيران، ومحاصرتها ضمن بنود الاتفاق النووي، لا تخرج عن هذا الاطار، يضاف إلى ذلك، أنّ إيران لم تتأثر بالمطلق بقضية العقوبات، بل على العكس، فقد استمرت إيران بتطوير قدراتها العسكرية والاستراتيجية، واستأنفت عمليات تخصيب اليورانيوم.
هذه المعطيات توضح لنا حجم المأزق الأميركي والخليجي عموماً في المنطقة وتجاه إيران، صحيح أنه في وقت سابق جنحت الإمارات نحو إيران، لكن الصحيح أيضاً، بأنّ واشنطن لا تزال تفرض تأثيراتها السياسية على عموم دول المنطقة، لكن ورغم ذلك، فإنّ القدرة الأميركية باتت محدودة سياسياً وعسكرياً، فالجميع يسعى إلى بناء تحالفات استراتيجية تجنّبهم الغرق في المياه الأميركية، فحجم الملفات التي أرهقت الجميع، من حرب اليمن إلى سورية والعراق ولبنان، ينبغي حكماً التوصل إلى حلول بشأنها، وعلى اعتبار أنّ إيران باتت قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة في العديد من الملفات، فلا بدّ هنا من تحجيم دورها، ومحاولة إسقاط نظامها، لجلب نظام يتماهي مع التوجهات الأميركية في المنطقة.
الاحتجاجات في إيران ليست بالأمر الجديد، ويمكننا ربط ما يجري في العراق ولبنان، بالتطورات الأخيرة في إيران، فهي سلسلة أميركية تسعى في المضمون والأهداف إلى إضعاف إيران ودورها في المنطقة، وللتأكيد فإنّ بعض المطالب محقة ومشروعة، لكن أن تتخذ التطورات طابعاً عنفياً وتخريبياً، فهذا عمق الخطة الأميركية، فالاحتجاجات الشعبية في إيران ضدّ ارتفاع أسعار الوقود مطلب حقّ، لكن أن تلجأ بعض العناصر إلى التخطيط لضرب خزانات الوقود وإضرام النيران فيها، فهذا يحتوي بعداً تخريبياً بقرار أميركي، ورغم ذلك، فإنّ إيران وبحكمتها السياسية قادرة على تجاوز هذا الأمر، كما تجاوزت في السابق الاحتجاجات التي اجتاحت المدن الإيرانية، والتي ايضاً كانت تحمل مطالب محقة، وتمّت معالجتها، وقطع الطريق على الخطة الأميركية الرامية لتفجير إيران من الداخل.
في النتيجة، لا يمكن لأيّ حراك في المنطقة إلا أن تكون واشنطن أحد أعمدته، فسياسية خلط الأوراق وتأليب الشعوب على حكوماتها التي تسير خارج الركب الأميركي، بات واضحاً للجميع، من هنا فإنّ قدرة محور المقاومة ككلّ، ستتمكّن من قطع الطريق على كلّ المحاولات الأميركية، وفي جانب آخر ستأخذ مطالب المحتجّين على محمل الجد، وستتمّ معالجتها بطرق سياسية، فإيران ذات الحضور الإقليمي القوي والمؤثر، لن ترهقها ولن تنجح أيّ محاولات لتخريب ما حققته إقليمياً ودولياً.