kayhan.ir

رمز الخبر: 101348
تأريخ النشر : 2019September22 - 19:48

الانتخابات الإسرائيلية: مشهد سياسي معقد..

جهاد حيدر

دخل المشهد السياسي في الكيان الصهيوني مرحلة من التعقيد انفتحت معها مروحة من السيناريوهات حول ما قد تؤول اليه مساعي تشكيل الحكومة المقبلة. لكن جانب من هذا التعقيد قد تتضح معالمه بعد تكليف رئيس الدولة رؤوبين ريفلين رئيس أحد الاحزاب (وفق نص القانون يتم تكليف عضو كنيست) بتشكيل الحكومة المقبلة، وهو أمر يبدو أن رئيس الدولة يسعى إلى أن لا يكون وقته طويلا. ومع أنه لم يتم حتى الان حسم هذه المسألة لكن يمكن ترجيح أن يتم تكليف رئيس كتلة ازرق ابيض بني غانتس بتشكيل الحكومة. مع ذلك فإن تسمية غانتس (أو غيره) لا يعني أن الطريق باتت معبدة أمامه لتشكيل الحكومة بل ما زالت هناك الكثير من العقبات، بل يوجد رهانات جدية على محاولة عرقلة هذا المسار.

تعود تعقيدات المشهد السياسي ـ الحزبي إلى مجموعة من العوامل، أبرزها فشل بنيامين نتنياهو في نيل حزب الليكود مكانة الحزب الاكبر (حصل على 31 مقعداً مقابل ازرق ابيض 33 مقعدا)، فضلا عن فشل تحالفه التقليدي في نيل الاغلبية التي تؤهله لتشكيل حكومة يمينية، بل تراجع عن النتيجة التي حققها في نيسان/ أبريل الماضي، من 60 عضو كنيست إلى 55 عضو كنيست.

العامل الاضافي الذي لا يقل أهمية في تعقيدات المشهد السياسي يعود إلى الخلاف العلماني الديني وتحديدا مع الحريديم. كونه شكل العامل الاساسي في حدوث انقسامات داخل معسكر اليمين وحال دون تشكيل الحكومة حتى الان. وإلا فإن انضمام حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة افيغدور ليبرمان إلى حلف نتنياهو كما كان عليه خلال اغلب السنوات الماضية، كفيل بتغيير المشهد وموازين القوى، كونه نال 8 مقاعد، اذا ما أضفناهم إلى 55 مقعدا (تحالف نتنياهو) يصبح المجموع 63 مقعدا، وهو عدد كافي لتسمية نتنياهو رئيسا للحكومة ولتشكيل حكومة يمينية.

يعود الخلاف بين ليبرمان ونتنياهو ـ في أحد أبرز موارده ـ إلى الموقف من الحريديم المعفيين من التجند في الجيش. ففي حين يدعو رئيس "إسرائيل بيتنا" إلى فرض التجنيد عليهم اسوة ببقية المستوطنين. إلا أن نتنياهو يقف إلى جانبهم في رفضهم التجند في الجيش لعدة أسباب منها الموقف "الشرعي" من أصل دولة "إسرائيل" العلمانية، والثاني لخشيتهم على الجماعة الحريدية من أن تبتعد عن الالتزام بالتعاليم الدينية بعد اندماجها في الجيش.

لا يعني هذا العرض تجاهلا لوجود دوافع شخصية حزبية، لدى ليبرمان الذي أظهرت نتائج الانتخابات السابقة في نيسان/ أبريل الماضي، أنه كان حافة السقوط. إلا أن رفع شعار تجنيد الحريديم وحمل راية العلمانيين أدى تعزيز مكانته وحظوظه داخل المعسكر العلماني المتذمر من الحريديم.

يجدر التذكير بأن نتنياهو دفع نحو انتخابات مبكرة، بعد نتائج الانتخابات في شهر نيسان/ أبريل الماضي نتيجة فشله في تشكيل الحكومة، بعد رفض ليبرمان الانضمام اليها والذي ربطه بفرض التجنيد على الحريديم. عندها عمد نتنياهو إلى طرح قانون لانتخابات مبكرة، تجنبا لانتقال كرة التكليف في حينه إلى منافسه غانتس. وهي سابقة تحصل للمرة الاولى في تاريخ الكيان الغاصب.

تعود خشية نتنياهو من انتقال كرة التكليف إلى شخص آخر وبالتالي تنحيته عن منصب رئاسة الحكومة ما يعني فقدناه الحصانة التي يتمتع بها مما يجعله معرضاً للمحاكمة وامكانية ادانته بفعل قضايا الفساد المتهم بها. في المقابل، يحاول نتنياهو البقاء في المنصب ومحاولة استغلاله من أجل تحصين نفسه والحؤول دون سيناريو يؤدي به إلى السجن.

في كل الاحوال، النتائج التي خلصت اليها الانتخابات زادت من تعقيدات المشهد، وفق النتائج التي خلصت اليها. حيث توزعت الخارطة الحزبية وفق التالي: حزب الليكود 31 مقعدا، والمعسكر الذي يترأسه نتنياهو نال 55 مقعدا (الليكود، الاحزاب الحريدية، وتكتل "يمينا").

في المقابل نال حزب ازرق ابيض 33 مقعدا، يضاف اليهم كتلتي تحالف العمل – غشر، 6 مقاعد، وتحالف ميرتس مع ايهود باراك 5 مقاعد، ويصبح المجموع 44 مقعدا.

يُضاف إلى التحالفين المتعارضين، كتلتين لكل منهما خصوصيتها. الاولى القائمة العربية المشتركة، 13 مقعدا، وكتلة "إسرائيل بيتنا" 8 مقاعد.

تملك الكتل المعارضة لنتنياهو مجتمعة، 65 مقعداً، وفي ضوء ذلك يفترض نظرياً أنهم يستطيعون تشكيل الحكومة التي تحتاج إلى أغلبية 61 عضو كنيست.

في ضوء هذه الخارطة، انتقل نتنياهو إلى خطة بديلة يهدف من خلالها إلى وضع العراقيل أمام خصمه للحؤول دون تشكيل الحكومة. وشكل بلوكا مؤلفاً من تحالفه التقليدي (55 مقعدا) اتفقوا فيه على التفاوض ككتلة واحدة. ويهدف نتنياهو من وراء ذلك إلى ضمان عدم تسرب أي منهم إلى غانتس، الامر الذي يطيح بفرصه في تشكيل الحكومة.

في المقابل، صحيح أن لدى غانتس نظريا أغلبية 65 مقعدا، لكن بينهم 13 مقعدا عربياً. ومن الصعب جداً في الواقع الإسرائيلي تشكيل حكومة تستند إلى الفلسطينيين لتوفير أغلبية في الكنيست، كونه يفقدها المشروعية اليهودية. ولم يسبق أن قام بذلك سوى اسحاق رابين في تسعينات القرن الماضي. ولكنه قُتل بعد ذلك على يد متطرف صهيوني لاتهامه بخيانة المبادئ اليهودية بالتخلي عن ارض "إسرائيل الكبرى". ومنذ ذلك الحين لم يجرؤ أي قيادي في "إسرائيل" على المبادرة إلى خطوة مشابهة.

مع ذلك، تجدر الملاحظة إلى أن تسمية القائمة العربية غانتس لدى رئيس الكيان لتكليفه بتشكيل الحكومة لا يعني أنهم سيشاركون في الحكومة. وانما الهدف منها تعزيز حظوظه في التكليف منعا لاعادة تكليف نتنياهو. اضف إلى أن انضمام ليبرمان إلى غانتس بدون الاحزاب العربية لا يُمكِّنه من تشكيل الحكومة، كونهم يملكون في هذه الحالة 52 عضو كنيست. في حين أن انضمامه إلى تحالف نتنياهو فإنه يرجح كفته لتشكيل الحكومة.

يمكن اجمال وصف المرحلة الحالية، على أنها كباش بين رهانات وخيارات. من جهة يراهن نتنياهو من خلال البلوك الذي أنشأه، على حشر غانتس ووضعه أمام السيناريوهات التالية: اما تشكيل حكومة تستند إلى أغلبية عربية، وهو أمر مستبعد. أو القبول بتشكيل نتنياهو الحكومة، أو أن تمضي الفترة المقررة قانونياً من تشكيل الحكومة على أمل عودتها إلى نتنياهو. أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة.

في المقابل، يراهنون في المعسكر المضاد، على أنه بعد تكليف غانتس بتشكيل الحكومة وانطلاق المسار القضائي لمحاكمة نتنياهو، ( 2 تشرين الاول/ اكتوبر، موعد ادلاء نتنياهو بافادته المتعلقة بالتهم الموجهة اليه على أن يليها في مرحلة لاحقة قرار المستشار القضائي بخصوص تقديم لوائح اتهام بحقه). يراهنون على أن يكون لهذا المسار مفاعيله داخل حزب الليكود أو الاحزاب المتحالفة معه للقبول بالمشاركة في حكومة غانتس.

تبقى كلمة أخيرة ينبغي تسجيلها في هذا المشهد أنه من أبرز مؤشرات تردي الكيان الإسرائيلي، توريطه بانتخابات مبكرة مرتين متتاليتين، وامكانية تكرارها للمرة الثالثة كأحد السيناريوهات المحتملة، والسبب أن المصلحة الشخصية والسياسية لأحد الزعماء (نتنياهو) اقتضت ذلك، والأبلغ دلالة أن هذه الانتخابات تهدف في جوهرها إلى حماية هذا الزعيم من المحاكمة بتهم فساد موجهة اليه.