kayhan.ir

رمز الخبر: 129898
تأريخ النشر : 2021April23 - 19:45

الصراع على لبنان
يزداد صعوبة على الفهم

د. وفيق إبراهيم

زعماء لبنان في أسفار خارجية ينتقلون بها من دولة الى أخرى، ولا يستقرون في مكان واحد بما فيها دولتهم لبنان.

فهل هذا هربٌ من الحلول أم بحث عنها في أماكن سياسية ذات مكانة عالية بوسعها الدفع نحو تسويات حقيقية لأزمة تبدو للمتابعين من المستحيلات؟

فهل هي مسألة قابلة للتصديق ان تتصارع كلٌ من فرنسا وأميركا وروسيا وإيران وسورية والسعودية ومصر على بقعة ارض لا تزيد عن 10456 كيلومتر مربع ليس فيها من عناصر الثروة ما يثير الاهتمام العميق ولا تتضمن موقعاً كبير الأهمية عن سواه من البلاد المجاورة ولا تحتوي إلا على قدر كبير من الشعر وبليغ النثر وحسن الهندام والانبطاح أمام مختلف الدول ذات الأحجام الكبيرة.

لكن ما يعاكس هذه الصورة هي تلك الاشتباكات اليومية المتنقلة يومياً من زاروب في شرقي بيروت الى كوع في حي يميني بالغ في الاختباء قرب البحر المتوسط.

انها اشتباكات صاروخية او بأسلحة الكاتيوشا والرصاص الحي يفتك باللبنانيين في كل مكان من تنظيمات شديدة التنظيم لا تنقسم فقط على أساس الهوى الطائفي بل تذهب باتجاه الصراعات السياسية بين المسيحيين وهم يقتتلون فيما بينهم برعاية غربية مقابل اشتباكات بين قوى إسلامية تفرز بين مناصرين لسورية وإيران مقابل تنظيمات شديدة الولاء للسعودية والإمارات ومصر.

أما الدروز فيصهرهم الوزير وليد جنبلاط بحنان تاريخيّ يرقى الى اكثر من اربع مئة عام.

فيذوبون في قصر المختارة التاريخيّ من دون اي تفتيش عن قصور أخرى.

هذا هو لبنان الحالي الذي يوالي فرنسا وأميركا والسعودية والامارات وإيران وسورية، وينقسم عسكرياً بين الفئات المذكورة سابقاً والمقتتلة برعاية القوى الخارجية تسليحاً وتمويلاً وتغطية خارجية.

هذا ما يدفع الى السؤال الى اين تذهب ازمة لبنان وهل هناك إمكانية لحل عناصرها وإعادة لبنان على الأقل إلى ما كان عليه سابقاً.

هنا ترد الإجابة السريعة باستحالة العثور على لبنان السابق الذي بدا في عشرينيات القرن الماضي برعاية مارونية بتغطية من الانتداب الفرنسي في حينه.

لكن التطوّرات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وأصابت في تطوراتها السياسية والعسكرية به كامل لبنان فرضت على صيغته الحاكمة ان تصبح مارونية سنية مع شيء من النفوذ الشيعي كان ينحو الى ان يصبح اساسياً كحال الصيغة المارونية – السنية.

إلا ان تطورات المنطقة وكورونا والصراع الأميركي الروسي الفرنسي السعودي الإيراني السوري فتح الصراع في بلاد الأرز على مصراعيه.

إن أشكال هذه الصراعات اللبنانية العميقة تعكس في الحقيقة صراعات دولية تضع الفرنسيين والأميركيين وسورية وإيران والسعودية في صفوف متقابلة ببنادق لبنانية صرفة.

فكيف تتقاتل أوروبا وأميركا على أرض لبنانية مسيحية صرفة تظهر بين معادلة رئاسة الجمهورية العونيّة وجماعات أخرى، ويتصارع فيها حزب المستقبل السعودي مع حزب الله القريب من سورية وإيران، هذه هي المعجزة اللبنانية التي تكشف بوضوح أن أزمة لبنان هي لبنانية واوروبية وأميركية وسعودية ومصرية وإيرانية وسورية.

المطلوب اذاً لحل أزمة لبنان اتفاق هذا الخارج السياسي الضخم على اساس صيغة لحاجات الداخل يجب ان تتضمن على الأقل جماعات عون والحريري وأنصار حزب الله وحركة امل والا فإن هناك استحالة التمكن من حلول للازمة اللبنانية التاريخية.

هذا عن البعد الإيجابي اما لناحية السلبية الواضحة حتى الآن فهي ان هذه القوى الخارجية لا تريد حلاً للأزمة اللبنانية بل تلعب داعم المموّل والداعم والراعي ما يعني انها متواصلة حتى إشعار آخر على حساب مصالح اللبنانيين وسيادتهم الوطنية ووجودهم لكيان سياسي مستمر داخل وطن مسموح لهم بالاستمرار. وهي عملية تتطلب توافقات غربية وعربية وإيرانية في آن معاً.

هذا هو الجانب الواضح من مجريات الحرب اللبنانية حتى الآن، فكل قواه تتقاتل بعنف، فعسكرياً يندلع قتال بين العونية والجعجعية والكتائبية وسط صمت من الجيش الوطني إنما يدور قتال سياسي حاد جداً لم يرق حتى الآن لمستوى الأعمال العسكرية بين المستقبل السني وأحزاب الشيعة وسط صمت من الأحزاب الوطنية والجيش الوطني.

فهل يمكن لهذا الوضع ان يستمر؟ كورونا وما سببته من سبات في الصراعات الكبرى والصراع الدولي والعربي المتأثر بها يجنح لعدم تطوير أعمال القتال إلى إشكالات دولية حادة وصارمة. وهذا يعني انه قد يحافظ على نمطيته الداخلية المحتربة انما بالدعم الخارجي المستمر، فتبقى أزمة لبنان رهينة الصراعات الدولية إنما من دون أي حل يدفع بلبنان الى الاستقرار حتى المقبول منه.

هذا القتال اللبناني الداخلي إذاً له رائحة حاجة الخارج الى اقتتالات داخليّة تؤثر على الصراع الإيراني السوريّ الإسرائيلي السعودي في إطار الرعاية الأميركية الفرنسية السعودية وله أيضاً صيغة العجز عن العثور على صيغة بوسعها تأمين مصالح الموارنة والسنة والشيعة وربما قد تصل الى أقليات درزية كاثوليكية اخرى.

فهل هذا يعني أن الحرب الداخلية اللبنانية مستمرة؟

نعم إنها تجنح الى الاستمرار بالدعم الخارجي والداخلي حتى تستطيع الدول الكبرى والدعم الإقليمي التوصل الى صيغة سياسية تحكم لبنان بمنطق المحافظة على مصالح العصبيات والدول الكبرى والإقليمية.