متحدون ضدّ نظام الأبارتايد
بشارة مرهج
في معرض تهرّبه من التعهّدات الأميركية تجاه الأمم المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية كان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن ـ قاتل أطفال العراق ـ يقول إنّ ياسر عرفات هو عقبة بوجه السلام وأميركا بالتالي في حلّ من التزاماتها.
رحل ياسر عرفات بعد حصار «إسرائيلي» عنيف له ولمقرّه في رام الله ولا يزال الكيان الصهيوني يقول إنّ المقاومة هي العقبة بوجه السلام. ويكرّر غزة عقبة بوجه السلام. الأسرى والمعتقلون عقبة بوجه السلام. حتى الشهداء والمهجرون هم عقبة بوجه السلام.
يتحدث قادة الكيان العنصري منذ تأسيسه عام 1948 بدعم، بريطاني ودولي، وكأن «إسرائيل» هي دولة ترغب في السلام ولا تلجأ للحرب إلا في معرض الدفاع عن النفس فيما الشعب الفلسطيني يشهر السلاح ويشنّ الحروب على «شعب» محاصر لا يروم إلا السلام.
وتستطرد الرواية الصهيونية المعتمدة فتقول إنّ الشعب الفلسطيني بموقفه المعادي للسلام والأمن هو المسؤول عن الإطاحة بالمعاهدات الدولية وحرمان نفسه بالتالي من الحقوق التي تؤمّنها له هذه المعاهدات ولسواه من الشعوب الواقعة تحت الاحتلال.
لكن الحقيقة التي تجري استباحتها منذ عام 1948، بموافقة أنظمة عربية وتواطؤ المجتمع الدولي، تشي بأنّ الكيان الصهيوني بتكوينه وأهدافه يرفض السلام ويعتبره تقييداً له ولخطته الرامية الى إقامة الدولة اليهودية الخالصة على أرض فلسطين التاريخية، مع ما يعنيه ذلك من «إخلاء» هذه الدولة من كلّ السكان الذين لا يدينون باليهودية إلا إذا استسلموا ورضخوا وقدّموا طلبات للعمل بصفة خدم للكيان وعصاباته ومستوطنيه.
وقادة الكيان لا يكذبون في هذا المجال بدليل الغارات المستمرة على باحات المسجد الأقصى المبارك والتجرّؤ الفظ على المعلم الديني الأبرز في فلسطين الذي يلخص تاريخها وتراثها وكيانها المعنوي.
إلى ذلك قلما اختلف اثنان من قادة الكيان بشأن الدولة الفلسطينية. فهي يمكن أن تكون موضع نقاش ولكن لا يمكن أبداً أن تكون موضع قبول.
بعض المسؤولين العرب يتحدثون عن دولة فلسطينية وتضجّ تصريحاتهم بتحديد معالمها وتعيين عاصمتها، ولكنهم يعرفون أنّ الاحتلال الصهيوني لم يسجل مرة واحدة على نفسه القبول بهذا الأمر، بل هو دائماً يعلن رفضه لأيّ تنظيم للوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة. ربما يقرّ عرضاً بوجودهم كأفراد أو جماعات ولكنه من المستحيل أن يعترف بهم كشعب. وتاريخ الحركة الصهيونية هو تاريخ شطب الهوية الفلسطينية وتهويد الأرض الفلسطينية واحتقار «الشعب» الفلسطيني وفرض أقسى الإجراءات عليه قتلاً ونفياً وتشريداً ومصادرة للأرض والمنازل والممتلكات، ومحاولة مستمرة لتزوير المعالم التاريخية والجغرافية والإنسانية التي تنطق كلها بالحقيقة الفلسطينية.
إنّ قادة الكيان يطلبون من الفلسطينيين نسيان ماضيهم والتنكّر لدينهم والتوقف عن التفكير بوجودهم كشعب له انتماء وثقافة وحضارة، وتلك هي قمة العنصرية التي تزداد شراسة يوماً بعد يوم وتزداد معها معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ حط الانتداب البريطاني رحاله في الأراضي المقدسة مكلفاً التعاون مع الجماعات الصهيونية لإنشاء الوكالة اليهودية و «ضبط» الشعب الفلسطيني وبناء الكيان الغاصب خطوة خطوة على حساب هذا الشعب الذي حارب المشروع الصهيوني منذ أيامه الأولى وحتى اليوم.
والثابت تاريخياً أنّ الشعب الفلسطيني المناضل المتمسك بأرضه وهويته وعروبته، الرافض للاستسلام بكلّ وجوهه الثقافية والسياسية، اختار طريق المقاومة على الرغم من وحشية نظام الأبارتايد الصهيوني وتمتعه بالدعم الأميركي المتواصل، هذا الدعم الذي يحاول اليوم دفع الأنظمة العربية كلها للاعتراف بالكيان الغاصب والتنكر للشعب الفلسطيني كخطوة لدفعه للخضوع المطلق.
ومقابل ذلك كله فإنّ الشعب المحاصر من داخل وخارج، من أعداء وأشقاء لا يزال يبتكر كلّ يوم وسيلة جديدة لتصعيد مقاومته بوجه الاحتلال وهزّ أركانه وزرع اليأس في صفوف المستوطنين وتأليب الرأي العام العالمي عليهم وقد تحوّلوا إلى جماعات منقسمة وأحزاب متنابذة.
إنّ كشف حقيقة الكيان الصهيوني وتعرية ممارساته العنصرية وإدانة القوى التي تؤيده، كلها أمور مهمة وحيوية، ولكن ذلك كله لا يفي بالغرض إلا إذا اقترن بحركة ناشطة لدعم مقاومة الشعب الفلسطيني ومساندة مؤسساته التربوية والصحية والاجتماعية والاقتصادية، وتمكينه من الصمود ومواجهة سياسة الاستيطان والاقتلاع والتمييز والتعطيش والتهويد وكلّ الممارسات الوحشية التي تمارس ضدّه.
إنّ دعم الشعب الفلسطيني في نضاله العادل ضدّ الاحتلال الصهيوني وحكم الأبارتايد لم يعد يصبّ في مصلحة هذا الشعب وحريته فحسب، وإنما بات يصبّ أيضاً في مصلحة لبنان وكلّ بلد عربي يطمح إلى تحقيق العدالة والديمقراطية والتخلص نهائياً من كلّ أشكال العنصرية والاستعمار.