kayhan.ir

رمز الخبر: 11782
تأريخ النشر : 2014December14 - 20:32

هل من حاجة متبقية لمجلس التعاون؟؟

عبد الحسين شبيب

هل هي "قمة الفرحة” كما وصفها الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، ام هي قمة التقاط الصورة فقط لتأجيل اعلان نهاية هذا المنتج السياسي الذي انشئ عام 1981 كردة فعل على انتصار الثورة الاسلامية في ايران ولم يحقق اي نتيجة حتى الآن؟

لا يوجد اي تقييم ايجابي لقمة الدوحة سوى انها عقدت، لكن انعقادها كان محل ملابسات وملاحظات ايضاً. فالقمة الخليجية عادة تستغرق يومين، وقمة الدوحة اقتصرت على يوم واحد رغم جسامة المخاطر والتهديدات التي يقولون انها تواجه دول هذا المجلس. ورغم ان الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز كان وراء الدفع باتجاه اعادة احتواء قطر بعد قطيعة ثلاثية سعودية اماراتية بحرينية معها لثمانية اشهر على خلفية اتهامها بالتدخل بالشؤون الداخلية ودعم تنظيم الاخوان المسلمين "الارهابي” بحسب تصنيف الاطراف الثلاثة، فإن الملك السعودي لم يحضر القمة وحضر ولي عهده. وكان لغياب الملك السعودي في هذه الفترة ايضا دلالات. فربما يكون السبب هو الوضع الصحي للملك الذي لا يسمح له بالسفر والتنقل على راحته، وربما يكون رغبة منه بعدم مغادرة المملكة في ظل عواصف تحيط بها من الجهات الاربع، ومن بين ظهرانيها. لكن حتى ولو انتفى هذان السببان فمن المستبعد ان يحضر الملك السعودي الى الدوحة الخارجة على بيت الطاعة السعودية.

احتل الموضوع اليمني الحيز الابرز في مساحة البيان من حيث عدد السطور وعدد الكلمات كما لو انه شأن داخلي خليجي

وبالنظر الى النتائج التي ظهرت في البيان الختامي فانها لم تخرج باي قرار على المستوى الداخلي يوحي بان هناك فرصة لبث الحياة في مجلس التعاون. فحتى موضوع إنشاء مركز قيادة عسكري مشترك جديد مقره الرياض الذي أعلن للمرة الأولى عنه في عام 2012 وتمت الموافقة على إخضاعه لمزيد من الدراسة، وكان متوقعا ان يبصر النور في هذه القمة، لا سيما مع ما يسمونه مخاطر امنية وعسكرية في اليمن وليبيا، فإن القمة اكتفت فقط بالتعبير عن الرضا عن الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف.

نقطة اخرى شكلت اختبارا لمجلس التعاون هي الانخفاض في اسعار النفط، الذي تبين انه محل خلاف جوهري بسبب تناقض المقاربات تجاه هذه الازمة البنيوية التي تطال بعض الاقتصادات الخليجية في الصميم. وبقدر ما احتفلت السعودية رسميا بنجاحها في منع منظمة اوبك من خفض انتاجها عن ثلاثين مليون برميل يوميا لاعادة رفع سعر البرميل عن المستوى المتدني الذي بلغه ويكاد يقترب من الستين دولاراً بعدما تجاوز 115 دولارا في عام 2013، فإن صرخة امير الكويت كانت علامة فارقة في القمة عندما تحدث صباح الاحمد الصباح عن أن هبوط أسعار النفط يؤثر على الدخل وبرامج التنمية في الدول العربية الخليجية المنتجة للنفط، معتبرا ان ذلك تحدي يستدعي تعزيز مسيرة عملنا الاقتصادى المشترك وضرورة تنفيذ مجموعة من القرارات الهامة التي تضمنتها الاتفاقية الاقتصادية بين دول المجلس لنتمكن من مواجهة اثار تلك التحديات كما قال. لكن على من يلقي امير الكويت مزاميره والدولة الرئيسة والمهيمنة على مجلس التعاون هي من تريد تخفيض اسعار النفط؟

اما اداء الدولة المضيفة اي قطر، فيكفي الاشارة الى انها تغرد خارج السرب وحدها من خلال مبادرتها قبل فترة الى تخفيض انتاجها من ثمانمائة الف برميل يوميا الى ستمئة وخمسين الفاً من اجل تهدئة الاسعار، ثم خفضتها الى خمسمائة الف بدعوى اجراء أعمال صيانة في مصفاة مسيعيد، لتبدو قطر الدولة الخليجية الوحيدة في أوبك التي خفضت الإنتاج.

البيان الختامي لم يأت على ذكر الاضطراب في اسعار النفط رغم الصراخ الكويتي

هكذا كان اللافت ان البيان الختامي لقمة الدوحة لم يأت على ذكر الاضطراب في اسعار النفط وما يمكن ان يشكله من تعقيدات في الاقتصادات الخليجية، رغم الصراخ الكويتي وغير الكويتي، لكن القدر السعودي فرض نفسه مجدداً ليتبين في بقية بنود البيان ان مجلس التعاون هرب من ازماته الداخلية ومن الخلافات بين اعضائه، ليتحدث عن قضايا خارجية ويخصص لكل منطقة نزاع فقرة خاصة. فاحتلت ايران الصدارة من خلال الدعوة التقليدية السنوية لحل الخلاف الاماراتي _ الايراني حول الجزر الثلاث بالطرق السلمية، وايضا المطالبة بسلمية المشروع النووي الايراني، والحديث عن رغبتهم بعلاقات حسن جوار مع ايران بعيداً عن التدخل بالشؤون الداخلية والتهديد بالقوة. وتم تخصيص سلطنة عمان عبر الاشادة بدورها في استضافة مفاوضات بين ايران ومجموعة 5+1 حول البرنامج النووي، وهي اشارة استوقفت وكالة رويترز التي لفتت الى ان مسؤولين سعوديين عبروا في أحاديث خاصة عن غضبهم إزاء الدور الذي لعبته مسقط من أجل التوصل للاتفاق النووي المبدئي، لتطرح علامة استفهام حول ما اذا كانت هذه نقطة اجماعية، ام انها تم فرضها ارضاء لمسقط التي كادت تفجر قمة مجلس التعاون العام الماضي عندما تصدت لمحاولة السعودية الدفع نحو اتحاد فيدارالي خليجي تكون هي المهيمن فيه.

قلق سعودي

وفي المقابل اخذت الرياض بقية الاطراف الخليجية الى الملف الآخر الذي يقلقها وهو اليمن بعد احكام انصار الله الحوثيين سيطرتهم الميدانية على غالبية المحافظات الشمالية، وتحقيقهم انجازات مهمة في مواجهة تنظيم القاعدة. وقد احتل الموضوع اليمني الحيز الابرز في مساحة البيان من حيث عدد السطور وعدد الكلمات كما لو انه شأن داخلي خليجي. وتضمنت الفقرة اليمنية هجوما لاذعا على حركة انصار الله ووصفتهم بالقوة التي احتلت محافظات وسيطرت على مؤسسات الدولة، واستولت على اسلحة الجيش وغيرها من الاشارات التي جعلت من مجلس التعاون الخليجي طرفا مباشرا في تازيم الوضع اليمني، رغم ان جميع القوى السياسية اليمنية وقعت اتفاقية السلم والشراكة، والتي اطلقت مرحلة سياسية جديدة في اليمن وحظيت بتاييد دولي باعتبار انها وقعت برعاية المبعوث الاممي جمال بنعمر. لكن بيان الدوحة لم يأت على ذكر هذا الاتفاق بالمرة وكأنه غير موجود، لا بل اصرت الدول الخليجية على التمسك بالمبادرة الخليجية لحل الازمة اليمنية، مع ان الزمن تجاوزها ولم يعد لها اي وجود باعتراف احد اطرافها، اي سلطنة عمان التي دعت مؤخراً الى مقاربة خليجية للازمة اليمنية.

وبمعزل عن النوايا المضمرة تجاه اليمن بين سطور هذه العبارات التصعيدية فانه يمكن القول ان هذا البند ليس اجماعياً، لكن تم تمريره على قاعدة المقايضات بين فقرة واخرى، تماما كما تم الحديث عن الحل السياسي في سوريا وفق جنيف واحد. وبالتالي فانه بعد انفضاض القمة سيعود كل طرف الى مقاربته الخاصة، ويمكن القول ان سلطنة عمان على الاقل هي طرف على مسافة واحدة من الاطراف اليمنية، في حين ان السعودية هدفت من خلال احتواء قطر قبل قمة الدوحة الى محاولة قطع الطريق عليها للعب اي دور سلبي ضد المملكة من خلال اخوان اليمن المتمثلين بحزب "التجمع اليمني للاصلاح”، وابقاء الساحة اليمنية تحت تاثير احادي للرياض في مواجهة الحوثيين.

اشاد المجتمعون بدور سلطنة عمان في المفاوضات النويية الايرانية رغم ان مسؤولين سعوديين عبروا عن غضبهم من هذا الدور

البند الاخر الذي لفت المراقبين هو المتعلق بليبيا حيث اتفق المجلس على إدانة دور الميليشيات في هذا البلد وايد مجلس النواب المنتخب، لكنه لم يحدد أيا من الميليشيات هي التي تتحمل القدر الأكبر من اللوم في الصراع الذي تدعم فيه قطر والامارات فصائل مسلحة متناحرة، وباتت ليبيا بامتياز ساحة صراع خليجي_ خليجي معلن.

ورغم أن المجلس عبر عن دعمه لمصر التي توترت العلاقات بين حكومتها وقطر بسبب دعم الدوحة لتنظيم الاخوان المسلمين فإنه لم يعلن عن اي مبادرة جديدة لاصلاح العلاقات بين الدولتين، ومن ثم يتبين ان البيان عبارة عن تسوية جمعت تناقضات شتى حاول كل طرف ان يحجز حصة له، لكي تمر الامور على ما يرام، ولا ينفرط عقد القمة، لتكون النتيجة ان انعدام الثقة لا يزال مسيطرا وان الكلام عن الوحدة ونبذ الخلافات جانباً والتصدي للمخاطر كلها عبارات تجميلية لم تستطع ان تخفي حقيقة ان اعضاء المجلس متوزعون على عدة محاور، ولكل محور مقاربته المختلفة حول كل شيء، والا ما الذي تغير حتى نتوقع ان الخلافات الخليجية _ الخليجية قد وئدت فعلاً وان الامور عادت الى مجاريها؟ فحتى قول امير قطر تميم بن حمد آل ثاني انه "لا يجوز لنا أن ننشغل بخلافات جانبية حول التفاصيل” فسرت على انها رسالة ضمنية لمنتقدي الدوحة بسبب دعمها لتنظيم الاخوان المسلمين.

المجالس التعاونية تستغل للقاءات الدورية لكي تحسم خلافاتها، اما قمة الدوحة فقد قررت الا تتحدث في الامور التي ما زالت محل خلاف حتى تشير الى ان مجلس التعاون لا يزال يعمل بالحد الادنى كما قال بعض المراقبين، وحتى تمرَّر هذه القمة على خير، الى درجة انه حتى الاحلام الوردية باتحاد جمركي ودرع صاروخي واهداف اخرى حددها المجلس لانشائه وتكررت في القمم الماضية حيث أصبحت في خبر كان وما يذكر حول هكذا مسائل بات لازمة شعرية. ويكفي ذلك دليلا على ان الزمن الخليجي قد تغير كما هو زمن المنطقة العربية والاسلامية، وما يقال عن خشية من انتقال الفوضى والحرب داخل اكثر من دولة عربية الى هذه "البقعة الآمنة” حالياً قد يصبح امراً واقعاً فيما لو تأججت النزاعات البينية الخليجية الساخنة حالياً في ساحات عدة واقتربت تدريجياً من البيت الداخلي.

وهذا طبعاً يقود الى امر آخر يثير الانتباه تساؤلاً او تعجباً او أي شيء آخر عندما جددت دول مجلس التعاون "رفضها لكل صور التطرف والإرهاب والتزامها نبذ التطرف الفكرى وسعيها صفاً واحداً لتجفيف منابعه ومصادر تمويله” كما ورد في البيان الختامي، مع العلم ان منابع التطرف الفكري ومصادر التمويل معروفة بالاسماء والأماكن، وفي ذلك تقارير وتحقيقات صحفية وغير صحفية وتصريحات عربية وغربية، والوقائع العراقية والسورية واليمنية والآن الليبيبة وأيضا اللبنانية، تشير بوضوح الى تورط بعض الخليجيات على المستويين العام والخاص في انتاج التطرف وتشغيله وتمويله ومحاولة الاستثمار فيه، وهو طبعاً مجال يقتصر على بعض الدول والأعضاء الخليجيين وليس جميعهم كما هو متفق عليه في كبريات مراكز الدراسات العالمية ولدى كبار الصحافيين الاستقصائيين في الغرب، فضلا عن أجهزة الاستخبارات المتعددة الجنسيات التي لديها تفاصيل كاملة عن كل ما يتعلق بهذا الموضوع.

هكذا يبدو ان ما قيل عن حل سابق للخلافات هو فقط لتسهيل عملية انعقاد القمة الخليجية وتقليص الخسائر الى الحد الادنى، لان عدم انعقادها كان سيعني رسمياً انتهاء وظيفة هذه المؤسسة، وستكون لذلك تداعيات كبيرة ليس بمقدور الدول الاعضاء تحملها.