’أنصار الله’ والجيش اليمني: كل متر إضافي في البيضاء يساوي حجراً في تشكيل الحكومة
ضياء أبو طعام
مجدداً، أخبار مخاض تشكيل الحكومة اليمنية الجديدة إلى الواجهة، بعدما ظلّت لأسابيع تسير نحو النقاش في غرف اتصالات بعيدة عن الإعلام. الجيش اليمني الآن لا إمرة واضحة عليه، وبالتالي، فلا الرئيس عبد ربه منصور هادي ولا رئيس الوزراء المكلف "خالد البحاح" يحملان أمام اللاعب الإقليمي الخليجي عبء الضربة الموجعة على رأس تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. إذاً، فحسم معركة البيضاء تسفلت طريق الوزارات الجديدة نحو عهد يمني جديد..أو هكذا يُفترض.
هذه الصورة "البيضاء" التي سعى "أهل الوساطة" لتعميمها، ثبَت أنها لا تعني أن الشركاء اليمنيين أمسوا لا ينامون قبل أن يتقاسموا رغيف الخبز مع بعضهم بعضاً، بل إن اتفاق "السلم والشراكة" الذي ضمّ أخصام الأمس، يوحي أن أطياف الحكومة اليمنية العتيدة لا تنام خوفاً من أكلها من قبل البعض الذي ظلّ مستيقظاً. فالرئيس هادي يهاجم مجدداً حركة "أنصار الله" عبر الإعلام، مع أنباء حول عودة نقاش التشكيل إلى نقطة البداية بعد طرح تشكيل حكومة كفاءات تقطع الطريق على تولي "أنصار الله" حقائب حساسة كالدفاع والداخلية.
ميدانياً، تنجح القوة الضاربة في الجيش اليمني واللجان الشعبية التي تشكل حركة "أنصار الله" عصبها الرئيسي في تفكيك عقد التكتلات المحصّنة لجماعة "أنصار الشريعة" في محافظة البيضاء وسط البلاد، وتقبض بكفي كماشة على طرفي خطوط إمداد مقاتلي "القاعدة" من الشرق والغرب. وإذا كان غياب العمليات الانتحارية للقاعدة منذ بدء المعركة في رداع شمال البيضاء ضد الحوثيين والجيش في مختلف المناطق اليمنية قد أشار إلى تهاوي الحركة التكتيكية الميدانية لأنصار الشريعة، إلا أن الأنباء عن بدء تحركات قاعدية تعبوية في المحافظات الجنوبية لا سيما في شبوة توحي أيضاً بأن المعركة لن تنتهي بسيطرة الجيش واللجان الشعبية على البيضاء.
مفتاح التغيير السياسي الشامل في جيب "الوجهاء"
فيما تتهاوى قيادات "أنصار الشريعة" تباعاً بين قتيل ومعتقل، تتوسع دائرة شعبية الحوثيين في وسط القبائل، برغم التحديات. وبعدما كان الحوثيون يعتمدون على دائرتهم السياسية في تلخيص المواقف وتوجيه الرسائل، أصبح مجلس وجهاء القبائل في اليمن يخطُّ المطالب السياسية التي ينبغي على رئيس الجمهورية الالتزام بها، كان آخرها مطلب تشكيل الحكومة العتيدة في مهلة لا تتجاوز العشرة أيام، وإلا...
المعلومات الواردة من المحافظات تتحدث عن تحوّل لجان القوى الشعبية التي تشكّلت غداة أحداث اعتصام صنعاء في أيلول/سبتمبر الماضي وما تبعها من سيطرة الحوثيين على العاصمة، إلى ما يشبه الجيش الشعبي بعد انضمام أبناء العشائر إليها تحت إمرة "أنصار الله"، فقد أثبتت التجربة نجاحها في حماية المحافظات والمدن سواء من المسلحين التكفيريين أو من عناصر مندسّة تسعى تحت إمرة إقليمية لتفجير "اتفاق السلم والشراكة" حتى ولو أدى ذلك إلى إحراق المدن والمصالح الحيوية اليمنية، وهذا ما لا تريده العشائر.
هذا الجيش الشعبي وإن كان حتى الساعة لا يقوم إلا بمساندة القوات العسكرية في التصدي لمسلحي القاعدة وحفظ الأمن والمنشآت المدنية في المحافظات، إلا أن تلويح العشائر باتخاذ ما تراه مناسباً لفك العقدة السياسية التي يقبض على طرفيها الخارج الاقليمي الذي أمعن لعقود في دعم فرع عشيرة على حساب كل اليمن، يشير بداهةً إلى أن جيش " العشائر" هو أحد الخيارات.
جمال بن عمر: إمساك العصا من الوسط يكاد يكسرها
المبعوث الدولي الخاص إلى اليمن جمال بن عمر يمدد مرة بعد أخرى إقامته في صنعاء، واتصالاته ما زالت مفتوحة من صعدة في الشمال إلى عدن في أقصى الجنوب. وبحسب مصدر مقرّب من "بن عمر" فإن ما شهده الدبلوماسي الأممي خلال ثلاثة أشهر من أحداث وتقلبات ومتغيرات لا يمكن أن يشهدها أي دبلوماسي آخر في أي دولة خلال ثلاث سنوات وربما أكثر، وتدوير الزوايا المتكرر يكاد يتحول إلى دوامة دائرية لا يمكن لأحد أن يضمن عدم تحولها في أي لحظة إلى زوبعة تبعثر أوراق ملف اليمن في الهواء وترمي بها في البحر الأحمر عند مضيق باب المندب.
أن عرّاب اتفاق السلم والشراكة "جمال بن عمر" بدأ بعد أحداث البيضاء وإب يخرج عن صمته في تصويب اللوم والتعبير عن الامتعاض حيال كثرة التدخلات الإقليمية التي تفتق في كل مرّة ما يحاول رتقه في سبيل تشكيل الحكومة التي من المفترض أن تخلف حكومة "باسندوة" التي انهارت أمام سيطرة حركة "أنصار الله" على صنعاء. ويقول المصدر: "إن مهمة بن عمر ليست أبدية، وفي حال انتهت باستقالته قبل التوصل إلى صمام أمان يضمن استقرار اليمن، حتى حين، فإن هذا يعني أن حبل الحوار الداخلي اليمني سينقطع، وحينها لن تكون لمعزوفة الاتهام بالتآمر التي طالت "بن عمر" نفسه أي صدى في لحن اليمن المقبل.
ويضيف المصدر: على الجميع أن يسلّم إلى أن مشهد اليمن قد تغيّر جذرياً، والحوثيون لم يعودوا مجرّد أصحاب صرخة يرسمونها على الجدران فحسب، بل تكاد راية "الصرخة" تصبح علماً ضمن الأعلام التي ترفرف أمام مدخل مقر دول مجلس التعاون الخليجي. لذا فعلى القوى الإقليمية الراعية لمؤتمر الحوار في اليمن أن تتعاطى بواقعية من دون الاكتفاء بلوم الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي خرج من الحكم ولا حلفاء داخليين له إلا بعض بطانته من بقايا حكمه الذين لم ينضووا حتى الآن تحت عباءة إحدى القوى الحالية، ويختم بالقول: لقد رفض الكثيرون مطالب "الحوثي" بإلغاء الجرعة ورحيل حكومة "باسندوة" فأخفقوا، ثم عادوا فرفضوا إعطاء الحوثيين منفذاً بحرياً في الشمال فها هم الحوثيون على طول ساحل محافظة الحُديدة، واليوم يكررون ذات الأسلوب في رفض إشراك الحوثيين في الحكومة بحقائب سيادية، فإلى متى دفن الرأس في الرمال؟!!".
خلاصة القول إن المراهنة على سرعة قطار الحوثيين في سباقه مع ريح التدخلات الخارجية أثبتت أنه قطار لا يتوقف كثيراً عند المحطات، خصوصاً بعدما اكتشف السائق أنه عند كل محطة هناك سكين في يد أحدهم... تتعطش لسفك الدماء.