kayhan.ir

رمز الخبر: 101765
تأريخ النشر : 2019September29 - 21:37

نتنياهو بين اعادة التكليف... وحكومة تُحصّنه

جهاد حيدر

أنتجت الانتخابات الاسرائيلية خريطة حزبية معقدة، منحت بموجبها كل من المعسكرين القدرة على تعطيل تشكيل الحكومة من دون أن يتمكن أي منهما على تشكيلها بمعزل عن الطرف الاخر. يعود ذلك الى أن معسكر نتنياهو نال 55 مقعدا (الليكود 32؛ الاحزاب الحريدية 16؛ "الى اليمين/ يمينا" 7)، بينما هو يحتاج الى اغلبية 61 عضو كنيست لتشكيل الحكومة (من أصل 120 مقعدا). في مقابل 65 مقعدا للاحزاب الاخرى القادرة بحسب الارقام على تشكيل حكومة بدون الاستناد الى أي من احزاب معسكر اليمين. لكن الانقسامات وتباين المواقف والخلفيات الايديولوجية، تحول دون القدرة على ترجمة هذه الارقام الى حكومة.

توزعت المقاعد المعارضة لتحالف نتنياهو، على كتلة أزرق ابيض، برئاسة غانتس، 33 مقعدا، تحالف العمل – غشر، 6 مقاعد، والمعسكر الديمقراطي 5 مقاعد. في المقابل نال اسرائيل بيتنا برئاسة افيغدور ليبرمان 8 مقاعد، فيما نالت القائمة العربية المشتركة 13 مقعدا. وكما هو واضح أنه بدون الاصوات العربية يشكل اي تحالف بديل عن تحالف نتنياهو 52 مقعدا، أي اقل من تحالف نتنياهو

انعكس هذه الخارطة الحزبية في المشاورات التي أجراها رئيس الدولة رؤوبين ريفلين، ونال نتنياهو تأييد 55 مقعدا. لكن غانتس نال تأييد 54 مقعدا. والسبب أن 10 اعضاء كنيست عرب، من أصل 13 أوصوا باسم غانتس رئيسا للحكومة، بهدف قطع الطريق على نتنياهو. فيما امتنع ليبرمان عن تسمية أي مرشح لتشكيل الحكومة. مع الاشارة الى أن غانتس كان بامكانه أن ينال تأييد عدد أكبر من نتنياهو (بدون تأييد اسرائيل بيتنا) لو أن كامل الاعضاء العرب أوصوا باسمه. وفي هذه الحالة كان يمكن أن ينال تأييد 57 عضو كنيست في مقابل 55 لصالح نتنياهو.

لكن مشكلة أخرى تقف عقبة أمام حظوظ غانتس، وهي أن ليبرمان لا يشارك مع العرب في حكومة واحدة، وهو عاد وأكد على هذا الموقف بعد خروجه من عند رئيس الدولة معتبراً أن "العرب اعداء، والحريديم خصوم". ويعني ذلك أنه لو دار الامر بين خيارين لا ثالث لهما، فهو يمكن أن يشارك مع الحريديم ولا يشارك مع العرب، وسبق أن فعل ذلك في أغلب السنوات الماضية في ظل رئاسة نتنياهو.

في ضوء ذلك، تبلور ليبرمان كقوة مرجحة بين المعسكرين، فهو يستطيع أن يمنح نتنياهو الاغلبية التي ينشدها لو عاد والتحق بالمعسكر الذي كان جزء منه في أغلب الحكومات منذ العام 2009. ويمنح غانتس هامش المناورة والضغط في مواجهة نتنياهو من دون أن يتمكن من تشكيل حكومة بديلة. والسبب أن انضمام ليبرمان الى معسكر غانتس لا يوفر له الاغلبية المنشودة لتشكيل الحكومة (44+8= 52 مقعدا).

في اعقاب المشاورات النيابية، وتبلور نسبة مؤيدي كل من المتنافسَين، نتنياهو وغانتس، بادر رئيس الدولة رؤوبين ريفلين، الى حثهما على تشكيل حكومة وحدة. ومنحهما فرصة استكشاف افاق هذا الخيار. إلا أنه سرعان ما تبين له انسداده في المدى المنظور. نتيجة ذلك، بادر ريفلين الى تسمية نتنياهو انطلاقا من أن حظوظه أوفر، ولو بشكل نسبي. باعتبار أن غانتس لا يستطيع تشكيل حكومة بدون الليكود. في المقابل، فإن الخيارات مفتوحة أمام نتنياهو أكثر، ولو من الناحية النظرية. أضف الى أن القانون يفرض على رئيس الدولة تسمية مرشح لتشكيل الحكومة.

في ضوء تكليف نتنياهو، تتراوح الخيارات المتاحة أمامه، بين احداث اختراق يتم بموجبهه تشكيل حكومة، تنهي حالة اللاستقرار التي تشهدها اسرائيل وتوفر له قدرا من الحصانة السياسية في مواجهة ما ينتظره قضائياً، وبين الاقرار بالفشل.

ويحضر في الفرضية الثانية سيناريوهان، الاول أن يستنفذ نتنياهو المدة القانونية، (28 + 14 يوما)، قبل أن يعيد التكليف الى رئيس الدولة، أو اعادته في أقرب وقت. وفي كلا الحالتين يتم نقل كرة التأليف الى غانتس الذي لن يكون قادرا على تشكيل حكومة بدون مشاركة الليكود. في هذه الحالة، قد يلجأ الرئيس الى الكنيست من أجل تكليفه بتسمية عضو كنيست لالقاء مهمة تكليف الحكومة على عاتقه، خلال 21 يوماً، وإلا ستجد اسرائيل نفسها مضطرة للتوجه مرة ثالثة خلال أقل من سنة الى صناديق الاقتراع.

تبقى مسألة حاسمة بالنسبة لنتنياهو أنه خلال الايام المقبلة، سيدلي بافادته أمام المستشار القضائي للحكومة كاستجواب أخير، على أن يعقبها في الاسابيع اللاحقة، قرار حاسم بخصوص توجيه لائحة الاتهام بحقه التي ستحدد مستقبله السياسي والشخصي.

ويبدو أن لهذا المسار دور حاسم في الخيارات التي سيلجأ اليها نتنياهو. والحقيقة الاخرى أن ما تواجهه اسرائيل من أزمات حكومية هي في الواقع ليست إلا أعراضا لأمراض أعمق تجذراً، وأشد خطراً، وأبلغ دلالة على مآلات المجتمع الاسرائيلي ومعه كيانه السياسي.