الخطة الأميركية ضد «حزب الله»
نبيه البرجي
من هو الدماغ الذي يتولى ادارة تلك الشبكة الجهنمية. وزارة الخزانة الأميركية...
حتماً، ليس الوزير ستيفن منوتشن منفرداً، بسلطاته التنفيذية المترامية. كونسورتيوم من الأدمغة التي تمسك بأعصاب الكرة الأرضية. هل هي المصادفة أن يكون عدد المسؤولين، والخبراء، اليهود في تلك الوزارة، أكثر من عددهم في أي وزارة أخرى، بما في ذلك... وزارة الخارجية؟
المعطيات المتداولة في وسائل الاعلام الأوروبية تشير الى التعاون البعيد المدى بين الوزارة اياها والأجهزة الاسرائيلية التي تتعقب، وعلى مدى أكثر من نصف قرن، مسار الأحداث، وما وراء الأحداث، في المنطقة العربية. لطالما قيل أن الموساد قام بتوظيف اسراره الفضائحية في ادارة السياسات، وحتى الاستراتيجيات، في بعض دولنا.
وزارة الخزانة التي تعدت صلاحياتها الصلاحيات المناطة بالقضاء والقدر. أخطبوطياً تمتد مخالبها الى سائر بلدان العالم (الى كل أدغال العالم). في الشرق الأوسط، ملاحقة كل من ينظر الى اسرائيل بـ «عين صفراء»، حتى ولو لم تعجبه استدارة وجه بنيامين نتنياهو.
هكذا قالت وزارة الخزانة. فرض العقوبات على النائبين محمد رعد وأمين شري، اضافة الى رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا. لا أحد يدري لماذا اختيار هذين النائبين بالذات، وهما المثال في الدماثة والانفتاح.
هذه مسالة ثانوية. في الأوساط السياسية المناوئة للحزب، والمقربة من السفارة الأميركية، تأكيد بأنه، بموازاة الاجراءات التي تتخذ ضد آيات الله ستتلاحق الاجراءات، صعوداً، ضد «حزب الله».
ماذا لو فرضت وزارة الخزينة عقوبات على الوزيرين محمد فنيش ومحمود قماطي؟ استطراداً... تفجير حكومة الرئيس سعد الحريري.
ما كتب، وقيل، في واشنطن حول الاحتمالات أكثر من أن يكون خطيراً. ادارة دونالد ترامب تدفع بالأوضاع الى حافة الهاوية. لا ريب انها اثارت الارتباك داخل القيادة الايرانية التي يؤكد أكثر من مؤشر على أنها داخل الدوامة. المبعوث الفرنسي وضع هذه القيادة في أجواء «التوجهات الجنونية» لدى ذئاب البيت الأبيض.
لبنان ليس بعيداً عن لعبة الأعصاب. المراجع العليا في أقصى حالات التوجس من التداعيات الكارثية للتطورات على الساحة الداخلية.
اذ يدرك الأميركيون مدى صلابة قيادة «حزب الله» وتصميمها على المواجهة، دون أي خطوة الى الوراء، الفاتيكان أبدى خشيته من الايقاع الهيستيري الذي تأخذه الأحداث. الكرادلة توزعوا في كل الاتجاهات لابقاء لبنان بمنأى عن أن أي انفجار لا تمكن لملمة شظاياه في حال من الأحوال.
على هذا الأساس، وخشية عدم التمكن من السيطرة على الاحتمالات، اقتصرت العقوبات على نائبين، وعلى شخصية عرف عنها وجودها داخل كل الملفات الحساسة، فضلاً عن قربها من السيد حسن نصر الله.
بيان الوزارة وصف الثلاثة بقطاع الطرق، كما لو أن السيناتور بيرني ساندرز لم ير في أسلوب دونالد ترامب أسلوب قطاع الطرق. قال «كل أميركا تشعر بالخجل. ربما... بالعار».
دائماً، اجراءات الادارة، أو وزارة الخزانة، تأخذ منحى تصاعدياً. هذا الذي يحدث، وهذا الذي يتردد، يومياً، يشي بأن المنطقة مقبلة على حقبة في غاية الدقة. فرض العقوبات، في هذا الوقت بالذات، وان لا نتائج حسية لها، ايذان بأن لبنان موجود على اللائحة السوداء. أقله على... اللائحة الرمادية.
في واشنطن، كلام كثير عن ردة فعل الادارة على رفض لبنان الطروحات الأميركية التي حملها ديفيد ساترفيلد حول ترسيم الحدود البحرية. الأميركيون يريدون من لبنان (وفقاً لنظرية فريدريك هوف ) الموازاة بين التداخل الجيولوجي في حقول الغاز والتداخل الاستراتيجي في السياسات. أن يكون الغاز الجاذب البراغماتي نحو معاهدة السلام بين البلدين.
الجهات اللبنانية التي بادرت الى تبرير الخطوة الأميركية تناست أن اسرائيل اجتاحت لبنان، وصولاً الى القصر الجمهوري، قبل ظهور «حزب الله»، وحتى قبل ظهور فكرة انشاء «حزب الله».
هذه الجهات لم تسأل لماذا بقي الاحتلال جاثماً في الجنوب بعدما حققت حكومة مناحيم بيغن الهدف من العملية، أي تدمير الآلة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وترحيل ياسر عرفات ومقاتليه عن الأراضي اللبنانية.
هذا ما يريده الأميركيون، والاسرائيليون، وما بات معلوماً للخاصة والعامة. أن يخرج السيد نصر الله ومقاتليه من لبنان، دون أن يدري دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو أن هؤلاء الرجال ينتمون الى الأرض اللبنانية قبل مئات السنين من وصول ذوي الأول من ألمانيا الى أميركا، ومن وصول ذوي الثاني من بولونيا الى فلسطين.
ما يمكن تأكيده أن هناك دولاً عربية تضغط في اتجاه تفكيك «حزب الله» بأي ثمن. الخطوة الأولى اخراجه من الحكومة. هذه الدول تأخذ على الرئيس الحريري شراكته مع الحزب، دون أن يقتنعوا بحججه حول خصوصية الوضع اللبناني، وكيف تشكلت الترسانة الصاروخية التي كرست معادلة توازن الرعب مع السلطة الاسبارطية في اسرائيل.
لعل المشكلة ان الذين وقفوا الى جانب الاجراء الأميركي في الداخل اللبناني، والذين عاودوا طرح مسألة «السلاح غير الشرعي»، يخالون ان امارة موناكو وراء الخط الأزرق لا الدولة التي تطفو فوق دماء مئات الآلاف من اللبنانيين والعرب.
من يدافع عن الذين دحروا الاحتلال اذا ما سلموا صواريخهم الى سلطة ضائعة لم تتمكن على مدى ربع قرن من حل مشكلة الكهرباء، ولا مشكلة الماء، ولا اي مشكلة أخرى؟
أي سلاح يدافع عن لبنان سلاح شرعي أبى من أبى وشاء من شاء. ليأخذوا علماً بذلك. هذا المنطق لا علاقة له لا بالثقافية الزبائنية، ولا بالثقافة الدونكيشوتية، ولا بثقافة الرايات البيضاء في وجه البربريات الآتية من الغرب أو الآتية من الشرق.
هناك في الداخل اللبناني من ابلغ الأميركيين وقوفه الى جانب اي خطوة، ولو دفعت بلبنان الى الجحيم. هؤلاء المصابون بالعمى السياسي لا يدركون ما هو «حزب الله»، وما يمكن أن يؤول اليه لبنان اذا ما تفجر الوضع بالريموت كونترول، وسقط الهيكل على رؤوس الجميع.
ليسألوا الفاتيكان رأيه في الذي ينتظرنا اذا ما بقينا على تبعثرنا، وتعثرنا، دون أن ندرك، ولو لهنيهة، أننا في عين الاعصار..