حسان دياب لن يكون «كاظميّاً جديداً»؟
د. وفيق إبراهيم
يضعُ الأميركيون كامل إمكاناتهم اللبنانية والإقليمية لإسقاط حكومة حسان دياب وإعادة تشكيل أخرى جديدة تحاكي حكومة «الكاظمي العراقية».
يشمل هذا الولاء مثلاً، حرصاً من حكومة الكاظمي على حصر السلاح بيد الدولة، وهذا يعني تجريد الحشد الشعبي منه، ويتوجّه لنصب حكومة لبنانية جديدة لديها شعار سياسي وهو حصر السلاح اللبناني في يد الدولة، وباللغة الأوضح تجريد حزب الله من سلاحه، أي تماماً كما تطالب الأحزاب اللبنانية الموالية للأميركيين و»إسرائيل».
يبدو بشكل منطقي أن الأميركيين هنا يرون في حكومة حسان دياب سداً يحول دون تطبيق هذه المشاريع، ما دفع بومبيو وفريقه الدبلوماسي والعسكري لطلب إقالة حكومة دياب واستبدالها بحكومة جديدة لا تضمّ وزراء من حزب الله.
هناك أيضاً حظر أميركي على استيراد الكهرباء من سورية ومشتقات نفطية من إيران، فالأميركيون يعرفون أن رئيس الحكومة حسان دياب لا ينتمي للمنظومة السياسية التاريخية التي تعمل على تطبيق ما يريده الأميركيون والأوروبيون، وتلتبس في الموقف مع «إسرائيل».
بما يتبين في معظم الأحيان أن حكومة دياب ليست من نتاج الطبقة التقليديّة التي اعتاد الأميركيون على انصياعها، ولا تشكل جزءاً من منظومة تاريخية فاسدة أفلست لبنان بنهبه وسرقته منذ ثلاثين عاماً بغطاء أميركي وأوروبي وخليجي، وتحاول تحميل وزر هذه المأساة لحكومة دياب.
فلا أحد يصدّق مشاهد الحريري وجنبلاط والجميل وجعجع وهم يتهمون الحكومة الحالية بأنها لم تفعل شيئاً لوقف هذا الانهيار، وهم على علم عميق بأنه نتائج انهيار متراكم منذ ثلاثين عاماً لا يحصل ببضعة أشهر ولا يمكن معالجته في ظل حصار أميركي مباشر على لبنان التجاري والمصرفي، أصاب أيضاً المغتربين اللبنانيين في العالم.
ومن الصعب مجابهة هذا الانهيار وسط ضغط أميركي على صناديق النقد الدولية ومؤتمرات سيدر كي تمتنع عن إمداد لبنان بأي شيء.
يمكن أيضاً اتهام الأميركيين وبضمير مرتاح أنهم يمنعون دول الخليج وخصوصاً السعودية والإمارات عن مدّ يد العون إلى لبنان.
فكيف يمكن لحكومة دياب إيجاد حلول في مثل هذه المناخات الغربية العدائية والعربية الصامتة إلى حدود التآمر؟
وهل بوسعها العمل فيما تقطع القوى اللبنانية «المتأمركة» الطرق الأساسية في البلاد، حتى وصل الأمر بـ «الشيخ سعد الحريري» إلى حد اتهام الحكومة بالنفاق، لأنها «تزعم أنها تريد العمل وليس لديها كهرباء»، متناسياً أن الحكومات التي تولاها أبوه الراحل رفيق الحريري وحكوماته وحكومات السنيورة هي التي منعت إصلاح الكهرباء، وعملت مع آخرين على استئجار باخرتين تركيتين لتزويد لبنان بكهرباء هي الأغلى من نوعها في العالم لأن أسعارها تحتوي على عمولات إضافية ضخمة للرعاة «الأذكياء» و»الخواجات» منهم.
لماذا يريد الأميركيون إذاً نسف الحكومة؟
هذه حكومة لا تأتمر بالخارج السياسي وترفض الانصياع لمطالبه، ولا تقترب إلا ما ترى أنه لمصلحة عموم اللبنانيين، أما لماذا لم تنجز المطلوب؟
فالإجابة واضحة وجلية وتتمركز في الحصار الأميركي الأوروبي المفروض عليها والمستورد خليجياً، فكيف يمكن لهذه الحكومة أن تعتبر أن الخطورة في سلاح حزب الله فيما الطيران الإسرائيلي يختال في أجواء لبنان، وأجهزة مخابراتها تسرح في محافظاتنا ودوائرنا، وتخترق دورياً الشريط الشائك عند الحدود وتحتل قرية الغجر اللبنانية ومزارع شبعا وكفرشوبا والقرى السبع وآبار نفط وغاز عند الحدود مع فلسطين المحتلة؟ وكيف تقبل أيضاً بإبعاد حزب الله عن الحكومة وهو الذي يحوز على أعلى نسبة مؤيدين في لبنان؟ ولا علاقة له وباعتراف أخصامه السياسيين بكل أنواع الفساد الذي أوقع لبنان في انهيار اقتصادي عميق جداً.
هذا ما يوضح أن استهداف حكومة دياب يرتبط بنيوياً بمشروع يحاول ترميم تراجع النفوذ الأميركي في الإقليم، فيسدّد على الحكومة اللبنانية من خلال استهداف حزب الله والسعي إلى حكومة جديدة يترأسها سياسيّ بإمكانات الحريري أو البعاصيري ونواف سلام أو ربما الريفي، أي بمستويات لا تطمح إلى دور وطني بل تعتمد على نفوذ «قيصر» للاستيلاء على السلطة. بما يوضح أن «قيصر» يمرّ بدباباته الثقيلة على لبنان وسورية مجتاحاً العراق ومحاولات خنق إيران وإبادة اليمن بقصف جوي بريطاني سعودي لا يرمي إلا على المدنيين.
بالمقابل لا تدخل حكومة حسان دياب في الصراع الوهمي بين شرق وغرب، لأنها تعرف أن العلاقات الدولية لم تعُد مبنية على هذا النحو منذ سقوط الاتحاد السوفياتي في 1989.
بمعنى أن هناك بلداناً تتعاقد حسب مصالحها وفي كل الاتجاهات.. والعلاقات الاقتصاديّة بين الصين والأميركيين تزيد عن 250 مليار دولار فضلاً عن ديون تصل إلى 3 تريليونات دولار. فأي شرق يجري الحديث عنه وأي غرب نريد الخروج منه؟
لذلك فإن على اللبنانيين الضغط على مؤسساتهم الحزبية لتنضبط في إطار دعم الحكومة لأن طبيعة الصراع اللبناني أصبحت بين البحث عن المصالح الشعبية أو الانصياع للمصالح الأميركية، والدليل أن الأميركيين يعملون على تحالفات بين قوى سياسية ودينية لإعادة تعميق لبنان الطائفي المنزوي في قاع التخلف.
لذلك يكفي تسجيل مدى الضغط الأميركي على حسان دياب عبر تسريب معلومة للشهم العريق وليد جنبلاط بأن رئيس الحكومة يطالب بتعويضات من الجامعة الأميركية عن مرحلة تدريسه لمدة طويلة فيها.
والغريب أن هذا أمر طبيعي يفعله الأساتذة الجامعيّون الذين يقبضون تعويضات أو رواتب تقاعديّة عند خروجهم من التدريس.
فلماذا تعتبر السفارة الأميركية أنها حادثة «يمكن ابتزاز دياب بها»؟
وهل يعتقد أبو تيمور أن تعويضات دياب الجامعية هي جزء الريوع والمغانم الإدارية التي يجب تقاسمها على الطريقة الحريرية المعتادة؟
لا بد أخيراً من تأكيد أن موازنة القوى الحالية داخلياً وخارجياً، لا تسمح بأي تغيير حكومة ينقلها من الحيادية والإنتاج إلى واحدة من حكومات الحريري والسنيورة التي تبيع مصالح الوطن لسياسات الخارج مقابل ترسيخها في سلطة جعلتها من أصحاب المليارات والمزارع في بلد يتجه للغرق وهم ثابتون على سياستهم الموالية للأميركيين وحلفائهم.