المسار «الأوروأطلسي» واللعب على حافة الهاوية!
فاديا مطر
منذ بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا والدراماتيكية المتعدّدة سيدة الموقف في التصعيد الغربي ضدّ روسيا، فمن حيث لم تتوقف العملية الروسية في أوكرانيا تبدأ محذرات الدفع نحو التصعيد تبدو واضحة على وجوه الغربيين مع احتدام التصعيد العسكري وما قابله من ضغط غربي لم يترك مجالاً إلا وأخذ به، إذ أن المعسكر الغربي الذي يدفع بإتجاه التصعيد من كافة موجوداته لم يستوعب حتى اللحظة المخاوف الروسية ولم يعر إهتماما للأمن القومي الروسي في الحوض الأوراسي، وهو ما قالته موسكو مرات عديدة قبل الدخول في الخيار العسكري لضبط إيقاع من لديهم النية لضربها منذ عقود…
فالحديث الذي أتت على ذكره التحالفات الأطلسية هو الذي فتح باب الدخول العسكري الى أوكرانيا بعد تصريح الرئيس الأوكراني بأنّ أوكرانيا ربما تتحوّل لدولة نووية، وهو القول الأوكراني الذي كان دلالة على النية الغربية في الإفصاح عما تخطط له الدوائر الغربية التي لم تنفصل عنها كييف منذ تولي فولوديمير زيليسنكي الحكم في عام 2019 والمحاولة السابقة في عام 2008 لضمّ جورجيا لحلف الناتو وما تلاها، فقد أعلن رئيس الحكومة الأوكرانية السابق في تصريح صحافي بأنّ الناتو كان يخطط منذ شهور لوضع أربع فرق عسكرية في أوكرانيا تحمل مقدرات نووية، وهو الحديث المبطن الذي حملته وسائل إعلام غربية بغلاف سياسي قرأته جيدا التقارير الإستخبارية الروسية كخطوة عجلت توقيت العملية العسكرية الجارية، فهل الحديث عن حرب نووية يبدو حقيقياً؟
الوزير الروسي سيرغي لافروف قال في 3 آذار الجاري في لقاء مع وسائل إعلام غربية عبر الفيديو بأنّ روسيا لم تأت على ذكر الحرب النووية بل الغرب هو من يسوّق لها، وهو كلام في باطنه يدل على علامات الغضب الأميركي الذي يعكس طريقة التفكير، فأن كان الغضب الأميركي تجاه دول ضعيفة أوقوى غير حكومية أومسارات حزبية وكيانات فقد يكون قاتلا، لكن في وجه دولة كبرى مثل روسيا ماذا تكون ترجمة تلك الغضب؟
فهنا لا مجال للعب على حافة الهاوية كما في أفغانستان أو حتى تايوان أو العراق، لأنّ الوضع تجاه موسكو مختلف عما سبقه من حروب عسكرية أميركية قادها الناتو خارج الحدود، حيث هنا تقع محددات كبرى تجاه الدفع نحو حرب نووية عالمية لجهة أنّ الرئيس بوتين قال منذ بدء العملية العسكرية بأن روسيا مستعدة للأسوأ وهو ما يعكس أيضاً طريقة التفكير الروسي في السياسة التكتيكية العسكرية، إذ أن لا قوة عسكرية في أوكرانيا قادرة على الوقوف في وجه الجيش الروسي أولاً، وهو ما ينذر بإتساع رقعة المواجهة مع قرب وضوح الخريطة العسكرية الروسية للعملية بعد تعامي الغرب عن الضمانات الروسية الهادفة الى ضمان الأمن القومي الروسي في قلب إطار الأمن القومي الأوروبي والذي ينص على إبعاد الناتو عن الحدود الروسية وعدم ضم أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا الى الناتو، وعدم وجود قوات أطلسية في بلغاريا ورومانيا ودول البلطيق الثلاث وهو ما يشكل التهديد الأكبر لموسكو، حيث أنّ الحديث عن حرب نووية ليس في خسائره ومخططاته ما يماثل الحرب التقليدية بجيوش نظامية، وهنا الكلام يختلف حتى في مفرداته عن أيّ حدث عسكري آخر، وقد يكون اللعب على حافة الهاوية أسهل بكثير من تداعيات تلك الحرب إذا ما وقعت، فما الذي يدفع بالحديث الى حرب نووية تبدو ممكنة؟
هنا تكمن خيارات الانفجار النووي فيما إذا قامت الدول الغربية بالتدخل المباشر في طريق الجيش الروسي نحوكييف العاصمة، والإحتمال الثاني يكمن في أيّ استهداف مباشر للأقمار الصناعية الروسية أو المنظومة الجوفضائية التي تواكب العملية الروسية، فالإستخبارات الأطلسية المتواجدة بكثافة في أوكرانيا تستطيع قراءة المحذرات الروسية التي بدأتها مصادر روسية بالقول بأن أيّ قافلة عسكرية غربية ستدخل من الحدود البولندية ستتعرّض للتدمير خلال دقائق، وهي أولى محذرات الدفع نحو حرب متوسعة النطاق مع موسكو ويجب على الغرب الذي يقوم بإغراق الحدود البولندية بالسلاح أن يفكر مرتين قبل إدخال مثل تلك المساعدات العسكرية التي وصلت حتى تزويد كييف بالمجموعات الإرهابية والتي أعلن الرئيس زيليسنكي بأن هناك ما يقارب 60 ألف مقاتل أجنبي قادمون من خارج الحدود، وليست تركيا والكيان الصهيوني ببعيدتين عن ذلك الدعم الإرهابي، برغم دورهما الرمادي حتى الآن في سياق تلك الردود الدولية تجاه العملية الروسية، حيث قال «معهد الأمن القومي الإسرائيلي» إنّ تل ابيب لا بد لها من اختيارين «إما المشي بين النقاط او الوقوف في الجانب الأسلم للتاريخ»، وهو ما يفسّر الجدال الذي تعيشه الأوساط السياسية «الإسرائيلية» في تحديد مكان الوقوف من مسافة الأزمة الأوكرانية، وليست تركيا بأبعد من تل أبيب في ذات المعادلة خصوصاً بعد القبول التركي بالأوامر الأميركية في إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن الروسية والذي فسّرته أنقرة بأنه منعاً في وجه السفن الغربية أيضاً، وهو يدخل فعلياً ضمن محاصرة القاعدتين الروسيتين في سورية ومنع الدعم اللوجستي عنهما عن طريق البحر بحسب ما ذكرت مصادر صحافية غربية، فهي خطوة تماثل الانجراف الغربي وخصوصاً البريطاني في تعميق الهوة تجاه موسكو، لا بل ربما تكون تداعيات تلك الخطوة التركية أكبر لجهة وجهة المعركة ما بعد العاصمة كييف…
هنا يجب أن تحسن أنقرة القراءة الجيوسياسية جيداً لأّن الكلفة في ما بعدها ستكون باهظة الثمن بعد الوقوف باللباس الأطلسي في مقابل موسكو، فحافة الهاوية تبدو قريبة من ساعة قد تدقّ في أيّ لحظة منذرة بحروب فوق «الإعتيادية» ستترجم مفاعليها الأيام المقبلة من موسكو…