kayhan.ir

رمز الخبر: 9904
تأريخ النشر : 2014November10 - 20:57

هل ذهب عبد العزيز الخوجة ضحية الصراع بين المؤسستين السياسية والدينية في المملكة؟

عبد الحسين شبيب

يمكن القول ان المملكة العربية السعودية عاشت اياما عصيبة منذ مساء الاثنين الماضي، الليلة التي ارتكبت فيها مجموعة مسلحة من الملثمين جريمة مروعة بحق مواطنين بينهم اطفال ونساء كانوا يحيون مراسم عاشورائية في قرية الدالوة في منطقة الاحساء شرقي المملكة، وراح ضحيتها ثمانية شهداء واثنا عشر جريحاً.

الاعتداء غير مسبوق من حيث الخلفية المذهبية، كما انه الاعنف منذ الاعتدءات التي نفذها تنظيم القاعدة في المملكة بين العامين 2003 و2006، واستهدفت منشآت حكومية ومواطنين سعوديين واجانب.

خطورة الحدث الذي اصاب قيادة المملكة بالهلع على كافة المستويات سببه ان هناك من قرع بقوة باب الفتنة المذهبية السنية _ الشيعية التي تُتَهم جهات رسمية في المملكة بتأجيجها وتمويلها في دول عربية عدة. وقد ترجم هذا الهلع بمسارعة الاجهزة الامنية الى ملاحقة المجموعة المتورطة في الجريمة وتمكنت في وقت قياسي من تحديدها والاشتباك معها واعتقال غالبية اعضائها في حين انتقلت التهمة للمرة الاولى وفقا لمصادر امنية من تنظيم القاعدة، الى تنظيم داعش، الذي يرجح بصورة أكبر أن يكون مسؤولاً عن الحادثة وفقا لصحيفة "الحياة".

صحيح ان المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي تولى تغذية الجمهور ووسائل الاعلام بالمستجدات في سياق بيانات متلاحقة اذاعها خلال اوقات زمنية متقاربة، وكان الهدف الرئيس منها رغبة ملكية عليا باظهار حسم شديد في اقفال الملف بسرعة قياسية وسد باب الفتنة المذهبية بكل السبل، لكن ثمة ملاحظات سريعة اعطت انطباعات خطيرة بالنسبة للمواطنين وايضا بالنسبة للاجهزة الامنية وتمثلت بالتالي:

1ـ ان زعيم المجموعة الاهابية كان ممن ينشطون في حروب التكفيريين في سوريا والعراق وعاد مؤخرا الى البلاد، وقد تم اعتقاله بعد اصابته. وهذا الامر اكثر ما يقلق قيادة المملكة واجهزتها الامنية، حيث ان السعوديين يشكلون رقما كبيرا ممن ينضوون في تنظيمات ارهابية تعمل في الخارج، مثل النصرة وداعش ومسميات اخرى في سوريا تحديدا وايضا اليمن والعراق. ويمكن القول ان هذا العائد يشكل اول "الغيث" المشكو منه.

2ــ ان احد عشر من المعتقلين كانوا قد اعتقلوا سابقا وادينوا بالانتماء الى تنظيمات ارهابية تكفيرية وتم اطلاق سراحهم واخضاعهم لما يسمى برنامج المناصحة، الذي يهدف الى اعادة هندسة دماغ من ينتمون الى الفكر الضال واعادة دمجهم بالمجتمع السعودي بعد ان يتخلوا عن افكارهم. وهذا يعني ببساطة ان هذا البرنامج قد فشل، وان من اطلقوا هم مشاريع ارهابيين جدد يتحينون الفرص للالتحاق بما يوفر لهم ساحة عمل سواء في الداخل او الخارج، ويوفر لهم عدة الشغل، في حين ان ما تشبعوه من افكار متطرفة وتكفيرية تكفيهم لكي تشكل لهم قناعة و"ايمان بصوابية ما يقومون به" ضد الاخرين.

3ـ المسألة الاخرى المهمة ان جميع المعتقلين والمطاردين هم سعوديون، اي من داخل البيت، وعددهم كبير، اثنين وعشرين، يشكلون مجموعة واحدة تنتشر عل مساحة عدة محافظات في جهات عدة من المملكة. وهذا طبعا يعطي مؤشرا خطيرا للاجهزة الامنية السعودية.

4ـ لكن النقطة الاكثر حساسية تمثلت بطبيعة الهدف الذي تقصد هؤلاء الارهابيون الاعتداء عليه وهم مواطنون عزل في قرية نائية في منتصف الليل يحيون مراسم عاشورائية لم يخطر على بالهم ان ما يجري في العراق من اعتداء على مواطنين هناك ممن يحيون هذه المراسم، من مجموعات تحظى بدعم من جهات عدة في المملكة سينتقل اليهم. ويبدو ان هؤلاء الارهابيين قرروا اختصار الطريق والتوجه الى "الروافض" في المملكة، بدل تحمل تبعات السفر والانتقال الى ساحات خارجية لا تخلو من مخاطر.

قلق

هذه المؤشرات اشعرت جزءا كبيرا من المجتمع السعودي بالقلق والرعب من ان هناك من يريد اخذه الى مكان يشبه الامكنة التي اخذ اليها المجتمع العراقي ثم السوري واليمني، ليصبح مصطلح الفتنة المذهبية، او الفتنة الطائفية حاضرا في الخطاب السياسي، ودفع الى ابداء موجة من السخط العارم اجتاحت ادوات التواصل الاجتماعي التي تعتبر المتنفس الابرز الذي يعبر فيه السعوديون الساخطون والراضون عن مواقفهم، تجاه مختلف القضايا الحساسة وغير الحساسة، مع الاشارة الى ان السعوديين هم اكثر الشعوب انفاقا واستهلاكاً في هذا العالم الافتراضي.

وهنا يمكن الاشارة الى ملاحظات ذات طابع ايجابي تمثلت بالتالي:

1ـ احتواء السلطات السعودية الجريمة بتعقب المرتكبين واعتقال اغلبهم وقتل بعضهم في وقت قياسي، ثم اتخاذ اجراءات حماية لاكمال ما تبقى من مراسم عاشورائية في القطيف والاحساء، فضلا عن زيارات قام بها امراء وضمنهم وزير الداخلية محمد بن نايف الى الاحساء للتعزية بالشهداء.

2ـ اصدار هيئة كبار العلماء في المملكة ومفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ بيانات تنديد وشجب شديدة القسوة تجاه الارهابيين، وضد الفكر الذي يعتنقونه، واسباغ صفة المواطنة والمسلمين على سكان الاحساء والقطيف، وحرمة التعرض لهم، رغم ان هؤلاء ينتمون الى ما يسمون "الروافض" الذين تضعهم المدرسة الفكرية التكفيرية الوهابية في المملكة في تصنيف ملتبس يغري مثل هذه المجموعات الارهابية بتبرير الاعتداء عليهم، مع انهم مواطنون سعوديون، لكنهم يعانون رسميا من التهميش ومن عدم المساواة.

وكان للعبارات التي استخدمها الأمين العام لهيئة كبار العلماء الشيخ فهد سعد الماجد مثل "هتك للحرمات المعلومة بالضرورة من هذا الدين، وكذلك حرمة النفس المعصومة، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار وحياة المواطنين الآمنين المطمئنين، وهتك للمصالح العامة، وما أبشع وأعظم جريمة من تجرأ على حرمات الله وظلم عباده وأخاف المسلمين" مؤشرات حول طريقة تفكير جديدة في مقاربة هذه الفئة من المواطنين.

وفي المقابل كان بيان مماثل عن فقهاء وعلماء الشيعة في الاحساء والقطيف يشدد على اللحمة الوطنية وتجاوز المحنة ورفض الانجرار الى اي فتنة مذهبية، والحرص على استقرار المملكة، واشادتهم ببيان الهيئة والمفتي العام والاجهزة الامنية مع تذييل بيانهم وتصريحاتهم بمشكلة جوهرية في السعودية تتمثل في ضرورة "اجتثاث خطاب الكراهية والتحريض عليها" وتجريم هذا الامر وادانة الشحن الطائفي ونشر ثقافة التسامح كما جاء في تصريح الشيخ حسن الصفار.

3ـ الشحن الطائفي والكراهية مورسا من الرياض وعبر قناة وصال التكفيرية، التي تعد ابرز الوسائل الاعلامية التي تعمل في المملكة وبترخيص رسمي وتتعرض للشيعة بابشع التوصيفات، وهو ما استدعى من وزير الاعلام والثقافة عبد العزيز الخوجة الى اصدار قرار بوقف بثها من المملكة واقفال مكتبها في الرياض بعد جريمة الاحساء حسبما اعلن في تغريدة له على تويتر، موضحا ان القناة ليست سعودية وان كانت تبث منها.

4 ـ لكن المفارقة انه لم تمض ساعات على قرار خوجة حتى صدر امر ملكي باعفائه من منصبه في خطوة لم يتمكن احد من المتابعين للحدث السعودي من فصلها عن قرار اقفال قناة وصال. مع الاشارة الى ان الامر الملكي صدر بشكل روتيني، اي مقتضب ويستخدم العبارة الشهيرة في القرارات المماثلة والتي شملت مؤخرا امراء كبار في المملكة اعفوا من مناصبهم "بناء على طلبهم".

تساؤلات

وبمعزل عن صحة الربط او عدمه فان التوقيت واثارة قضية قناة "وصال" تطرح اسئلة عما اذا كان هناك ازمة داخلية في مقاربة جدية للفكر الضال الذي يسبغ على هؤلاء "الخارجين على القانون" في حين ان هذا الفكر يبث من داخل المملكة عبر هكذا قنوات، مع المعرفة المسبقة بالاثر الذي تحدثه، لا سيما وانها تتعرض لمعتقدات ومقومات مذهب شريحة مهمة من السعوديين، بما يشكل سابقة في التعامل مع هكذا ظواهر.

وهذا يقود الى سؤال عما اذا كان خوجة قد ذهب ضحية صراع خفي بين المؤسسة السياسية _ الامنية والمؤسسة الدينية، او بين اجنحة في هاتين المؤسستين، والا كيف يمكن تفسير الامر مع دعوة اطلقها الملك عبد الله في مطلع شهر اب الماضي الى علماء الدين الممثلين للمؤسسة الدينية الرسمية في المملكة، حين انتقد كسلهم في تبيان الحق للناس حول الفتن التي تتربص بالبلاد والعباد وعلى رأسها التطرف الديني الذي يحوِّل البسطاء والصغار من أبناء الوطن إلى إرهابيين وقتلة في ظل دعوات التضليل والتغرير بهم بشعارات دينية مزيفة، وبين اقالة خوجة بعيد قراره اقفال قناة وصال، ابرز الوسائل الاعلامية المحرضة على الفتنة المذهبية، والمصنعة لهؤلاء الضالين؟.

هل ذهب خوجة ضحية صراع خفي بين المؤسسة السياسية - الامنية والمؤسسة الدينية؟

وحينها اعتبرت معاتبة الملك المؤسسة الدينية الرسمية بهذه الصرامة وأمام العدسات مشهداً غير معتاد في السعودية، كما ورد حينها في مقالة للكاتب السعودي هاني الظاهري نشرها في صحيفة "الحياة" ( 5 اب 2014) واستفاض فيها في مدح تقريع الملك، لا بل عنون مقالته بالتالي" كسل الشيوخ فتنة" مميزا بين دعاة الفضائيات ونجوم "الكاسيت الديني" وبين " العلماء الثقات الممثلين للمؤسسة الدينية الرسمية القريبين من دائرة صنع القرار وعلى اطلاع جيد بما لا يمكن لغيرهم أن يطلع عليه من جوانب سياسية وأمنية تؤثر كثيراً في استقرار الوطن وأمنه، وهذا ما يجعل العتب عليهم كبيراً، كما قال الظاهري، الذي اعطى شواهد عن الفكر الضال الذي تمكن خلال سنوات طويلة من اختراق المؤسسات الرسمية من وزارات وهيئات، وسط صمت رهيب من مسؤوليها، محذرا من انه إن استمر ذلك، بهذه الوتيرة "فأمامنا مستقبل مظلم لا أحد يتمناه لهذا الوطن" كما قال.

ثمة تحديات كثيرة تواجه المملكة، ومن غير المعروف ما اذا كانت الثنائية العائلية الدينية التي حكمت السعودية منذ تاسيسها قادرة على احتواء مخاطر من النوع الذي يتغذى من الداخل، ولا داعي لاستيراده من الخارج، يكفي فقط اغراء النماذج المجاورة لكي تفتح شهية من انتجتهم المدرسة التكفيرية لكي يحولوا بلدهم الى "ساحة جهاد" اقرب اليهم من اي ساحة نصرة اخرى، وحينها هناك شكوك في ان يكون الاعتماد على بيانات الادانة والاستنكار كافياً، اذا لم تجفف منابع التفكير الشاذ _ كما يصفهم الملك عبد الله_ ومصادرها كثيرة ومعروفة في المملكة.