حذار الإطاحة بالانتخابات وجرّ لبنان الى الفوضى والتدويل والتقسيم!
د. عدنان منصور
من غرائب ومفارقات السياسة في لبنان، أنّ الدولة التي تفصلها عن الموعد المحدّد للانتخابات النيابية التي من المفترض أن تجري بعد أقلّ من أربعة أشهر، لا تستطيع حتى الآن أن تجزم في ما إذا كانت هذه الانتخابات ستحصل أم لا! إذ أنه رغم الاجتماعات، والتطمينات، والاتصالات، واللقاءات، والتصريحات التي تصدر من هنا وهناك، ومن أكثر من مسؤول وسياسي، ومن طامح يسيل لعابه على النيابة، لم يحسم بعد القرار النهائي في هذا الشأن.
ورغم الحرص الشديد، والاندفاع الكبير الذي يظهره هذا وذاك حول عزمه على إجراء الانتخابات، فإنّ أكثر من قطب سياسي، وجهة معنية، ليس من صالحها أن يتمّ الاستحقاق النيابي في هذا الظرف الحساس والحرج، حيث ترى فيه تراجعاً لها. مما سيكشف رصيدها الشعبي المهدّد بالتراجع، لا سيما بعد أن طرأت على الوضع الداخلي معادلات جديدة، لا تصبّ في خدمتها، وأيضاً المستجدات في المواقف على الصعيد الإقليمي والدولي في الخارج.
المواطن اللبناني يعيش في حيرة من أمره، وهو في حالة من الترقب والانتظار، حول ما إذا كانت الانتخابات ستحصل فعلاً أم ستؤجل! وهو الذي شهد أكثر من مرة التمديد للمجلس النيابي، وفي أكثر من ظرف.
لماذا لا يصارح المسؤولون المعنيّون ويقولون للشعب اللبناني، إنّ شريحة سياسية أو أكثر لا نية لديها لإجراء الانتخابات. وانّ ما يدلي به أقطابها من تصريحات، لا تعبّر عن قناعاتهم وغاياتهم، وهي ليست إلا للاستهلاك المحلي لا أكثر. إنهم يتريّثون وينتظرون الوقت المناسب ليحسموا الأمور. عندئذ سيكون في جعبة هؤلاء، «الحجج الدامغة»، و»المبرّرات»، و»البراهين»، و»الأسباب الوجيهة» و»الجوهرية» التي تحول دون إجراء الانتخابات في موعدها، حيث يستدعي الأمر بعد ذلك تأجيلها، وتمديد ولاية المجلس العتيد.
الانتخابات لن تحصل، إلا إذا طرأت أعجوبة خارجية. فتأجيلها يصبّ في صالح أكثر من جهة سياسية تعمل في هذا الاتجاه، وإنْ كان هناك على الساحة الانتخابية من هو حريص كلّ الحرص على إجرائها، وهو الواثق من نفسه، ومن حاضنته الشعبية الموحدة صفاً وهدفاً، والتي لم تهتز او تتراجع، رغم كلّ حملات التضليل والتشويش عليها، بغية تشويه صورتها في الداخل والخارج، وتحميلها في ما بعد مسؤولية الانهيار الحاصل على مستوى الدولة والمؤسسات.
الرئيس نجيب ميقاتي متفائل، حريص، يطمئن الشعب بملء الثقة، على أنّ الانتخابات ستجري في تاريخها المحدد… ولا ندري إذا كان دولة الرئيس مقتنعاً في قرارة نفسه بإجراء العملية الانتخابية في موعدها المحدّد أم لا! مع العلم أنّ المعلومات الدقيقة المتوفرة، والتحركات، والوقائع على الأرض، والمؤشرات، كلها تشير، ان لا انتخابات ستجري في موعدها في شهر أيار المقبل!
هنا نتساءل ألا يستحق الشعب اللبناني من القيّمين على الحكم، مصارحته بكلّ شفافية من الآن، وهم يعرفون جيداً ما يدور في خلدهم، وما يرسمونه في الظلّ، وأن يقولوا له الحقيقة بكلّ صراحة، انه يتعذر عليهم إجراء انتخابات نيابية في أيار؟! أم أنهم تعوّدوا أن يقولوا له شيئاً، ثم يفاجئونه بقرار آخر، مثل ما فعلوا بأمواله وودائعه بعد ان خدّروه، وأوهموه بالتطمينات الكاذبة، التي صدرت عن أكثر من موقع ومسؤول رفيع!
ليقولوا للشعب من الآن، ان لا انتخابات ستجري في أيار، لانّ جزءاً من التركيبة السياسية الحالية، ليس في وضع سليم. فهو في مأزق لا يعرف كيفية الخروج منه، وبالتالي يريد الحفاظ على وضعه الحالي تفادياً لتراجعه، وانكشاف رصيده الفعلي أمام خصومه. كما انه أيضاً لا يريد أن يحقق خصمه اللدود مكاسب على حسابه، ويزعزع مكانته، ويحدّ من نفوذه وسلطانه ودوره في كلّ صغيرة وكبيرة. إذ أنّ الرهان على فوزه، وتحقيق الأكثرية الضامنة له في المجلس النيابي المقبل قد سقط، بعد أن وجد تماسكاً قوياً من الطرف الآخر. لذلك، ليس في صالحه إجراء الانتخابات والسير بها ولو لفترة وجيزة تكون بالنسبة له كافية لاسترجاع ما خسره من رصيده المتدهور.
إنّ ابتعاد الرئيس سعد الحريري عن خوض الاستحقاق النيابي أربك أكثر من جهة سياسية، حيث كان تيار المستقبل ورئيسه، ولا شك، رافعة قوية لها، عززت من حصتها وحضورها داخل المجلس النيابي. هذا الابتعاد للمستقبل سيكشف اليوم، حجم هذه الجهات التي ما انفكت عن الترويج لحجمها وقوتها على الساحة الانتخابية. لذلك ليس من صالحها في هذا الوقت الحرج، خوض معركة مجهولة النتائج، حتى لا يكون حسابها على الحقل، مغايراً لحساب البيدر. وهي التي ما انفكت تضع نصب عينيها، الفوز الباهر، والحصول على الأكثرية داخل المجلس كي تأخذ هذا الأخير في ما بعد، الى المكان الذي تريده، وتوجهه ضدّ فريق خصم لدود لها، لا تتفق مع سياسته ونهجه. فهي استعدّت وجهّزت نفسها للانقضاض عليه وتطويقه، وتحجيمه، بالتنسيق مع جهات خارجية تتناغم معها، وتعزف على وترها.
لذلك ليس مستبعداً أن تلجأ بعض الجهات السياسية المحبطة، الى أيّ عمل متهوّر يؤدّي الى تعطيل الانتخابات بكلّ الوسائل المتاحة، وإسقاط الاستحقاق النيابي، ومن ثم إثارة القلاقل في الداخل، ودفع البلد الى المواجهة، والتوتر الأمني، والفراغ والفوضى. بعد ذلك يتمّ تجييش الإعلام المحلي والإقليمي والدولي، لتحميل مسؤولية التأجيل والفراغ والفوضى الى الجهة المستهدفة اساساً من قبل العدو الاسرائيلي وحلفائه. إذ لن تتردّد هذه الجهات المحبطة في طلب الدعم من دول وقوى تتعامل معها، من أجل تدويل لبنان، وفرض أمر واقع أممي معيّن عليه. واقع يعمل عليه كثيرون في الداخل اللبناني، عله يحقق أهدافهم التي تتماشى كلياً مع أهداف وسياسات الغرب، وحلفائه في المنطقة.
رياح ساخنة بانتظار لبنان. فإنْ لم يتداركها من الآن، ويتعاطى معها حكامه ومسؤولوه بكلّ وعي، وحسّ وطني ومسؤولية عالية، فإنّ الرياح الساخنة هذه، ستحمل في داخلها المزيد من العقوبات والحصار، والإجراءات القاسية تطال الدولة، كما تطال هيئات، وأحزاباً، ومؤسسات، ومسؤولين، وشخصيات مسجلة على لائحة العقوبات للولايات المتحدة. هذا ما سيدفع ويشجع الجهات التي لا يناسبها في الأساس الذهاب الى الاستحقاق النيابيّ، على تحميل المسؤولية المباشرة، وتوجيه الاتهامات الزائفة للجهة التي يدّعون ويزعمون وهماً، أنها المسؤولة عن مصادرة القرار اللبناني، والسيطرة على الدولة، والتحكم بمؤسساتها.
إنّ إجراء الانتخابات النيابية ضرورة حتميّة، أياً كانت النتائج، وأياً كان تقدّم أو تراجع القوى السياسية، من أجل إحباط ما يحضّر للبنان مسبقاً، وتجنيبه الفوضى والاضطرابات التي يراهن عليها البعض. وما أكثر المراهنين، والمتواطئين، واللاعبين بالنار والمصطادين في المياه العكرة؟!
أمام الدولة اليوم خيار من اثنين: إما الانتخابات والحفاظ على لبنان ووحدة شعبه وأرصه، واما الفوضى وتقويض أسس البلد، وصيغته من أساسها. وما على أركان الدولة والحكومة الا ان يختاروا: إما الانتخابات في موعدها المحدّد لإنقاذ الوطن، واما التأجيل الذي سيأخذ لبنان الى المجهول، ويضع هذه المرة كيانه ووحدته ومصيره على المشرحة التي لا يعرف أحد بيد مَن سيكون المشرط!