kayhan.ir

رمز الخبر: 145867
تأريخ النشر : 2022February02 - 20:23

كي لا ندفع للكيان ثمن بقائه

أحمد فؤاد

من المؤلم فعلًا، أنه حين تُطرح أسئلة مثل كيف قام الكيان الصهيوني؟ ولماذا استمر؟ وما هي أسباب تمدده المذهل على الأرض العربية؟ فإن الإجابات كلها تشير إلى العرب كسبب وضحية في آن، وأن الخلل الأول كان في الحسابات العربية، وأضيف لها على امتداد العقود أخطاء الرصد والمتابعة والتحليل، لترسم في النهاية سلسلة من الخسائر المجانية، والتي قدمت على أطباق الذهب إلى الكيان ومشغليه.

ومن المثير للغثيان، لا الحزن فقط، أن الكيان وحكوماته المتتالية كانوا يحققون كل ما يحققون من قفزات ضخمة نحو الأمام بتواطؤ عدد من الأنظمة عربية، ودرة الشواهد هنا هي السقوط العربي المروع في 1967، أو بضعف وتشرذم الجبهات العربية أمامهم، كما حدث ويحدث منذ قرار السادات المأساوي برفع الاستسلام للعدو خيارًا إستراتيجيًا وحيدًا.

خلال كل الأزمنة السابقة، كانت كيانات الخليج العربية، التابعة كليًا للإرادة الأميركية، هي التي تمنح العدو أمل البقاء وسط محيط عربي نافر ومعادٍ، وفي الأزمنة المستجدة، باتت أيضًا تدفع للكيان ثمن وجوده واستمراره، خصمًا من الموارد والثروات العربية، وضد المصالح والمبادئ، وحتى بعكس رغبات الشعوب وإرادتها، ووصلت في غيها إلى الحد الذي باتت تسلم على الملأ المقدرات العربية إلى العدو، بابتسامات عريضة وأمام فلاشات التصوير.

ومع الأزمة التي يعانيها الكيان، من تراجع أميركي بات محققًا، ومن أزمة داخلية تتوالى فصولها ولم تترك على كراسي السلطة سوى شخصيات سياسية طارئة ومكبلة، وعجز عن أي فعل سافر في المحيط القريب، فلا هي تستطيع التقدم خطوة واحدة في لبنان، أمام إرادة رجال الله، والانتصار السوري على المؤامرة الدولية سيبدأ في إغلاق المجال الوحيد المفتوح أمام الطيران الصهيوني، لكن حتى في ظل تلك الأوضاع تقدمت أنظمة الخليج لمنح هذا الكيان الفرصة للقفز فوق الحصار ومن ورائه، وكسب أرضية وفرصة جديدة على حساب العالم العربي.

الاستقبال الإماراتي، ممثلًا في ولي العهد والحاكم الحقيقي، محمد بن زايد، لرئيس الكيان الصهيوني في أبو ظبي، جاء متوافقًا مع القاعدة الخليجية في التعامل مع عدو الأمة الأول، وفي لحظة انهزام للطرفين، لكن المخطط كان إفادة الكيان منها بأقصى ما تسمح به الظروف.

الأهداف الصهيونية من الزيارة المشؤومة كانت تدور حول خطوط ثلاثة لا رابع لها، أولها منح دفعة للأنظمة العربية التي لا تزال مترددة في الخروج بالعلاقات مع الكيان إلى الضوء، والثاني هو الاستغلال السياسي داخليًا للزيارة، باعتبارها إنجاز يُحسب للنخبة الحاكمة في "تل أبيب"، وأخيرًا، وهو الأهم، تحقيق الفكرة القديمة حول التزاوج بين المال البترولي الخليجي والقدرة الصهيونية، باعتبارها أحد أهم الأهداف للكيان كله.

صحيح أن الإمارات نفسها كانت قد أعلنت استثمار 10 مليارات دولار في الاقتصاد الصهيوني، قبل عام تقريبًا، إلا أن الصهيوني الجشع ينظر لما هو أبعد من استثمار محدود بالنسبة لفوائض الأموال البترولية، التي تمتلئ بها خزائن دول الخليج، ويخطط لاستغلال هذا الاندفاع الخليجي الأحمق نحو امتصاص المزيد والمزيد من المليارات، وتوجيهها إلى شرايين اقتصاد الكيان، ويروج لها باعتبارها منفعة للطرفين، منذ أن طرح رئيس المؤتمر اليهودي العالمي ناحوم غولدمان الفكرة في سبعينات القرن الماضي، وهي أحد أهم أهداف "اتفاق أبراهام" التطبيعي.

والفكرة أو المشروع ببساطة، هو أنه ما دامت الدول العربية البترولية قد فشلت في تحويل الثروة الطارئة إلى منتج حضاري، واستمرت في إهدارها على الاستهلاك، فإن الكيان ومن ورائه يهود العالم، قادرون على ضمان استثمار عوائد البترول في مشروع ضخم، يضم الخليج إلى "تل أبيب"، وبالقدر الذي يلغي به قضية الصراع العربي الصهيوني، فإنه قادر على التحليق بالأنظمة العربية التابعة إلى مدار جديد من الإنجاز واللحاق بالعالم المتقدم.

والأنظمة الخليجية والعربية المطبعة في مسيرها الجديد نحو الأحضان الصهيونية، لا تفعل سوى إنها تدفع للكيان ثمن بقاءه وتمده بشروط استمراره على الأرض العربية، ويحاولون كسر الإرادة لدى شعوبهم، وتدمير مقاومة نفسية كان يلوذ بها كل شعب عربي في مواجهة الخسائر أو النكسات، وهم في كل هذا واهمون، فلا الكيان سيبقى، ولا اتفاق أبراهام قادر على الحياة وسط محيط عربي رافض حتى الموت.

والفعل العربي الحقيقي الذي حضر ليحطم أوهام الكيان والمطبعين العرب، كان الهجوم اليمني المبارك، الذي دفع إسحاق هيرتصوغ إلى الهروب من أبو ظبي، والعودة إلى تل أبيب، يجر معه الخيبة والمرارة، ويسحب معه آمال عريضة كان يعلقها على الزيارة غير المسبوقة إلى الإمارات.

واكتسبت الرسالة الصادرة من "أنصار الله"، كما كل فعل في السياسة ذاتها، قوتها من عوامل عدة، أولها بالطبع القدرة على الفعل، والثقة المعززة بالتجربة، وامتلاك القوة والجرأة اللازمة للحركة، والتحسب لمجابهة رد أو ردود الفعل، وقبل كل شيء عدالة القضية، والتي تجعل من أثمان الحركة والدور مقبولة على نحو إنساني وديني، ومن تضحياتها سيرًا على درب النور والفداء.

والعدالة في قضية الحرب العدوانية السعود-صهيونية على اليمن لا تحتاج لبيان، وحق المقاومة اليمنية لا ينتظر شرحًا أو توضيحًا، والتوافق الجمعي بين الناس على اختلاف مشاربهم يقبل ممارسة العنف -بل ويشرعنه-  طالما كان دفاعًا عن الأوطان أو مقاومة لغزو أو تحريرًا للبلاد والشعوب، وحتى أنظمة الحكم البعيدة عن الصراع لا تستطيع أن تشذ عن ذلك، على الأقل علنًا.

حوّل أنصار الله للمرة الأولى التمنيات بمواجهة عربية واسعة للكيان، شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا إلى واقع معاش، يتفاعل مع التحديات ويؤثر فيها، وفوق كل شيء، منح الرفض العربي الشعبي أجنحة، لتصبح الأحلام العذبة والصور الذهنية البراقة في القلوب مشروعًا كاملًا يحمل المثال على القدرة والإنجاز، ويضع الحل في نهاية الطريق الوعر المفروض علينا، وفوق كل شيء يمنحنا الضوء طوال الطريق لنمضي في سبيل الغاية الملهمة نحو نصر كامل.