لهذا أريق دم القرآن الناطق في محراب الصلاة
لم تعرف الدنيا رجلاً جمع الفضائل ومكارم الأخلاق - بعد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) - كالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد سبق الأولين، وأعجز الآخرين، ففضائله (عليه السلام) أكثر من أن تحصى، ومناقبه أبعد من أن تتناهى، ولقد كانتأخلاقه (عليه السلام) قبسٌ من نور خلق النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي تربى في حجره وعاش على مائدة مكارم أخلاقه، حتى شب عن الطوق، واكتملت رجولته، حيث كان يتولاه بالمواعظ والآداب العظيمة، فتنامت أخلاقه شموخاً، وسجاياه علواً ورفعة، وظلت فضائله وأخلاقه ومكارمه حية متألقة في روحه حتى فارق الدنيا (صلى الله عليه وآله).
والحديث عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) طويل، لا تسعه المجلدات، ولا تحصيه الأرقام، ولكن ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه، وحسبنا أن نشير هنا إلى بعض خصائصه وأخلاقه، لكي تكون مناراً ينير لنا درب القرب إلى الله تعالى والمعراج إليه، ونحيا حياة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ونموت مماته.
لَمّا سقط السيف على رأس أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو في محراب العبادة كانت العبارة الّتي سُمعت منه وتناقلتها المصادر هي (بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربِّ الكعبة)!4، فتلك الليلة الّتي هي بمثابة العزاء والمصيبة بالنسبة للمسلمين جميعاً، تحوّلت إلى ليلة ظفر وسرور وفوز بالنسبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) الّذي كان على موعد معها. ويبدو أنّها كانت ليلة جمعة؛ ففي بعض الروايات كانت ليلة التاسع عشر ليلة جمعة، فيما تقول روايات أخرى: إنّ ليلة الحادي والعشرين كانت ليلة جمعة، وفي تلك الليلة أفطر (عليه السلام) عند أمّ كلثوم بالصورة الّتي سمعتم بها، حيث اقتصر إفطاره على الخبز والملح وهذا يعني الإفطار بخبز وحده في واقع الأمر حيث رُفع اللبن وبقي الخبز، فأمضى (عليه السلام) تلك الليلة بالعبادة حتّى الفجر حيث دخل المسجد، بعدها رفع صوته مؤذّناً ونزل إلى محراب الصلاة، وإذا بالمنادي ينادي أثناء الصلاة: (تهدّمت والله أركان الهدى!، ومن المؤكّد أنّ الناس كانوا قد فهموا المعنى من (تهدّمت أركان الهدى)5، بَيْدَ أنّ المنادي سرعان ما أردف تلك العبارة بأخرى توضّح مفهومها إذ نادى: (قُتل عليّ المرتضى)6.
وعندما انتصف الليل أخذوا الجسد الطاهر ودفنوه ورجعوا، ولم يكن المشيّعون سوى أولاد عليّ (عليه السلام) وبعض خواصّ أصحابه (عليه السلام).
الآياتُ التي نزلتْ بحقِّ أَميرِ المؤمنينَ عليّ بنِ أَبي طالبٍ (عليّه السلام)
ونحن نذكر أهمّ الآيات على نحو الإجمال:
۱. سورة «هل أتى» نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين.
۲.قوله تعالى:(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[المائدة: ٥٥]، وقد أجمع المفسّرون واستفاضت الروايات من طرق الشيعة والسنّة انّ الآية نزلت في حقّ عليّ (عليّه السلام).
۳.قوله تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عليّهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ)[ الشورى: ۲۳ ]، هم عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليّهم السلام) والأئمّة من ولد الحسين (عليّهم السلام).
٤.قوله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ...)[النجم: ۱]، روى أهل السنّة والشيعة انّ النبي (صلّى الله عليّه وآله وسلّم) قال: «من سقط ذلك الكوكب في داره فهو خليفتي من بعدي». وقد سقط النجم في دار عليّ (عليّه السلام)، فقال المنافقون: انّ النبي (صلّى الله عليّه وآله وسلّم) غوى بحبّ ابن عمّه وليس قوله هذا الّا عن الهوى، فنزل قوله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) [النجم: ۱ ـ ٤].
٥.قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)[المائدة: ٦۷]، والآية نزلت قبل غدير خم فامتثل النبي (صلّى الله عليّه وآله وسلّم) أمر الله تعالى بالتبليغ وأعلن ولاية عليّ (عليّه السلام) على رؤوس الاشهاد بقوله: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه». وقد روى السيوطي عن بعض الصحابة أنّ الآية نزلت هكذا: «يا ايها الرسول بلغ ما انزل عليّك من ربك أنّ عليّاً مولى المؤمنين الخ». (الدر المنثور، السيوطي: ج2، ص298)
أقوال الآخرين بحقِّ أمير المؤمنين (عليه السلام)
1- قالَ الصَّحابيسلمانُ المحمدي (رض): (إنَّهُ لَعَالِمُ الأَرْضِ وَزِرُّهَا (أَي: قِوامُهُا) الَّذِي تَسْكُنُ إِلَيْهِ) غريب الحديث، ابن الجوزي: ج١، ص٤٣٤.
2- قالَ الصَّحابيالمقدادُ بنُ الأَسود الكندي (رض): (ما رَأيتُ مِثلَ مَا أَتَى إِلى أَهْلِ هَذَا البَيْتِ بَعْدَ نَبِيِّهِم! إِنّي لَأَعجَبُ مِن قُرَيشٍ أَنَّهُم تَرَكوا رَجُلاً مَا أَقولُ وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ رَجُلاً أَقضى بِالعَدْلِ وَلَا أَعْلَمُ مِنْهُ) كتاب الكامل في التاريخ: ج 2، ص 221 ـ 224.
3- قالَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَان: (وَأَنْتَ واللهِ -يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ- مَا عَلِمْتُكَ إِلاَّ أَنَّكَ بِاللهِ لَعَلِيمٌ، وَأَنَّ اللهَ فِي عَيْنِكَ لَعَظِيمٌ، وَأَنَّكَ فِي كِتَابِ اللهِ لَعَلِيٌّ حَكِيمُ، وَأَنَّكَ بِالْمُؤْمِنِينَ لَرَؤُوفٌ رَحِيمُ) بهجةُ المجالس وأُنس المجالس، يوسف بن عبد الله القرطبي: ج 1، ص 499.
4- قالَابنُ عبّاس (رض): (قُسِمَ عِلمُ النّاسِ خَمسَةَ أجزاءٍ، فَكانَ لِعَليٍّ مِنها أربَعَةُ أجزاءٍ، ولِسائِرِ النّاسِ جُزءٌ، شارَكَهُم عَلِيٌّ فيهِ فَكانَ أعلَمَهُم بِهِ) الكامل في التاريخ: ج2، ص441.
5- قالتْأُم سَلَمة (رض): (وَاللهِ إنَّ عَلِيّاً عَلَى الحَقِّ قَبْلَ اليَوَمِ، وَبَعْدَ اليَوْمِ، عَهْدَاً مَعْهُودَاً، وَقَضَاءً مَقْضِيَّاً) كشف الغمّة: ج1، ص146، المعجم الكبير: ج23، ص330.
6- قالَأَبُو بَكْر: (بَيْنا أَبُو بَكْرٍ جَالِسٍ إِذْ طَلَعَ عَليُّ بنُ أَبي طَالبٍ مِن بَعيد، فَلمّا رَآه أَبُو بَكْرٍ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظرَ إِلى أَعْظَمِ النَّاسِ مَنْزِلةً وَأَقْرَبِهم قَرَابَةً وَأَفْضَلِهم دَالةً وَأَعْظمِهم غناءً عَن رسولِ اللِه (صلى اللُه عليهِ وسلّم) فلينْظُرْ إِلى هَذَا الطَّالِعِ) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ج42، ص411.
7- قالتعائشة: (وعن جميع بن عمير، أن أمه وخالتاه دخلتا على عائشة، فقالتا: يا أم المؤمنين أخبرينا عن علي، قالت: أيّ شيء تسألن عن رجل وضع يده من رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعا فسالت نفسه في يده، فمسح بها وجهه، واختلفوا في دفنه فقال: إن أحب البقاع إلى اللّه مكان قبض فيه نبيه، قالت: فلم خرجت عليه؟ قالت: أمر قضي، لوددت أني أفديه بما على الأرض) مختصر تاريخ دمشق، لابن عساكر: ج 18 ص 21.
8- وَأَمّاعُمرُ بنُ الخَطّاب، قال أَبُو إِسْحَاق، عَنْ عُمَرو بْن مَيْمُونٍ قَالَ: شهدت عُمَرَ يوم طُعِن، فذكر قصّة الشُّورى، فلمّا خرجوا من عنده قال عُمَر: (إن يولّوها الأصيلع يسلك بهم الطَّريق المستقيم، فقال له ابنُهُ عَبْدُ الله فَمَا يمنعك؟! - يعني أَن تولّيَهُ- قَالَ: أَكرَهُ أَنْ أَتحمَّلها حيًّا وميتًا) طبقات ابن سعد: ج3، ص342.
وَجَمَعَ عُمَر أَصحابَ النَّبيِّ (صلّى اللُه عليهِ وسلّم) يَسْتشيرُهُم وَفِيهم عَلِيٌّ، فقال: (قُلْ، فَأَنْتَ أَعْلَمُهُم وَأَفْضَلُهُم) طبقات الفقهاء، الفيروزآبادي: ص7.
عليٌّ (عليهِ السَّلام) في القرآنِ
1- آيـة:(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ). (المائدة:55). المراد من الآية أمير المؤمنين (عليه السلام.
2- آيـة:(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ). (المائدة:67). نزلت الآية في يوم الغدير، فـ (معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب (عليه السلام)).
3- آيـة:(إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا). (الأحزاب33). نزلت في رسول الله وعليّ وفاطمة والحسـن والحسـين (عليهم السلام).
4- آيـة:(قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى). (الشورى:23). نزلت في أهل البيت في علي وفاطمة والحسن والحسين أصحاب الكساء (عليهم السّلام).
5- آيـة:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله وَالله رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ). البقرة: 207. الآية نزلت في علي (عليه السلام)، حين خلّف النبي (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) لقضاء دينه وردّ ودائعه، فبات على فراشه.