kayhan.ir

رمز الخبر: 153365
تأريخ النشر : 2022July06 - 20:25

انتخابات حمد: الشيخ قاسم يتصدى للطغيان

 

لطيفة الحسيني

عنايةُ آية الله الشيخ عيسى قاسم بتفاصيل الأزمة البحرينية المتجذّرة جليّة. يُحيط المرجع الكبير بكلّ ما يطرأ في "مسقط الرأس". على الرغم من البُعد الجغرافي، يواكب شجون الوطن وكيف يستمرّ آل خليفة في المُراوحة نفسها، من دون الإقرار بخطايا السياسات المتّخذة على مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية.

كثّف "الوالد" في الفترة الأخيرة، وتحديدًا منذ شهر رمضان الماضي، بياناته المرتبطة بالاستحقاق الانتخابي المُرتقب في تشرين الثاني/نوفومبر المقبل. 3 بيانات متتالية أظهرت حرصًا لم يخبُ في الأصل منذ أن تصدّى سماحته للشأن الوطني والإسلامي.

في 25/5/2022، توجّه آية الله قاسم في بيان أوّل ومقتضب عن الانتخابات الى النظام والشعب ليقول لا لتكريس الديكتاتورية باسم الديمقراطية، ورفض المشاركة التي تزيد في طُغيان الحكم واستبداده، دون أن يغفل عن التذكير برمزية الشهداء والسجناء المُعذّبين.

في 8/62022، بيانٌ ثانٍ من الشيخ عن الانتخابات أيضًا، سخر فيه من أداء السلطات، لينصحها بأن تُعلن دورة جديدة للمجلس النيابي الحالي لأنه على ما يبدو هو مجلس يمثّل الحكم لا الشعب، وما يجري هو استعانة على السياسة الانفرادية الجائرة.

أطول البيانات الانتخابية سجّلها سماحته في 30/6/2022 الفائت، خاطب فيه المعارضة والشعب حصرًا، ليرفع الصوت عاليًا بوجه الانقسام والتجزّؤ، مُلاحظًا أن لا التقاء على رؤية موحّدة بين المواطنين في ظلّ التمزّقات والتفريطات وتنافس الزعامات، مع التشديد على الالتفات الى سلب فرصة التخلّص من الواقع المرير.

المشهد واضحٌ بالنسبة للشيخ عيسى. المُراوغة متواصلة دون الاعتراف بعمق واستفحال  الأزمة. بشفافية وصراحة قائمتيْن على قوّة الحقّ، يقارب "أبو سامي" القضايا الوطنية حتى لا يأسف الشعب لاحقًا أو يندم. صحيح أن هذا الشعب مُخلص لتوصياته، لكن يريد له أن يعي فعلًا وعلى الدوام ماذا يحصل.

انفصام النظام عن الواقع

في المقابل، يُثبت النظام أنه أبعد ما يكون عن الواقع. إعلامه الرسمي يُبرهن ذلك. يُتابع تعداد المرشحين الذي فاقوا المئة لشغل أربعين مقعدًا في مجلس النواب. جميع هؤلاء محسوبون على النظام، ولا وجود لمن يُخالفه في الخريطة الانتخابية، فقانون العزل السياسي تحقّق وأُقصيت المعارضة تمامًا عن الصورة السياسية الداخلية. السلطة ووسائلها تُروّج للتنوّع لكن بأحزابٍ موالية تمامًا. الأصالة والمنبر والرابطة الاسلامية والصف والتجمع الدستوري وتجمع الوحدة الوطنية، كلّها جمعيات مؤيّدة للسلطة. ماذا سيتغيّر اذًا مع أسماء ووجوه مُعتادة؟ المعطيات تُشير الى ترشّح عدد كبير من أعضاء البرلمان الحالي الذي لم يُنتج شيئًا بل ترك الأمور تستفحل أكثر بلا محاسبة أو مساءلة، مع تطويقه الدائم من قبل أعوان الملك الذين يحضرون في أروقة المجلس أكثر ممّن يُفترض أنهم مشرّعون هناك.

وبالحديث عن التشريع، عودةٌ الى عمل المجلس. تكفي قضية قانون التعاقد والتعديلات عليه والسخط الشعبي الذي تسبّبت به مصادقة البرلمان على ما أتى من الحكومة، ليظهر حجم الإذعان الأعمى للنظام.

في كلّ ذلك، أين الملك؟ مشغول بسباق الفروسية. بالنسبة له قد يكون الحلّ أمام الرأي العام الغربي قبل المحلي، تعديلٌ وزاري لن تكون له نتائج على الأرض. الترجيحات تؤكد أن حسابات "المُعظّم" في مكان آخر تمامًا: همّه تقليص تأثير جناح الخوالد ومُخاطبة سطحية للشيعة في البلد عبر زيادة عدد وزرائهم المُوالين طبعًا.

ولأن كلّ هذه "الحركات" لم تعد تُقنع أحدًا، سوى المُغفّلين والبسطاء، يجهد الشيخ عيسى قاسم من أجل رفع حالة الوعي لدى الشعب. يحفّز "والد البحارنة" أبناءه كي لا يقعوا في الفخّ و"البروباغندا" الإعلامية للنظام. صحيح أن الملك اجتمع بالعلامة السيد عبد الله الغريفي، وصحيح أن صلاة الجمعة المركزية في جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز استُؤنفت وجمعية التوعية الإسلامية أُعيدت الى العمل، لكن في المقابل هناك كمٌّ هائل من المياه "العميقة" التي تُكذّب الغطّاس. الملك يُبقي على قانون العزل السياسي، لا بل يرفده بتعديلٍ آخر يحظر على أعضاء الجمعيات السياسية أو البرلمانيين الترشح لعضوية الأندية الرياضية حتى!

التسوية وُلدت ميتة؟

المسألة لا تقف عند المُشاركة السياسية الغائبة في البحرين. بعد السماح مجدّدًا للمصلّين بالصلاة في الدراز، حيث أمّ الشيخ عيسى الصلاة لسنوات طويلة، تسرّع البعض بالحكم. ظنّ أن تسوية تلوح في الأفق وهذه من بوادرها، غير أن اللاحق من الأيّام بيّن بطلان ما يصدر عن النظام. السلطة المُطبّعة مع العدو الاسرائيلي لم تستغث شعارات "الموت لاسرائيل"، فضغطت حتى اضطرّ إمام الجمعة في المسجد نفسه للطلب من المُصلّين التوقف عن رفع تلك الهتافات في هذه الفترة. ومنعًا لأيّة تأويلات أو اصطيادٍ بالماء العكر، كان الموقف الفصل من الشيخ عيسى الذي أكد في بيان صوابية الخطاب المركزي لصلاة الجمعة، المتمسّك بالإسلام الذي لا يحيد عن المبادئ والنهي عن المنكر، أكان تطبيعًا أم إهمالًا للحقوق المشروعة.

لا ثقة في النظام وما يسعى الى إشاعته. لن تستوي أيّة فرصة للإنقاذ وحلّ المشاكل في ظلّ المكابرة ورفض الاعتراف بالأخطاء. أين مُراجعة الأداء الحكومي والسلطوي طيلة هذه السنوات؟ الأكيد أنها لم تحصل. السجون المفتوحة خداعٌ مستمرّ، الإهمال المتعمّد في السجون للمعتقلين مثالٌ على التحايل المكشوف. طرحُ تسوية لا جذور متينة لها مشروع فشله محسوم. حتى الآن، المعارضة تُصارح، تُبادر، لكنها لا تستجدي حوارًا، غير أنها حاضرة له متى عُرض عليها، أمّا السلطة في كلّ هذا فتولي الأعداء أولوية على كلّ ما يخصّ الوطن. الاستفراد في الحلّ لا يوصل سوى الى حائط مسدود، وتغييب الشريك الأساسي في البلد وممثّلي الشعب يزيد الخراب. يختصر الشيخ عيسى قاسم دجل آل خليفة فيقول "إذا زعمتم بأنَّ الانتخابات حسب تخطيطكم لصالح الشعب فأنتم أوّل من يعلم بعدم الصدقيّة مطلقًا لهذا الزعم"، وباعتقاده النجاة لن تتحقّق إلّا بالتكاتف ونبذ الانقسام، والالتئام على الحقوق ورفض المشاركة في جريمة الفساد. ومن يزال يُراهن على اتعاظ النظام وإصلاحه وديمقراطيّته، عليه الاحتكام فعلًا الى المثل القائل:  "مين جرّب المجرّب كان عقلو مخرّب"!