التراجع الأميركي في ملف تايوان
– لم يكن خافياً أن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بكين تمّت من خلال مسعى حثيث من إدارة الرئيس جو بايدن ومتابعة شخصية من الوزير بلينكن، وسط تحفظ صيني يهدف لعدم السماح بالإيحاء بعلاقات طبيعية مع واشنطن في ظل المواقف الأميركية التصعيدية سياسياً وعملياً، سواء عبر التصريحات المتلاحقة بدعم تايوان في أي مواجهة مع الصين، والزيارات المتلاحقة لمسؤولين أميركيين إلى تايوان تصدر خلالها مواقف عالية السقوف لاستفزاز الصين، أو عبر الحديث عن نيات تسليح تايوان، وإقامة أحلاف إقليمية مناوئة للصين وصولاً للتحركات العسكرية الأميركية في المنطقة، ولذلك تريّث الصينيون في الموافقة على ترتيب موعد للزيارة حتى تم التفاوض بين بكين وواشنطن على جدول أعمال الزيارة واستكشاف إمكانية التوصل إلى مواقف وتفاهمات تبرّر القيام بالزيارة.
– الواضح من المواقف التي أعلنها بلينكن في ختام الزيارة هو التبدّل في اللهجة الأميركية تجاه الصين، وخصوصاً في ملف تايوان، حيث يقول بلينكن إن ادارة بايدن ملتزمة بمفهوم الصين الواحدة، وإنها لا تؤيد استقلال تايوان، وإنها تساند المساعي السلمية لتحقيق مفهوم الصين الواحدة، كما تحدث عن عدم رغبة إدارته بتصعيد الأجواء مع الصين وسعيها لتبريد الأجواء ونقل أي خلافات الى المسار الدبلوماسي، وصولاً إلى التأكيد على عدم وجود نيات حظر سلاسل التوريد الصينية إلى الأسواق الأميركية، واعتبار خروج الشركات الأميركية من الصين بالكارثة غير المرغوبة.
– كلام بلينكن بعد شهور من التوتر يقول إن واشنطن غير واثقة من امتلاك الموارد اللازمة، ومن عدم توافر الظروف المناسبة، للمضي قدماً في سياسة التصعيد التي بدأتها منذ مطلع العام بقوة، وإنها وصلت الى النقطة التي عليها أن تقرر فيها، التراجع خطوتين الى الوراء او التقدم خطوة إلى الأمام، فقرّرت بسبب عدم الجهوزية اللازمة للمضي قدماً في التصعيد، أن تتراجع وتدفع بخيار التهدئة وطمأنة الصين، دون أن ننسى علاقة المشهد في جبهة المواجهة مع الصين بالنتائج الكارثية المتسارعة للمواجهة التي تخوضها واشنطن في أوكرانيا مع روسيا، وإدراكها أن الفشل الأوكراني سوف ينعكس حكماً على فرص التصعيد على جبهة الصين.
– في العقل الأميركي التحرّك نحو التهدئة هو خيار تكتيكي في قلب التمسك بالوجهة الاستراتيجيّة للمواجهة، لكن المعطيات التي أملت هذا التراجع سوف تتعزّز وتزداد قوة، وتجعل القرار بالتهدئة يتمدّد مرة تلو مرة، لأن العودة للتصعيد تحتاج ظروفاً وقدرات تزداد تعقيداً وصعوبة.
البناء