نكبة الأقصى ورفح
سمير الحجاوي
حدثان مهمان شكلا علامة بارزة في وجه المنطقة العربية المشوه، إغلاق المسجد الأقصى واقتلاع مدينة رفح في الجانب المصري من جذورها، وهما معاً يؤسسان لحالة جذرية من التغيير الذي سيفتح المنطقة على آفاق من التصعيد الراديكالي.
لا يمكن الفصل بين ما يجري في المسجد الأقصى المبارك وما يحدث في مدينة رفح، فقوات الاحتلال الإسرائيلي اليهودي الصهيوني تقتحم المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث الحرمين، وتعيث فيه فساداً وتطلق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع في داخله، وتقتل وتجرح المصلين في داخله وتشعل النار في سجاده، وتعتدي على المعتكفين المسلمين الفلسطينيين، وتمنع الناس من الصلاة فيه، ثم يصل التصعيد إلى ذروته بإعلان سلطات الاحتلال الإسرائيلية إغلاق المسجد الأقصى، ومنع الصلاة فيه للمرة الأولى في التاريخ الحديث، دون أن يثير ذلك أي رد فعل حتى الآن.
في الجانب السفلي من الصورة نجد أن قوات النظام الانقلابي العسكري في مصر تستبيح سيناء وتقصف المدن الفقيرة هناك وعشش البدو بطريقة هستيرية مجنونة، ثم تذهب في التصعيد إلى حدود إجرامية باقتلاع سكان مدينة رفح على الجانب المصري من الحدود الفلسطينية مع قطاع غزة واقتلاع المدينة من التاريخ والجغرافيا، وتحويل رفح والحدود إلى "منطقة عازلة" فارغة من السكان.
الرابط بين ما يجري الاعتداءات الإجرامية الإسرائيلية في المسجد الأقصى والاعتداءات الإجرامية للنظام الانقلابي في مصر هو تنفيذ إستراتيجية واحدة تهدف إلى حماية الكيان الإسرائيلي، وتقوية شوكة هذا الكيان، وحمايته من الأخطار والثورات، ولهذا ينشط النظام الانقلابي المصري بتطبيق سياسة عملية من أجل حماية العدو الإسرائيلي في إطار تحالف علني بين الطرفين، تم تدشينه عملياً إبان العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع الفلسطيني.
تفاصيل هذا التعاون الخطير بين النظام الانقلابي في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي والعدو الإسرائيلي، هو تخفيف الضغط على الكيان الإسرائيلي بعد فشل حربها ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وصمود الشعب الفلسطيني بشكل أسطوري وتوجيه الضربات لهذا العدو الهمجي، وهنا يأتي تدخل نظام السيسي الانقلابي من أجل إكمال الحرب على المقاومة الفلسطينية، وخنق المقاومة ولو خنق معها 1.8 مليون فلسطيني في قطاع غزة، فهذا التحالف الشيطاني بين الطرفين لايعبأ بمصير مليوني فلسطيني في سبيل كسر شوكة الفلسطينيين.
وفي الوقت الذي يقوم فيه نظام السيسي الانقلابي بتشديد الخناق والحصار على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، يعمل في نفس الوقت على اقتلاع المواطنين السيناويين وتهجيرهم، تماما كما فعلت العصابات اليهودية الإسرائيلية عام 1948 وهو عام النكبة الفلسطينية، وبالتالي يمكن اعتبار عام 2014 هو عام "نكبة رفح"، وفي الوقت الذي يقوم فيه النظام الانقلابي في مصر بعمليات التهجير الجماعي القصرية، تتفرغ سلطات الاحتلال الإسرائيلي اليهودي الصهيوني لإحكام قبضتها على القدس والمسجد الأقصى وتهوديها بالكامل، وإفراغها من سكانها الفلسطينيين، وخلق وقائع على الأرض، في ظل أي رد فعل عملي من سلطة رام الله وزعيمها محمود عباس ميرزا، صاحب نظرية "التنسيق الأمني المقدس"، والذي اعتبر أنه لا يؤمن بالكفاح المسلح ولا بالانتفاضة، وأنه يقبل وجود "دولة يهودية" في فلسطين.