kayhan.ir

رمز الخبر: 114953
تأريخ النشر : 2020July01 - 20:33

نصر الله والتهديد بالقوة في مواجهة سلاح التجويع

د. جمال زهران

يُعتبر الخطاب السياسي الشامل للسيد حسن نصر الله – الأمين العام لحزب الله – يوم الثلاثاء الموافق 16 يونيو/ حزيران 2020، ولمدة اقتربت من الساعتين، من أقوى وأوضح خطاباته على المستويات كافة، حسبما أتابع. ويكشف هذا الخطاب عن تلك الرؤية الشاملة على المستوى الداخلي اللبناني والمستويين الإقليمي والدولي، وهو خطاب مسؤول، ويحمل من الرسائل لجميع الأطراف في الداخل والخارج. فهو خطاب كاشف للتأكيد على الرؤية الشاملة لحزب الله إزاء أهمّ القضايا الإقليميّة، وهي القضية المركزية المتمثلة في القضية الفلسطينية و«إسرائيل»، في إطار المستقرّ عليه بالصراع العربي الصهيوني.

وقد حدّد في مقدمة خطابه رؤيته لحال القضية الفلسطينية، بالقول إنّ: «اليوم. الشعب الفلسطيني الذي يواجه مرحلة خطيرة من مراحل التواطؤ الدولي والإقليمي والعربي والصهيوني على حقوقه وعلى أرضه وعلى كيانه في الخطوة الأخيرة المتوقعة في مسألة الضمّ». أيّ أنّ الشعب الفلسطيني وقضيته في خطر بالغ.

ثم أشار إلى محاولات بعض القوى في لبنان والمرتبطة بالخارج خصوصاً أميركا و«إسرائيل»، للخلط بين سلاح المقاومة، وبين القضايا الشعبية والمطلبية المحقة، قائلاً: إنّ هذا أمر مرفوض ومُدان ولا يُسمح باستخدامه.

فالمقاومة قدّمت أمام الشعب اللبناني، وأمام الشعب الفلسطيني، وأمام شعوب المنطقة، خطاً وفكراً واضحاً وطرحاً استراتيجياً في الصراع مع العدو الإسرائيلي، يؤدي إلى تحرير الأرض، وإلى الدفاع عن البلد، وعن مياهه، وعن أرضه، وعن خيراته، وعن كرامته، وعن سيادته. وأنه خلال عشرات السنين هذا المنطق كانت له أدلته الميدانية والحقيقية والناس تلمس نتائج هذا المنطق. ويعتبر هذا الموضوع بالنسبة لجمهور المقاومة وبيئة المقاومة، هذا أصبح عقيدة وثقافة ورؤية استراتيجية وتجربة وقناعة وإيماناً ونتائج ملموسة وآثاراً في التحرير، وفي الردع، وفي الأمن، وفي الكرامة، وفي العزة، وفي السيادة.

وقال إنّ أميركا لا يعنيها إلا شيء واحد وهو مصالح «إسرائيل»، وأمن «إسرائيل»، والحدود البرية والبحرية مع «إسرائيل»، والنفط والغاز في مياه لبنان.

وكما هو واضح، فإنّ الذين يحاولون تحريك الأحداث في لبنان، بالربط بين المتطلبات الداخلية وضرورة نزع سلاح المقاومة، يريدون أن يسلموا لبنان وشعبه على طبق من فضة إلى «إسرائيل» وأميركا. ولعلّ ما تبذله أميركا من جهود في العبث في الداخل اللبناني، وتحريك العملاء، لا يُقصد من ورائه مصلحة لبنان والشعب اللبناني، بل يُقصد مصلحة «إسرائيل». إنّ أميركا تريد إذلال شعب لبنان، وانتهاك سيادته، وطرق قوانينه، من أجل إخضاع هذا الشعب الأبيّ الذي يقدّم الكرامة على كلّ شيء وفي مقدمة ذلك غذاءه اليومي.

فهم يريدون إسقاط المقاومة، وتفكيكها، وهي التي أذلت إسرائيل وأجبرتها على الخروج خانعة ذليلة من لبنان بالتحرير الكامل عام 2000، لكلّ لبنان (بيروت والجنوب)، تتويجاً لما سبق ذلك من مجابهات سابقة من عام 1983، وحتى 2000، ومن بعدها المجابهة الكبرى في يوليو 2006، والتي استمرت (33) يوماً، ضعف الفترة الزمنية التي استمرّت فيها حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 (6/أكتوبر – 22/أكتوبر 1973).

وقد وصل في خطابه الشامل إلى الربط بين ممارسة الضغوط الأميركية الصهيونية على الشعب اللبناني، لتجويعه، أو تسليم سلاح المقاومة، فقال قولاً حاسماً: «إذا كنتم تراهنون أن نجوع أو ندع البلد يجوع، أقول لكم: لن نجوع، ولن نسمح للبلد أن يجوع، وإذا كنتم تراهنون أنه بالتجويع سنأتي إليكم خاضعين أذلاء، ونسلم لكم بلدنا ورقاب بلدنا وأمن بلدنا، ونصبح تحت رحمة الإسرائيليين وأنتم أيها الأميركيون، فهذا ليس وارداً، حتى في موضوع السلاح».

«فالسلاح لن يكون مقابل الخبز والطعام، فالذي يحمي بلدنا ويحمي سيادتنا ويحمي مياهنا ونفطنا وغازنا وشعبنا وكرامتنا وأمننا وأعراضنا ونساءنا وأطفالنا، هو سلاحنا. والذي يضعنا ما بين خيارين «يا نقتلك بالسلاح. يا نقتلك بالجوع..»، أقول له: سيبقى سلاحنا في أيدينا، ولن نجوع، ولكن نحن سنقتلك. نحن سنقتلك. نحن سنقتلك».

هذه هي رؤية السيد حسن نصر الله، إزاء محاولات أميركا الفاشلة في ممارسة الضغوط على الشعب اللبناني، لغرض الاستسلام عليه بالتجويع، لن يحدث ذلك. وفي حال استمرار الضغوط، فإنّ المواجهة بالقتل لهؤلاء هي الخيار النهائي والأخير للمقاومة. فهو يطرح المقاومة والقوة في مواجهة خيار التجويع الذي تمارسه أميركا والصهاينة ومن ورائهما، من قوى إقليمية ودولية.

ولذلك كان السيد حسن، حاسماً في رؤيته برفض قانون «قيصر»، رداً على الانتصار السوري الاستراتيجي، الأمر الذي يفرض تنسيقاً لبنانياً سورياً عراقياً، وأنّ الحلّ في التوجه إلى الشرق (يقصد الصين وروسيا)، من دون تجاهل الغرب، وبتعبيره أنّ العالم واسع وأوسع مما يتصوّره أحد، فالعالم ليس أميركا وأوروبا فقط.

وختاماً. تحية للسيد نصر الله لرؤيته الشاملة، التي أثلجت قلوبنا وطمأنتنا على الحاضر والمستقبل.