شرعة القتل في عقلية الغرب من عقائد الشيطان إلى النسوية والشذوذ
محمد أ. الحسيني
لم يكن إعلان أنتون لافي (Anton Lavey) في تموز/ يوليو من العام 1966 عن إنشاء "كنيسة الشيطان" في مقاطعة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، سوى محطة من محطات الشيطنة الفكرية و"حيونة" الإنسان، فقد سبقه كثير من الأشخاص الذين ابتدعوا أفكاراً ومعتقدات خارجة عن سياق الأديان السماوية، ونادوا بتقديس الحق الذاتي الذي يعطي كل فرد الحريّة في أي شيء يريده، ودعوا إلى الانفلات من القيود الدينية والاجتماعية، والتحرّر من الضوابط الأخلاقية من خلال كسر "المفاهيم المقولبة"، ورفض "التفسيرات المعلّبة" للحق والخير والجمال، وإسقاط المعتقدات التي يجمع عليها البشر في إطار تفسير الممدوح والمذموم من الفعل.
لافي وإنجيل الشيطان
صبّت معظم المبادئ الأساسية التي نادت بها كنيسة لافي الشيطانية، والتي ضمّنها في كتابه "إنجيل الشيطان"، على تمجيد إبليس وتبنّي الشرّ ونشر الرذيلة وتبرير أفعال القتل والإبادة والتخلّي عن القواعد الأخلاقية في تعاطي البشر في ما بينهم، وشدّدت على ضرورة رفض الدين بأحكامه وتشريعاته عموماً والمسيحي خصوصاً، باعتباره خدعة وحقيقة غير واقعية، وتسلّح لافي في تبرير إسقاط الدين بالفظائع التي ارتكبتها محاكم التفتيش في القرون الوسطى والإعدامات التي جرت بتهمة التجديف والهرطقة، وهي حوادث أفرزت حروباً استمرت ثلاثين عاماً بين الممالك الأوروبية، وتسبّبت بانقلابات وانقسامات في الكنيسة، إلى أن تم إرساء نظام جديد في أوروبا في العام 1648، بُني على مبدأ سيادة الدول، بعيداً عن سلطة الدين الذي بقي مقتصراً على ممارسة الطقوس لمن يشاء في الكنائس ودور العبادة.
انتصار الشيطان
جاء إعلان كنيسة الشيطان في منتصف ستينيات القرن العشرين، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي ذروة الاجتياح التحرّري في أوروبا مترافقاً مع انفجار الثورة الصناعية ودخول العالم في دائرة تحوّلات جذرية تمثّلت في هيمنة الدول الاستعمارية على الدول الاستهلاكية وتشريع هذه الهيمنة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وشكّلت هذه العوامل دافعاً لإطلاق هذه الفكرة، على الرغم من أنها لم تكن تحظى علناً بدعم من أي جهة أو تيار أو دولة، لا بل واجهت حملة مضادّة شرسة، فقد اعتبر علماء الاجتماع في الغرب ورجال الكنيسة أنها تخالف الطبيعة البشرية، وتدخل المجتمعات في حالة تحلّل لا تتوافق مع نظريات العقد الاجتماعي في تأسيس الدول والأنظمة، إلا أنها كانت تحظى بدعم ورعاية أجهزة المخابرات، فنجح لافي في جذب الشباب وتشكيلهم في تجمّعات ضخمة يمارسون فيها ألوان الرذيلة، ويحتفلون بانتصار الشيطان على الله.
كراولي المشعوذ الجاسوس
على المنوال ذاته كان أليستر كراولي، المشعوذ البريطاني الخرّيج من جامعة كامبريدج المتوفّى في العام 1947، قد أسّس في العام 1904 أثناء وجوده في مصر ما سمّي ديانة "ثيليما"، وجوهر هذا المعتقد هو "افعل ما تريد" دون التفكير في العواقب، فلكل فرد الحق في أن يستخدم أي طريقة ووسيلة لكي يصل إلى ما يطمح إليه، دون التفات لأي قانون أو قواعد أو ضوابط أخلاقية أو دينية تحت ذريعة التنوير. وعلى الرغم من أن كراولي يوصف بأنه "أخبث رجل شيطاني على وجه الكرة الأرضية"، فقد كان شاذاً مدمناً على المخدّرات والخمر، إلا أنّه استطاع أن يطوف أرجاء العالم للترويج لدعوته بالقول والممارسة، ليتبيّن من خلال كشف وثائق سرّية أنه كان جاسوساً تابعاً لجهاز الاستخبارات البريطانية طوال حياته وكان يحمل الرقم 666 (رمز الشيطان)، وكان مكلّفاً باختراق المجتمعات الشرقية من عربية وإسلامية في ذلك الوقت، وتأسيس معتقدات جديدة وفرق خارجة عن قواعد الإسلام وتشريعاته الأصيلة تحت مسمّيات مختلفة.
أخوية معبد الشمس
تعاليم كراولي "ألهمت" بعض التابعين المرتبطين بأجهزة الاستخبارات أمثال جوزيف دي مامبرو ولوك جوريه ليؤسسوا في العام 1984 في سويسرا ما يسمى "أخوية معبد الشمس"، وهي جمعية تتبع مبدأ "فرسان المعبد"، ومن أهدافها مساعدة الإنسانية في التحضير للمجيء الثاني للمسيح الإله - الشمس الملك؛ وتعزيز توحيد جميع الكنائس المسيحية والإسلام. واللافت في آثار هذه الأخوية سعار أتباعه للقتل، فقد أمر دي مامبرو بقتل طفل بطعنات بصليب خشبي لاعتقاده بأنه المسيح الدجال، وقام نحو 15 عضوًا منها بالانتحار بواسطة السم، وقتل 38 آخرون بالرصاص، ووجدت الشرطة مجموعة كبيرة من الجثث في مخابئ تحت المعابد تم التضحية بهم خلال أداء الطقوس، ومنهم من ترك رسالة يفيد فيها بأنه اختار الموت هرباً من تعاسة العالم.
رمز بافوميت
يكاد معظم الذين دعَوا ويدعون إلى الخراب الاجتماعي الكوني يجمعون على اعتماد رمز يدعى "بافوميت" (ماعز يهوذا السوداء)، وهو عبارة عن نجمة خماسية مقلوبة وبداخلها وجه ماعز، وكان أول من رسمه إليفاس ليفي في عام 1861م اعتماداً على ما ورد على ألسنة فرسان الهرطقة في فرنسا، حيث ردّدوا هذه التسمية على ألسنتهم أثناء عمليات التعذيب خلال محاكماتهم في العام 1307م. وقد اعتمد كراولي على هذا الرمز في ممارسة سحره الأسود باعتباره يجسّد الشيطان القويّ، ثم اعتمده لافي كرمز أساسي في كنيسته الشيطانية.
كنيسة الموت
هي كنيسة تعتنق ديانة "يوثاناسيا"، أسّسها القس كريس كوردا في مدينة بوسطن الأمريكية في العام 1992، ورسالتها "إعادة التوازن بين البشر والأنواع المتبقية على الأرض"، وتؤمن بتشريع الانتحار والإجهاض والشذوذ وأكل لحوم البشر كركائز أساسية في تعاليمها الكنسية. وتوصي هذه الكنيسة بعدم الإنجاب، فالأساس لديها هو الحفاظ على كوكب الأرض وليس الإنسان، فأصل الخليقة يعود إلى الأرض وأتى من اتجاهات مختلفة، ولا بد للإنسان أن يقيم علاقة توازن بينه وبين الأرض، حتى لو تطلّب الأمر أن يقتل الإنسان نفسه بالانتحار، لا سيّما حينما تصبح حياته عبئاً على الكون، فالموت شكل من أشكال الصواب الذي لا بد من الوصول إليه بأشكال متعدّدة، وشعار الكنيسة: "اقتل نفسك وأنقذ كوكب الأرض".
جمعيات ضد الإنسانية
لم تعد أفكار لافي وكراولي وعقائد الكنائس الشيطانية مستغربة، فهناك مئات النماذج الشبيهة التي عملت ولا تزال تعمل على ترويج فكرة نقض الإله والدين مقابل تقديس حرية الفرد في اختيار حياته كما في قتل نفسه، وكل ذلك مقدّمة لتسويق فكرة الإلحاد ونشر الرذيلة. ونصادف اليوم الكثير من الشبّان، المفتونين بما يسمّى "حضارة الغرب"، يعتنقون هذه الأفكار ويشجّعون على انتشارها في لبنان والدول العربية والإسلامية، فبعد أن اجتاحت "فلسفة" الحرية والتحرّر أوساط العالم الغربي تحت شعار حقوق الإنسان وتحرّر المرأة، ارتدت هذه الشعارات لبوساً مختلفاً تحت شعار "تمكين الفرد" ورفض "السلطة الأبوية" وتشجيع "الحركات النسوية" وإسقاط الهيمنة الذكورية والترويج للشذوذ، وكلّها ــ إلى جانب تطوّر التكنولوجيا وثورة وسائل الاتصال ــ تقود إلى مصبّ واحد يهدف إلى جعل العالم عبارة عن غابة من الفوضى مفتوحة بلا قيود أو ضوابط.
إن من يتلمّس الشعارات التي تطلقها هذه التيّارات التدميرية ــ قديمها وجديدها ــ سيجد أنها بعيدة كل البعد عن تعاليم الدين المسيحي وكذلك الدين الإسلامي اللذين يدعوان إلى المحبة والتسامح والسلام، ولكنه في المقابل سيجد لها تطابقاً تامّاً مع ما يعمل الغرب على تكريسه في العالم من فوضى وتشريع للقتل بحجة تنظيم الاستهلاك ومواجهة التضخّم السكاني، وصولاً إلى تطبيق خطة "المليار الذهبي" وبناء نظام كوني جديد ليس فيه طبقة وسطى، بل فقط حكّام وعبيد.