سحرة فرعون يظهرون في الىول الخليجيه
أحمد فؤاد
لآلاف السنين ظلت حكاية سحرة فرعون الشاهد الأول على أنظمة الظلم، والاستكبار، والأهم: الغباء المطلق في التعامل مع أزماتها والاستهانة بشعوبها، إحدى أكثر القصص القابلة للاستدعاء في عالمنا العربي المعاصر، خاصة في ظل الإعلام الموجه من الأنظمة، والذي يحمل شعار "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" (غافر: 29).
الإعلام الناطق بالعربية، والساقط أغلبه في حبائل التمويل الخليجي، رفض أن يصدق الهزيمة الصهيونية في الحرب الدائرة والمستمرة في فلسطين، كل فلسطين، وبعد فترة قصيرة من التجاهل بدأ مجددًا يصوب سهام الحقد وزانها بريش الإفك نحو الشعب العربي البطل الصامد، ونحو سوريا، ونحو حزب الله، في سبيل كسر نصر إلهي مؤزر يجري أمام أعيننا.
ما حققته المقاومة الفلسطينية ببساطة شديدة، ودون الدخول في تفاصيل عسكرية عن المواجهات، أنها انتزعت المبادأة من يد الكيان الصهيوني، وهو عنصر حاسم أصلًا في استمراره، ولم يسبق أن واجه الكيان حربًا تستهدف قلبه كان فيها رد الفعل، كل الحروب العربية معه كانت تالية لضربة صهيونية بادئة.
للمرة الأولى نعاين هشاشة الداخل الصهيوني وضعفه واهتراء مكوناته، من جيش أظهرته الصور المعروضة عبر الشاشات نائمًا على بطنه وقت الضربات الفلسطينية، إلى مجتمع من قطعان المستوطنين المرعوبين من وصول النار الفلسطينية إليهم، ثم حاكم يخطط طوال الوقت للحصول على نصر دعائي للاستمرار على كرسي السلطة، ثم نخبة سياسة تتاجر للاستحواذ على كل مكسب ممكن وتتقاتل لإثبات رؤيتها.
المقارنة بين ما نعاينه من صراخ صهيوني، وبين جنوب لبنان العظيم، خلال انتصار تموز في 2006، تكشف الفرق الهائل بين جبهة داخلية صامدة، عزيزة، وبين مجتمع لا يتحمل أصلًا الخسائر، ولا يستطيع ممارسة أي حياة في ظل حرب حقيقية. في لبنان كان الجنوب يرسم معنى القدرة، ويجسد الصبر حيًا يعيش بيننا، وينهل من تاريخنا الإسلامي أروع وأعظم تجليات الكبرياء والشموخ، رغم كبر التضحيات الغاليات.
والذي حدث في لحظة مفصلية من تاريخ الصراع، أن محور المقاومة استطاع أن يصل بالصواريخ إلى اليد الفلسطينية، ليستعيض بها الشعب الصامد عن الحجارة، وتتحول فلسطين من مأساة عربية وإسلامية إلى رأس حربة في قلب الولايات المتحدة والكيان.
في وقت التهديد للمسجد الأقصى، تحولت كل فلسطين إلى كتلة واحدة، تقاتل ضد العدو، ورغم عدم تكافؤ المعركة، فقد نجحت في أن تستولد نصرها من قلب ميزان قوى مختل، وواقع كان البعض يظنه مهيأ لصفقة قرن تصفي تمامًا القضية الفلسطينية.
كل هذه الحقائق، والتي هي بالمناسبة بعض ما ينطق به الإعلام الصهيوني العارف بحقيقة وضعه المستقبلي بعد توقف دخان المعارك، لا تعرف طريقًا إلى نشرات الأخبار في فضائيات الخليج الفارسي وصحفه وبرامجه، التركيز يجري بعد طول تعامٍ نحو مأساة قطاع غزة، والشهداء والدمار، لخطف المشاعر من الابتهاج بنصر عظيم إلى التباكي على الأطلال المدمرة.
الإعلام الخليجي المهلل والزاعق في شباط/فبراير 2019 لما قال إنه وصول الكيان الصهيوني إلى القمر، والذي سفع عيوننا -ولا يزال كل عام- بما يروج أنه صادرات صهيونية عسكرية ذات تكنولوجيا فائقة إلى أكبر وأهم دول العالم، لا يرى في ضرب تل أبيب يوميًا انتصارًا، لكنه يرى فينا مجتمعات جاهلة ومتخلفة، ويريد أن نتعلم من سيدهم الصهيوني المتفوق.
لا يريد إعلامنا الخليجي، العربي لسانًا والعبري قلبًا وهوية، أن نرى قبة العدو الحديدية تتحول إلى خردة بالية، وكيف تحوّلها الضربات الصاروخية إلى ممرات نحو قلب المستعمرات والمدن، بل والأكثر، يتغافل عن ضربات أخرى تلقاها الكيان من سوريا ولبنان، وعجزت القبة عن الاعتراض، ثم عجز هو عن الالتفات، لا مجرد الرد.
وللتذكير فقط، فإنه ما من دولة دخلت حربًا دون ضحايا من زهرات شبابها، ودون بذل أغلى وأعز أبنائها على مذبح الفداء، الغالي والمقدس، والشعوب الحرة وحدها تدرك أثمان الحرية والكرامة، وبمقدار ما تكون على استعداد للدفع، يكون النصر قريبًا منها وحليفًا لها.