kayhan.ir

رمز الخبر: 9356
تأريخ النشر : 2014October29 - 20:00

عن التخبط التركي وأزمة الرؤية

حسام مطر

لم يخطر ببال وكلاء واشنطن في المنطقة – ولا في أسوأ كوابيسهم - أن يحسم "السيد" الأميركي نقطتين أساسيتين لطالما شكلا لب السجال حول دورهم فيما يجري في سوريا. جو بايدن – نائب الرئيس الأميركي - قالها بوضوح, حلفاؤنا السعوديون والأتراك مسؤولون عن ظهور التطرف في سوريا، وهم المسؤولون عن إشعال "حرب سنية - شيعية بالوكالة". صحيح أن الرجل اعتذر تحت وطأة الحرج الدبلوماسي، ولكن اعتذاره مخصوص بإعلان الفكرة وليس الفكرة ذاتها. الحملة الصحفية من الإعلام الخليجي – التركي على بايدن كانت كوميدية هزلية، أحدهم قال ما معناه: "عيب عليكم أن تصدقوا هذا الإمبريالي"، تخيل أن وكيلاً أو عميلاً لواشنطن يرمي بهذه الحجة.

بالتأكيد يدرك الأميركي جيداً وبالتفاصيل الدور التركي بالتحديد فيما يدور في العراق وسوريا، فقد ظهر أن الاستخبارات الأميركية حذرت الرئيس أوباما منذ مطلع العام الحالي من نية داعش التمدد في هذين البلدين. ومن الموثق حجم التعاون والتبادل الاستخباري بين الأتراك والأميركيين سواء من داخل الناتو أو بالعلاقات المباشرة.

تدل التحولات والإخفاقات التي تتعرض لها السياسة الخارجية التركية في عهد حزب العدالة والتنمية الى قلة خبرة ونضج فيما يخص الشرق الأوسط. إنطلقت هذه السياسة من مثاليات طوباوية (أطروحة أوغلو حول "صفر مشاكل" باتجاه طموحات مبالغ بها تتجاوز حقائق المنطقة (إخضاع المنطقة لنفوذ الإخوان المسلمين تحت ظل الأردوغانية) ثم وتحت وطأة الفشل انتقلت الى مرحلة "نشر الخراب" (رعاية داعش). ما لا تستطع الحصول عليه، أحرقه. هذه هي حكمة أردوغان.

أراد أردوغان نسخ التجربة الأميركية في أفغانستان بعد الغزو السوفياتي. تبنى الأتراك فرضية أن قوة النظام في سوريا لا يمكن كسرها إلا بقوة متطرفة عقائدياً، مربكة إستراتيجياً، وفعالة عملانياً، فكانت القاعدة ومقاتلوها الأجانب – لاحقاً داعش – هم الخيار الأمثل. وقد أثبت هولاء فعالية ميدانية من خلال نجاحهم في السيطرة على أغلب النقاط الإستراتيجية (مطارات – ثكنات) في الشمال السوري. إلا أن هذا هو الشق الأول من السيناريو التركي.

إعتقد الأتراك أن نجاح هذه الجماعات المتطرفة في إسقاط النظام وتمددها سيضعها مباشرةً في صدام مع الجميع، مع المعارضات الأخرى ومع الغرب الذي يستحيل أن يتعايش مع هذا المستوى من الحضور "الجهادي المتطرف" في الجغرافيا السورية. كيف يمكن حينها مواجهة هذه الحالة؟ من هي القوة الأكثر حضوراً على المستوى العسكري للعمل في سوريا؟ من هي القوة الأكثر تأثيراً على "المعارضة الإسلامية البديلة"؟ تركيا هي الحل، حينها، سيعرض الأتراك خدماتهم على النظام الدولي لقيادة عملية القضاء على التطرف في سوريا وإعادة تشكل النظام والدولة السورية وفق المصالح التركية، وهذا ما سيشكل "رأس جسر" نحو كل المشرق العربي.

مثلاً, يمكن الآن ملاحظة مستوى الجهوزية والحافزية التركية لعرض وتسويق هذه الفكرة في الشمال السوري، أي حيث نجح المتطرفون بالتمدد، وذلك تحت عنوان "المنطقة الآمنة". بناء على ما تقدم يمكن فهم جزء من التردد والقلق التركي بخصوص " التحالف الدولي" الذي أعلنته واشنطن، لأن الأتراك كانوا يخططون لتحالف يعمل وفق أجندتهم وتحت قيادتهم وبمباركة من الأميركيين وبغطاء من مجلس الأمن إن أمكن. يهوى أردوغان دور "البطل المخلص". يدرك الأتراك أن السيناريو الأميركي في الشأن السوري لا يختلف عما جرى في العراق، تسوية تقاسم سلطة تؤدي لتعاون في مكافحة الأرهاب وتذهب حصة التسوية للسعوديين مجدداً، فيما تجمع تركيا الفتات.

المسار الحالي للسياسة

الخارجية التركية يضعها في مواجهة مع الجميع

إن المسار الحالي للسياسة الخارجية التركية يضعها في مواجهة مع الجميع تقريباً، لأنها تعمل وفق منطق "الأرباح النسبية" أو "اللعبة الصفرية"، أي أنها تريد الربح الشامل، وهذا ما يقلص من حدود تعاونها مع سائر القوى الإقليمية. بمعنى ما، تركيا هي قوة جديدة في المنطقة العربية، في حين أن كل من السعودية وإيران أسسا شبكة مصالح وعلاقات نفوذ واسعة، ما يضع تركيا في تنافس مع هاتين القوتين. والأهم أن كل تمدد تركي هو على حساب السعودية أولاً نظراً لصبغتهما السنية, هذا ما شهدناه في مصر مثلاً.

وعليه كل تطور في التسوية السعودية – الإيرانية، سيزيد من الجنون التركي. السعودية خصم قابل للإشباع لأنه محكوم بالقلق, فيما الأتراك خصم شره كونه محفز بالطموح والعنجهية. وهذا أيضاً عامل تفسير إضافي لتقدم المسار السعودي – الإيراني في مقابل شبه جمود إيراني – تركي. لا شك أن تركيا لاعب إقليمي من الصف الأول، إلا أنها تعاني من أزمة رؤية، طموحاتها أكبر من حقائق المنطقة، التواضع هو الدرس الأهم في الشرق الأوسط، وهنا مهلكة الأتراك. تركيا مارد إلا أن قدميه من خزف، كما تمثال نبوخذ نصر في عالم الرؤيا.