توافقات أم مُناورات وحصارات؟
ثريا عاصي
تتصاعد وتيرة السباق في الميدان السياسي اللبناني رغم أنّ المتسابقين يركضون في جميع الاتجاهات، فمن المرجّح أنّ خط الوصول ما يزال طيّ الكتمان. لا ندري في الواقع ما إذا كان منظّمو السباق قد وضعوا خطاً واحداً أو عدّة خطوط. ما يُنذر بحدوث احتجاجات ومصادمات في المدى القريب.
اتفق الشيخ سعد الحريري، باسم تيار المستقبل، مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية على خوض معركة الرئاسة ضمن فريق مشترك. بالمقابل قرّر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع دخول المنافسة إلى جانب العماد ميشال عون. المعروف أنّ السيدين الحريري وجعجع ليسا من حلفاء المقاومة اللبنانية!
ما هي الأسباب التي جعلت سمير جعجع يُبدّل موقفه ويسحب ترشيحه لصالح العماد ميشال عون؟ القوات اللبنانية ضدّ المستقبل؟ ما هي المسألة العويصة التي جعلت تيار المستقبل يُفضّل جعجع على عون، ثم يُفضّل فرنجية على عون، قبل أن يختار في النهاية مجاراة السيد جعجع في تأييد الجنرال؟ لقد ظهر أنّ مفاتيح قصر بعبدا كانت في جيب جعجع، لماذا انتظرالأخير كل هذه المدة؟ ولماذا أعلن الآن عن استعداده الإفراج عنها؟
أسئلة لا مفرّ منها، إذا أردنا أن نفحص في حقيقة انقلابات السياسيين في لبنان!
ولكن ما يهمّ في الراهن هو معرفة الأسباب التي دفعت تيار المستقبل إلى الاتفاق مع النائب سليمان فرنجية لخوض معركة الرئاسة معه، الاتفاق الذي رفضه جعجع رفضاً قاطعاً.
من المحتمل أنّ فيتو السيد جعجع مردّه إلى "عروبة” السيد سليمان فرنجية، التي تجد ترجمتها في وقوفه إلى جانب المقاومة اللبنانية في تصدّيها للمستعمرين الإسرائيليين من ناحية، ومن ناحية ثانية في مناصرة سوريا في الحرب التي تتعرّض لها منذ العام 2005.
مجمل القول، إنّ ظاهر الأمور تدلّ على أنّ كل من السيّدين سليمان فرنجية وميشال عون تقدّما على التوالي لنيل منصب رئاسة الجمهورية ومعهما اتفاقية تربطهما، هذا بتيار المستقبل وذاك بالقوات اللبنانية. علماً أنّه على حدّ علمنا، لا يزال تكتّل 14 آذار قائماً، بمعنى أنّ ما يُرضي القوات يرضى به تيار المستقبل، والعكس صحيح أيضاً.
من البديهي أنّ هذا كلّه لا يعني أنّ انبعاث الدخان الأبيض من المجلس النيابي اللبناني الممدّد صار وشيكاً، وأن رئيس الجمهورية سيحلّ من جديد في قصر بعبدا رغم أنّ جهوداً حثيثة ستُبذل على الأرجح في الأيام القادمة، بقصد تفعيل تأثير صدمة المؤتمر الذي جمع في القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، على الحلفاء والخصوم معاً، وصولاً إلى انتخاب رئيس للجمهورية كأمرٍ واقع! وإلاّ حدث ما لا تحمد عقباه! فمن مدخنة المجلس النيابي في لبنان تخرج العجائب والغرائب!
التسليم باحتمال وقوع ما وقع بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وزارة جديدة وانتخاب مجلس نيابي جديد، لا يعفينا من التساؤل الآن عن محصّلة التطوّرات التي طرأت على بيدر حزب الله السياسي. وبكلام أكثر وضوحاً وصراحة هل أضاع هذا الأخير حليفه سليمان فرنجية؟ هل أضاع أيضاً حليفه ميشال عون؟ بتعبيرٍ آخر، لماذا انجذب سليمان فرنجية إلى تيار المستقبل وإلى آل سعود؟ ولماذا تكتّل من جديد ميشال عون وسمير جعجع؟ هل تُبنى التحالفات الحزبية في لبنان على أساس مشترك سياسي وطني، أم على الانتهازية؟! فالأحزاب والتيارات في لبنان تكاد أن تكون متشابهة، لا فضل للبناني على لبناني إلا بحسن الطالع!
أخيراً لا منأى عن القول إنّ التصريح الذي أدلى به الدكتور سليم الحص استوقفني، فلقد احتوى من وجهة نظري ضمنياً نصيحة ثمينة لمن يعنيهم الأمر ويقبلون النصح، بضرورة الاستفادة من عِبَر الماضي . فأخشى ما يخشى أنّ ما يجري في موضوع تعيين رئيس للجمهورية في لبنان، إنّما يتمّ في إطار خطة متصلة بالحروب الدائرة في سوريا والعراق واليمن! إنّ علّة وجود المقاومة في لبنان وفي سوريا متناقضة دائماً، وفي مختلف الظروف، مع مشروع آل سعود في لبنان من جهة، ومع المشروع الاستعماري الإسرائيلي في البلاد السورية والعراقية من جهة ثانية!