مخلب الناتو وحلم السيطرة على القوقاز ... أردوغان على حدّ سيوف النازيّة!
محمد صادق الحسيني
مرة أخرى يجري أردوغان مسرعاً إلى حتفه من دون قراءة موازين القوى ومعطيات التاريخ والجغرافيا السياسية الجديدة التي بدأت ترسم ملامح العالم الجديد…!
إنّ سبر الدوافع الكامنة وراء تحرّك تركيا أردوغان السريع لـ «دعم» أذربيجان في الاشتباكات الحدودية الجارية بينها وبين جارتها أرمينيا، في منطقة ناغورني كاراباخ / أو كاراباخ الجبل /، يجب أن يسبقه إلقاء نظرة فاحصةٍ، على الوضع الحالي وكذلك التاريخي لهذه المنطقة الهامة من العالم. كما يجب النظر بدقةٍ الى ميزان القوى العسكري، بين الدولتين المنخرطتين في هذه الاشتباكات، أرمينيا وأذربيجان.
يشير ميزان القوى العسكري الى رجحان كبير في كفته لصالح أذربيجان، سواءٌ في القوات البرية او الجوية (أرمينيا لا تملك قوات بحرية لأنها غير مشاطئة لأي من بحار المنطقة). إذ إن عديد الجيش الأرمني يصل الى 26000 جندي فقط وحوالي ضعفهم من الاحتياط، بينما يبلغ عديد الجيش الأذري العامل 216000 جندي، يضاف اليهم 850000 (ثمانمئة وخمسزن ألفاً) من جنود الاحتياط. كما انّ ميزان القوة في سلاح الجو لدى البلدين هو انعكاس لميزان القوى في البر. ايّ انّ سلاح الجو الأذري يتفوّق على الأرميني بخمس مرات.
بالإضافة الى هذا الاختلال الكبير في ميزان القوى العسكري، فلا بدّ أن نأخذ بالاعتبار العديد من العوامل اللوجستية الهامة، التي تجعل أذربيجان أفضل تجهيزاً وعتاداً من أرمينيا. إذ إنّ أذربيجان تتلقى:
مساعدات عسكريّة مباشرة من «إسرائيل»، التي تزوّدها بمنظومات دفاع جويّ من طراز باراك ٨ Barak 8) ) وطائرات مسيّرة وتجهيزات حرب إلكترونية وعدد كبير من المستشارين العسكريين والأمنيين، الذين يتحكمون بمفاصل الجيش والأجهزة الأمنية الأذرية.
كما أنّ أذربيجان تتلقى مساعدات عسكرية كبيرة من تركيا، التي تشرف بالكامل على برامج تدريب القوات الخاصة الأذرية، بالتعاون مع مدربين من لواء غولاني «الإسرائيلي». يضاف الى ذلك ما تقدّمة تركيا من عتاد مختلف وعربات قتال مدرّعة وغير ذلك.
من هنا فإنّ الحملة الإعلامية، التي أطلقتها تركيا، حول تزويدها لأذربيجان بعدد من الطائرات المسيّرة من طراز بيرقدار / ت.ب.2 /Bairaktar TB 2) ) ليست الا ذراً للرماد في العيون، وذلك لأنّ لدى أذربيجان ما يكفي من الطائرات المسيّرة الإسرائيلية ولأنّ هذه الطائرة التركية ليست هي العصا السحرية القادرة على قلب موازين القوى في الميدان، كما تدّعي صحافة أردوغان الصفراء.
إذاً ما هو الدافع الحقيقي وراء خطوات أردوغان العسكرية المتهورة في القفقاس؟
يجب أن لا ننسى، عند الإجابة على هذا السؤال، ان تركيا عضو أساسي في حلف شمال الاطلسي، وبالتالي فهي مخلب أميركي، يستخدم تارةً في سورية، وأخرى في ليبيا، وبعدها العراق، والآن حان وقت تفعيل هذا المخلب الهدام، في منطقة القفقاس، أيّ على حدود روسيا الجنوبية. خاصة أنّ لأردوغان أطماعاً واسعة في هذه المنطقة، تمتدّ الى حدود الصين الغربية.
وبالتالي فإنّ تحرك أردوغان هذا لا يمكن وضعه في خانة المغامرات العسكرية غير المحسوبة، وإنما يجب وضعه في إطاره الصحيح. هذا الإطار الذي يهدف الى تغيير الوضع الاستراتيجي في تلك المنطقة لصالح الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وذلك من خلال:
أ) نشر التطرف الديني والفوضى العسكرية والأمنية الشاملة، ليس في أذربيجان فحسب، وانما في كل جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة هناك، وذلك من خلال نقل آلاف المسلحين الإرهابيين، من بقايا فلول داعش والنصرة، المنتشرين في منطقة عنتاب، داخل تركيا، وفي مناطق شمال وشمال غرب سورية، خاصة أن تقارير الجهات الأمنية الأوروبية، المتخصصة بمتابعة الحركات الإرهابية في العالم، تؤكد وجود ما لا يقلّ عن ثمانين ألف مسلح في مناطق سيطرة الجيش التركي في سورية وفي مناطق الحدود السورية التركية.
ب) تعزيز سيطرة قوات حلف شمال الاطلسي، على الدول المحاذية لحدود روسيا الجنوبية الغربية، كأوكرانيا وجورجيا، واضافة اذربيجان اليها والتي يخطط الحلف لاستخدامها كمنصةٍ للوثوب شرقاً، باتجاه تركمانستان وطاجيكستان واوزباكستان وقرقيزستان، استكمالاً لتطويق روسيا من الجنوب وفصل إيران عن محيطها الإقليمي في وسط آسيا، وما يعنيه ذلك من محاولات لتعطيل تنفيذ مشاريع برنامج/ طريق واحد وحزام واحد الصيني العملاق، الذي يشمل هذه الدول ايضاً الى جانب إيران وغيرها من الدول العربية.
ولكن أردوغان، الذي يحلم بإعادة عجلة التاريخ الى الوراء ويهلوس بإمكانية نجاحه في السيطرة على الجغرافيا الواقعة بين بحر الادرياتيك، في البلقان، وبين الحدود الصينية، لا يمكن ان تصل أحلامه الى ابعد مما وصلت إليه احلام الامبراطورية البريطانية، عندما كانت امبراطورية، وحاولت ان تسيطر على افغانستان بحجة مواجهة التوسع الروسي في منطقة وسط آسيا. قامت بريطانيا آنذاك، سنة 1838 بتجريد حملة عسكرية، انطلقت بها من الهند، لاحتلال افغانستان، ودخلت في حرب مع المقاتلين الأفغان الموالين للملك محمد خان، الذي حاولت بريطانيا خلعه واستبداله بعميل لها. وقد استمرت تلك المغامرة البريطانية حتى شتاء 1842 عندما اصدرت القيادة العسكرية البريطانية أوامرها لقواتها المهزومة بالانسحاب سيراً على الأقدام، عبر ممر خيبر، حيث تمكن المقاتلون الأفغان من إبادتها بالكامل ولم يصل منهم أحد الى الهند، مكان انطلاق حملتهم.
وقد اعاد البريطانيون هذه التجربة الفاشلة، في اطار استراتيجية جديدةٍ لمواجهة نفوذ روسيا، أسموها استراتيجية التقدم الى الامام. فقاموا بتنظيم حملة عسكرية جديدة في افغانستان، سنة 1878، استمرت حوالي عام كامل مُنيت خلاله القوات البريطانية بهزائم نكراء واضطرت للانسحاب من افغانستان. ولكنها عاودت هذا الجنون مرة أخرى سنة 1919 انتهت بتوقيع اتفاق وقف إطلاق نار، أفغاني بريطاني، اعطيت افغانستان بموجبة حق الاستقلال الكامل وانسحبت القوات البريطانية بشكل كامل. تماماً كما يحصل حالياً بين الولايات المتحدة وقوات الناتو من جهة وحركة طالبان من جهة أخرى.. عشرون عاماً من الحرب الفاشلة للوصول الى اتفاق على انسحاب آمن للقوات الأميركيّة.
إن روسيا الاتحادية الحاليّة ليست هي التي كانت في القرن التاسع عشر، حيث كانت دولة ضعيفةً نسبياً بالمقارنة مع الدول الاستعمارية الأوروبية آنذاك، ولا هي روسيا سنة 1919، التي كانت تشهد ثورة غيرت وجه التاريخ ونتج عنها نظام سياسي لم يعهده العالم سابقاً. آنذاك حاولت تلك الدول التدخل في شؤون روسيا الداخلية، متوهّمة انها دولة ضعيفة. فقامت تلك الدول بعمليات إنزال بحري في جنوب غرب روسيا على البحر الاسود، وفي اقصى الجنوب الشرقي في منطقة المحيط الهادئ (مدينة فلاديفوستوك) وفي القطب الشمالي (منطقة موراميسك). ولكن روسيا انتصرت على جميع هذه الحملات وأفشلتها.
ولعل من المفيد أيضاً تذكير «السلطان» أردوغان بأن زميله في الاحلام المكنونة، زعيم المانيا النازية، ادولف هتلر، قد حاول، سنة 1941/1942 الاستيلاء على منطقة القفقاس، ووصل بجيوشه الى مدينة ستالينغراد، التي لا تبعد سوى ألف كيلومتر عن مدينة باكو، عاصمة اذربيجان وقلب الصناعة النفطية الروسية / السوفياتية / آنذاك، والتي كانت تشكل هدفاً استراتيجياً له. ورغم انّ الحظ قد حالفه، في الوصول الى ستالينغراد، إلا أنه ارتكب بذلك خطأ تاريخياً، ادى الى ابادة الجيش الألماني السادس وجيش المدرعات، بقيادة الجنرال باولوس، وخسارة 600 الف جندي ألماني وهزيمة منكرة حسمت نتيجة الحرب العالمية الثانية.
فهل لك أن تقرأ التاريخ وتستخلص منه العبر، ايها السلطان الحالم!؟
ان الوضع الاستراتيجي لمنطقة وسط آسيا كاملةً قد حسم لصالح روسيا في صراع الدول العظمى الامبراطورية في شهر شباط سنة 1942، بتحرير الجيوش السوفياتية لمدينة ستالينغراد ومنع تقدم الجيوش الالمانية الغازية باتجاه جنوب القفقاس. أي باتجاه اذربيجان.
لقد قضي الأمر مذّْاك الزمن.
آسيا الوسطى لن تكون منطلقاً لتهديد وحدة الأراضي الروسية، ولا مسرحاً لنشر الحروب والاقتتال والفوضى فيها، وفرض حالة من انعدام الاستقرار الاستراتيجي في كل دولها.
لان ميزان القوى الدولي لا يسمح لك بذلك، وعليك ان تتذكر بان ابناء هذه الدول، كتفاً الى كتف مع اخوانهم المواطنين الروس، قد قدموا ما يزيد على 27 مليون شهيد للانتصار على النازية والحفاظ على بلدانهم.
كما لا بد من تذكير السيد أردوغان بأنّ التغيرات، التي شهدها العالم، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أعمق بكثير مما يمكن لعقله أن يستوعب. ومن ضمن أهم تلك المتغيرات بروز الصين كدولةٍ مستقلةٍ معاديةً لأسياده في البيت الابيض، وتملك اقتصاداً سيبلغ حجمه ضعفي الاقتصاد الأميركي، خلال العقد الثالث من هذا القرن.
اذن، هناك استقرار استراتيجي في منطقة آسيا الوسطى، في عهدة روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية، ولا يمكن لأحلامه البهلوانية ان تغيّر فيه شيئاً. تماماً كما أن طائراته المسيرة، من طراز بيرقدار، التي أرسلها لأذربيجان لاستفزاز روسيا ومناكفتها، ولا لطائرات حلفائه الموضوعيين في «إسرائيل»، وهي من طراز اطلس برو (Atlas Pro) صناعة شركة اطلس داينامكس الإسرائيلية، والتي أرسلوها، قبل ايام معدودة، كما نشر موقع الجروساليم بوست الإسرائيلية بتاريخ 16/7/2020، الى أقصى شمال شرق النرويج، بحجة المشاركة في عمليات بحث وإنقاذ، بينما هي في الحقيقة تقوم بمهمات تجسس على أسطول الشمال الروسي، في ميناء مورمانسك في القطب الشمالي وعلى قطع هذا الأسطول المنتشرة في بحر بارينتس.
ما يعود بالفائدة على الشعب التركي وعلى الدولة التركية ويفتح أمامها ابواب التطور والازدهار اللامحدود بعيداً كل البعد عن سياساتك الحالية. إن الطريق الى ذلك يكمن في ان تستمع جيداً لكلمة السيد حسن نصر الله، التي دعا بلاده فيها للتوجه شرقاً… الى الصين والى روسيا وإيران، وتفهم عمق ما جاء فيها وعمق التغيرات التي يشهدها العالم، وعلى مختلف الصعد، كي تقود شعبك وبلادك الى نتيجة تختلف عن النتيجة، التي وصل اليها زعيم المانيا النازية، ادولف هتلر.
مواكبة العصر هي طريق النجاح وليست المغامرات العسكرية الفاشلة المعبّرة عن ضيق أفق خطير لا يليق برئيس دولة اقليمية على جانب كبير من الأهمية كالجمهورية التركية.
ومكر أولئك يبور.
بعدنا طيّبين قولوا الله...