أفغانستان واستراتيجية الفوضى الأميركية…!
ربى يوسف شاهين
لا يكفي الولايات المتحدة الأميركية، أنها تستنزف شعوب الدول المناهضة لسياساتها، عبر حروب عسكرية واقتصادية، بل تعترف وتتفاخر بتلك الحروب، وتسوّق لها مبرّرات واهية، بات الجميع يُدركها؛ الرئيس الأميركي جو بايدن يقول «إنّ الوقت قد حان لوضع حدّ لأطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها، وأنّ الانسحاب الأميركي من أفغانستان سينتهي في 31 آب /أغسطس»، ويضيف «إنّ الجيش الأميركي حقق أهدافه في افغانستان بقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، وضرب قدرات التنظيم ومنع مزيد من الهجمات على الأراضي الأميركية»
التساؤل الجوهري في هذا الإطار، هل يحتاج قتل «إرهابي» من قبل الولايات المتحدة إلى عشرين عاماً؟
الغزو الأميركي لـ أفغانستان كان ثمنه ملايين الأرواح، خاصة أن هذا الغزو جاء على خلفية أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، للقضاء على ما يسمى تنظيم القاعدة وزعيمها «أسامة بن لادن»؛ الحقيقة هي أنّ ما قامت به الولايات المتحدة، ليس التخلص من تنظيم القاعدة، بل أرادت تغيير خططها واستراتيجيتها لمنطقة آسيا الوسطى، وبالتالي غرب آسيا، لتتدخل في افغانستان وتقطع الطريق على روسيا الاتحادية والصين وإيران، ولتمنع الثلاثي المعادي للنهج الأميركي، من الوصول والتموضع في غرب آسيا، والعكس صحيح.
الصين باعتبارها المنافس الاقتصادي الأول عالمياً للولايات المتحدة، وإيران القوة الإقليمية الأولى في غرب آسيا، والمنافس لها في العراق، وروسيا الاتحادية المنافس في القوة العسكرية والمتواجدة في سورية، كلها معطيات هندست الإستراتيجية الأميركية الجديدة، فمنذ قرار غزو أفغانستان، بدأت واشنطن إنشاء قاعدة لها خلال السنوات المنصرمة، لتغذي حركة طالبان، التي يموّلها «البنتاغون»، ولتكون خليفتها في المنطقة، وتُحدث الفوضى في العلاقات بين الدول المعنية في افغانستان، كـ روسيا وإيران والصين.
خلال عهد ترامب تحدّدت ركائز الاستراتيجية الأميركية في التعامل مع قضايا منطقة غرب آسيا، وهذا ما بدا جلياً في اتفاق الدوحة مع حركة طالبان «العدو الأساسي لواشنطن»، وعلى هذا الأساس تم غزو أفغانستان، إضافة إلى الذرائع الأميركية المتعلقة بمحاربة الإرهاب، بينما في الواقع وتأكيد المعطيات، فإنّ الإرهاب نما وتمّت تغذيته أميركياً وخليجياً، وبات الإرهاب أداة وذريعة أميركية، ليتمّ بموجبها غزو الدول المناهضة للسياسات الأميركية.
تحديد موعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، جاء على قاعدة أن القوات الأميركية أنهت مهمتها، لكن هذا التبرير هو محلّ شك وريبة، فالمتتبّع لما يجري على الأرض الأفغانية، وخاصة في كابول العاصمة، يدرك جيداً أنّ عمليات الاغتيال لم تهدأ رغم اتفاق الدوحة، وأنّ الحركة رغم عدم تبنيها لبعض هذه الاعتداءات، إلا أنها ومنذ أن بدأ انسحاب القوات الأميركية، كثفت الحركة هجماتها، وأعلنت عبر عضو فريق مفاوضي طالبان شهاب الدين ديلاوار سيطرتها على 85% من أراضي افغانستان، بعد سيطرتها على معبرين أساسيين مع إيران وتركمنستان بالتزامن مع الانسحاب الأميركي، كما أنهم استطاعوا السيطرة على «إسلام قلعة» أهم معبر حدودي أفغاني مع إيران، وقالت طالبان إنّ مقاتليها سيطروا على معبرين حيويين في غرب أفغانستان مستكملة الاستيلاء على هلال من الأراضي من الحدود الايرانية غرباً إلى حدود الصين في شمال شرق البلاد، والمعروف منطقياً أنّ الحركات الجهادية إنْ لم تغذيها جهات كبرى وقوى عُظمى، لا تستطيع القتال، وبالتالي الدعم الذي قدمته واشنطن لطالبان احتاج هذا القرار المفاجئ بالانسحاب، لكي لا تتمكن القوات الحكومية الافغانية من المواجهة، لأنها كانت تحظى بالدعم الجوي الأميركي، وقد سُحب الآن.
ما بين تصريحات القادة الأفغان وقادة طالبان، تبقى الولايات المتحدة تتحكم بقبضة التغيرات الحاصلة، سواء عبر ما دعا إليه وزير الدفاع الأميركي «لويد اوستن»، لجهة ممارسة ضغط دولي من أجل إبرام اتفاق بين الحكومة الأفغانية وطالبان عبر العلاقة المشتركة مع الطرفين المتنازعين»، أو عبر التحرك السريع لحركة طالبان في السيطرة على ثلثي الحدود من طاجيكستان، والذي يُشكل قلقاً لموسكو، الأمر الذي ترجمته تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في مؤتمر صحافي، حيث قالت، «نشهد تصاعداً حاداً في التوتر عند الحدود الطاجيكية الأفغانية»، مشيرة إلى أن «طالبان احتلت في وقت قصير جزءاً كبيراً من الأراضي الحدودية، وتسيطر حاليا على ثلثي الحدود مع طاجيكستان».
تحالف طالبان والولايات المتحدة، زعزع الاستقرار عبر الحدود الأفغانية، من إيران إلى طاجيكستان، في محاولة لنقل التوتر إلى خارج البلاد، فقد استطاعت الولايات المتحدة الأميركية، عبر ذريعة أسامة بن لادن، خلق أكبر قاعدة لها في منطقة غرب آسيا، وتحديداً في أفغانستان، وفي العراق تحت ذريعة محاربة داعش وتنظيم القاعدة، واللذين يتشابهان في النهج والمضمون ذي الأبعاد الأميركية، ودائماً هي عرابة الهيمنة والسيطرة، وبلباس مختلف في كلّ غزوة أو حراك.