قاسم سليماني
زياد حافظ
لم يكن لي شرف التعرّف إلى القائد الشهيد، وما أعلمه هو من شهادات من عرفه عن مقربة ومن المقالات والتحليلات التي صدرت في الغرب حول دوره. وبالتالي ما يمكن أن أضيفه بحق القائد الشهيد قاسم سليماني ألخّصه بالملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى هي أنّ ما قاله الأمين العام لحزب الله في مقابلته على قناة «الميادين»، وقبل ذلك بمناسبة تأبين القائد الشهيد قاسم سليماني يصعب الإضافة عليه وكذلك الأمر بالنسبة للمتكلّمين الذين سبقوني وحتى الذين سيأتون من بعدي في هذه المناسبة.
الملاحظة الثانية هي أنّ الغرب بشكل عام والولايات المتحدة والكيان الصهيوني بشكل خاص ومعهما الرجعية العربية اعتبرت أنّ المجتمعات الإسلامية والعربية تُختزل بشخص رموزها وأنّ التعامل مع هذه الرموز يغنيهم من التعامل مع الشعوب ولا قيمة لهذه الشعوب خارج تلك الرموز. وإذا كان الرمز مناهضاً لسياساتها فالعمل على إخراجه من الساحة يشكّل انتصاراً استراتيجياً يغيّر في المعادلات موازين القوّة. هكذا تعتقد وتعمل الرجعية العربية والكيان الصهيوني والولايات المتحدة والغرب.
لكن هذا الموقف الأميركي هو على عكس استراتيجية القائد الشهيد الذي كان يركّز على تعبئة وتمكين ودعم صمود الشعوب وترشيد التنظيمات والفصائل التي تقوم بمهام مقاومة الهيمنة الأميركية والاحتلالات المتعددة لأقطارنا. فوحدة الجهود هي مصدر القوة ولا قوة خارج إطار الوحدة بكافة مكوّناتها وأشكالها. وهذا العمل الذي طابعه في الأساس عسكري ينعكس بشكل مباشر على المشهد السياسي والاقتصادي عبر استراتيجية التشبيك التي يجب ان تتبعها حكومات وشعوب المنطقة في مواجهة المطامع الخارجية من أي جهة كانت. هذه في رأيي السمة الأساسية للاستراتيجية في مواجهة الاحتلال والعدوان في زمن الحرب والهيمنة في زمن الاستقرار.
الملاحظة الثالثة هي أن المشهد الحقيقي في المنطقة لا يتطابق مع تصوّرات المحور المعادي لمحور المقاومة. فمحور المقاومة قائم على أسس واضحة ومنظّمة. لكن أهم من كل ذلك هو أن المحور يحمل قضية ويقاتل من أجلها بينما المحور المعادي هو محور مصالح فقط. والفرق بين القضية والمصلحة كبير، فالقضية هي مبادئ وفكر وأخلاق وتتجاوز الجغرافيا والزمن بينما المصلحة محدودة في المكان والزمان. وبالتالي غياب أي رمز من رموز المحور لا يلغي المحور ولا يؤثّر بفعّاليته رغم الألم الذي يصيب الجميع.
الملاحظة الرابعة هي أنّ القائد الشهيد قاسم سليماني ليس أوّل قائد ولا آخر قائد يُستشهد في الميدان أو يُعدم أو يُغتال والأمثلة عديدة. فقيادات المحور المقاوم دائماً في الخطوط الأمامية في الميدان. فالقافلة طويلة ومستمرة في عطائها في سبيل القضية التي استشهدت أو اعدمت أو اغتيلت من أجلها هذه القيادات. والعدو وحلفاؤه لم يخفوا نيّتهم في استهداف المزيد من القيادات المقاومة بتحريض وتمويل عربي وتنفيذ صهيوني وأميركي. ولكن كلّ ذلك لا يغيّر في موازين القوّة والمعادلات التي رسّخها التراكم المادي والمعنوي لمحور المقاومة.
الملاحظة الخامسة هي أن عملية اغتيال القائد قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس تدل على عجز الولايات المتحدة في مواجهة ما يقوم به محور المقاومة بشكل عام وكل من الشهيدين بشكل خاص في تكريس وحدة المعركة ووحدة القوى المقاومة. وعملية الاغتيال ليست فقط وصمة عار وعدوان وجريمة حرب وإرهاب دولة بل دلالة على فشل متراكم أوقعه محور المقاومة بالمحور الذي تقوده الولايات المتحدة. كما تدلّ على اختلال موازين القوّة التي حقّقها المحور في المواجهة مع الكيان وحلفائه الدوليين والعرب وعجز المحور المعادي في تغييره.
الملاحظة السادسة هي أن الجريمة لن تمر بدون معاقبة المخططين والمنفذّين كما أن النتيجة السياسية هي ستكون الخروج الاستراتيجي الأميركي قسرا من المنطقة وهذا كان الهدف الأساسي للقائد الشهيد وهو ايضا في رأيي العقاب الأكبر لهذه الجريمة.