تقسيم اليمن بعد فشل العدوان
دخل مأزق حلف العدوان الأميركي السعودي حلقة جديدة من التآكل السياسي والعجز العسكري عن تحقيق أي تقدم على جميع الجبهات ويبدو واضحا ان تفكك الأدوات المحلية وانقسامها على فالقي النفوذ بين المملكة السعودية ودولة الإمارات ليس إلا من ارتدادات الفشل والعجز منذ هزائم الحديدة وغيرها من الخيبات اللاحقة بقوات العدوان في جبهات القتال.
كان التطور الأهم في مسار الحرب هو انتقال القوى الشعبية والنظامية اليمنية المقاومة إلى أساليب عمل رادعة ومتطورة وتحولها إلى الهجوم التكتيكي وراء الحدود بشكل صادم وبإمكانات متقدمة أثبتت فاعليتها رغم كلفتها التي لا تقارن بمليارات تمويل الحرب التي تكبدتها الرياض وأبو ظبي تحت ضغط متلازمة إدمان حلب الأموال اللصيقة بإدارة ترامب.
في هذا المناخ يمكن التعامل مع اندفاع حركة الانفصال الجنوبي وانقلابها على حكومة منصور هادي المهملة والشاكية الباكية والأكيد ان هذا النزاع يستمد جذوره وخلفياته من انقسامات كامنة وقديمة في الجنوب سبق لها ان تبدت في أشكال مختلفة خلال تاريخه المعاصر لكن الحقائق السياسية العميقة تشير إلى اعتبارات ينبغي وضعها في الحساب :
اولا من طبيعة الأمور ان يتآكل حلف العدوان ويراوح في مازق كاشف لتبايناته وتعارضاته التكوينية بنتيجة حصاد الفشل والهزائم وقد بدأ ذلك خارجيا وداخليا فسعت حكومات عديدة للتنصل من تبعات الجرائم الوحشية ضد شعب اليمن التي تحولت إلى قضية رأي عام على الصعيد العالمي وبلغت أصداء تفاعلاتها أروقة الكونغرس الأميركي ومؤسسات الاتحاد الأوروبي بينما طفت على السطح صراعات نفوذ وشروخ قبلية وجهوية في تركيبة القوى المحلية التابعة لحلف العدوان بجميع تلاوينها الأخوانية والقبلية والجهوية وهذا ما يقود إليه عادة ارتداد العجز عن تحقيق الأهداف المفترضة في أي حرب فكيف في حرب كبرى سخرت لها إمكانات طائلة وتحالفات دولية وإقليمية واسعة وراوحت في المأزق طيلة سنوات وباتت عبئا معنويا وسياسيا على جميع المتورطين.
ثانيا أثبت مسار الحرب عجزا كليا لقوى العدوان في محاولة السيطرة على اليمن الموحد وقد وضعت قوى المقاومة اليمنية حدا لجميع المحاولات واستطاعت ضمان تماسك الشمال اليمني حول القيادة الوطنية وخيارها الاستقلالي التحرري والمنطقي ان يكون السيناريو الأميركي البديل في مناخ العجز عن مواصلة الحرب بوهم السيطرة على كامل اليمن هو الانكفاء إلى الخطة ب وهي التقسيم حيث يدور نزاع صريح وسط سباق محموم لربط الجماعات الانفصالية الجنوبية التي تحظى بمساندة شعبية لايمكن تجاهلها رغم عدم وجود ما يمكن به اختبار حجم ومدى مساندة الجنوبيين للتقسيم كالاستفتاء او الانتخابات وهذه بالأصل معضلة جدية طرحت نفسها مبكرا على جدول الأعمال اليمني منذ الخطأ الذي ارتكبته القيادة الحوثية في بداية الأحداث واضطرت للتراجع العسكري من الجنوب لتحاشي استنزاف خطير ولمنع تعميق الشروخ بين أبناء الشعب.
ثالثا إن الوحدة اليمنية هي ما يضمن ازدهار البلاد واستقلالها وسيكون بناء النسيج الشعبي والسياسي لمشروع الوحدة هو التحدي الأبرز امام الوطنيين والاستقلاليين اليمنيين في وجه مشاريع التفتيت والتمزيق الاستعماري الهادفة لمنع انبثاق القوة اليمنية الجديدة المؤهلة بقدراتها وإمكاناتها للتحول إلى قطب صانع للتوازنات والمعادلات الخليجية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
يضج جنوب اليمن بتدخلات وتناقضات عديدة ويعيش مخاضا يدفع فيه حلف العدوان نحو التقسيم بكل وضوح بعدما أرغمته المقاومة اليمنية على الانكفاء خلف خطوط القتال معها على جميع الجبهات وقد لا تقف مشاريع التفتيت الأميركية البريطانية السعودية عند حدود الشطرين اللذين عرفناهما في النصف الثاني للقرن العشرين وربما تتخطى ذلك إلى تشكل خريطة لتقسيم أدهى فما يهم الدوائر الاستعمارية هو تحاشي ولادة يمن موحد مستقل ومحرر ومقاوم وإغراق الطاقة اليمنية الفتية في دوامة التناحر.
رابعا إن إسقاط مخطط الاستعمار لتقسيم اليمن يتطلب عملا سياسيا وشعبيا طويل النفس وبلورة لمشروع وطني يمني تنطلق به القوى المقاومة من صنعاء بأوسع تحالف شعبي وسياسي نحو جميع انحاء البلاد بعد ترسيخ شرعيتها الهيكلية والمؤسساتية آخذة بالاعتبار جميع الحساسيات المحلية والقبلية لاحتوائها في إطار الولاء الوطني والمشروع التحرري وعلى قاعدة احترام إرادة الجمهور اليمني وتطلعاته وهذا يتطلب صبرا ووقتا ضروريين لتنضيج الخيارات ولجلاءالتناقضات والمواقع.
لاشك انه سيكون من نتائج هزيمة حلف العدوان انكفاؤه لتركيز جهوده على تحويل الجنوب إلى قاعدة تابعة وهذا ما سارت عليه جميع الغزوات الاستعمارية التي اصطدمت تاريخيا بجدار المقاومة اليمنية ولكن على القيادة التحررية المقاومة ان تتلمس السبل السياسية والشعبية لاستقطاب أبناء الجنوب في مسيرة البناء الوطني الاستقلالي عن طريق شراكة منصفة تحت راية مشروع تحرري يمني وفي صيغ سياسية وتنظيمية وعملية تبدد هواجس الهيمنة والتهميش التي اعتورت تجارب الوحدة السابقة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
الشرق الجديد