سورية 2022… الرؤية السياسية والبُعدان الإقليمي والدولي
د. حسن مرهج
في الأشهر الأخيرة من عام 2021، شهدت سورية حراكاً دبلوماسياً وسياسياً، تمثل في الزيارات العربية إلى دمشق، والتي اختتمت بزيارة وزير الخارجية الإماراتي، ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد، ومن ضمن العناوين البارزة والتي يمكن وضعها، في إطار عودة سورية إلى دورها الإقليمي الفاعل والمؤثر، ما قاله الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عندما سأله صحافيون عن القمة العربية المرتقبة في الجزائر في آذار المقبل، واحتمال مشاركة سورية فيها، قال بلا تردّد: من المفترض أن تشارك، لأنّ القمة فرصة جامعة والجزائر ليست دولة تفرقة.
حقيقة الأمر، وبصرف النظر عن العبارات الدبلوماسية والسياسية، التي تؤطر تصريحات تبون، لكن في عمق هذه التصريحات، هناك حاجة عربية ماسة، لعودة سورية إلى تبوؤ مركزها القيادي في المسار الاقليمي، فالتصريحات التي أدلى بها تبون، وما سبقها من زيارات دبلوماسية وسياسية إلى دمشق، تعكس الرغبات العربية بالعودة إلى الدولة السورية، وهذا يؤكد أيضاً، بأنّ هناك توجهات ظاهرها إقليمي وباطنها دولي، تهدف إلى إنهاء عزلة دمشق، ولعلّ دول مثل سلطنة عُمان والإمارات والأردن ومصر والبحرين، قطعت أشواطاً في إعادة العلاقات مع الدولة السورية، وهناك دول أُخرى تعمل في صمت في الاتجاه ذاته وتترقب التطورات، الأمر الذي يؤكد بأنّ استكمال مسعى إعادة العلاقات مع دمشق، بات في طوره الأخير، وسيصبح أكثر بروزاً خلال الشهرين المقبلين، خاصة عندما تلتحق السعودية بركب العائدين إلى دمشق، وهذه مسألة وقت لا أكثر.
ضمن ما سبق، لا يمكن لأحد من متابعي الشأن السوري، إلا أن يدرك، بأنّ عام 2022، سيكون عاماً لعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، حتى وإنْ بطريقة محتشمة تبدأ صغيرة وهامشية لتأخذ مسارها الطبيعي في وقت لاحق، خاصة هناك جهود تُبذل في هذا الاتجاه، وتنسيق بين الدول التي أنهت مقاطعتها للدولة السورية، وأعادت فتح سفاراتها في دمشق، ولا نقول سراً إنْ قلنا، بأنّ مصر والأردن وكذا الإمارات، يقودون الجهود الدبلوماسية والسياسية، لإعادة تفعيل دور دمشق إقليمياً، وتأثيراته الدولية، وأعمق من هذا، يمكن القول أيضاً، بأنّ انتصار الدولة السورية في المستويات كافة، إنما أسّس لمعادلة قوة سياسية واقتصادية، شكلت قوة دافعة لغالبية الدول الإقليمية والدولية، لجهة العودة إلى أبواب دمشق، والأهمّ من ذلك، بأنه لم تكن هذه الدول لتمضي في مسعاها لولا موافقة أمريكية، أو عدم ممانعة على الأقلّ.
إذاً، في عام 2022، وضمن الرؤية السياسية والبُعدين الإقليمي والدولي، ستكون دمشق محوراً للعديد من المعادلات السياسية والاقتصادية، فالطريقة التي اختارتها غالبية القوى الإقليمية، للعودة إلى دمشق وتحت عناوين متعددة، إنما جاءت تحت معادلات الانتصار والقوة، والتي هندستها دمشق، وهذا الأمر يُعطي في أحد جوانبه، قوة مضاعفة للدولة السورية، فمن المعروف بأن المنتصر، لديه أوراق قوة سيقوم باستثمارها وتوظيفها في سياق مصلحة دمشق والشعب السوري، مع الحفاظ على علاقات دمشق القوية والدافئة، مع حلفائها طهران وموسكو، فالأخيرتان هما شركاء دمشق في تحقيق معادلات الانتصار.
في جانب آخر، فإنّ وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، تُردّد بين الفينة والأخرى، أنّ الرئيس السوري بشار الأسد، قد انتصر، ومن الضروري في هذا الإطار، عودة الجميع إليه، وتفعيل المعادلات السياسية والاقتصادية تجاه دمشق، لكن ما يعيق تفعيل هذه المعادلات، هو استمرار العقوبات الأميركية التي تحظر التعامل مع الدولة السورية اقتصادياً، لهذا من المرجّح أن تُفعل المعادلات السياسية إقليمياً ودولياً مع دمشق، لتُقتح بوابة الاقتصاد السوري، ورفع العقوبات الأميركية عنه، وهو أمر يُرضي الأسد والعرب الساعين إلى التقارب معه، إلى حين انتظار مزيد من الليونة الأميركية، وهذه مسألة وشيكة عبَّر عنها جيمس جيفري مبعوث إدارة ترامب إلى سورية بالقول إنّ إدارة بايدن أقلّ حماساً لمعاقبة الأسد بموجب قانون قيصر، وقوله أيضاً إنّ الأردنيين واثقون من أنّ واشنطن لن تعاقبهم على تقاربهم مع الدولة السورية.
في هذا المناخ، باتت الظروف مواتية، لإعادة دور دمشق الفاعل، ووسط هذا المزاج لن يكون من المستغرب رؤية سورية تشارك في القمة العربية المقبلة التي ستُعقد في الجزائر، ومن المُحتمل، بأنّ القمة العربية القادمة والتي ستلي قمة الجزائر، ربما ستكون في دمشق. ترقبوا.