فرنسا بين الواقع والتغيير
التحرك الشعبي الاسبوعي "السترات الصفراء" الذي تشهده باريس وباقي المدن الفرنسية منذ اربعة اشهر وحتى اليوم يكاد لا ينقطع وقد تبنى شعارات واهداف سياسية واضحة تتلخص باعادة بناء الديمقراطية وتغيير النظام السياسي الحالي واقالة الرئيس ماكرون الذي يمثل الاقلية الرأسمالية التي تهيمن على الاقتصاد الفرنسي والتي لا تتجاوز نسبتها الـ 1% في حين ان السترات الصفراء الذين يطالبون بحقوق الشعب الفرنسي المهدورة ويعدون انفسهم بانهم يدافعون عن حقوق 99% منهم .
هذا التحرك الشعبي الذي تجاوز امس الاول السبت اسبوعه الثامن عشر اصبح اليوم حركة سياسية معارضة يعتد بها وقد اطلق عليها اصحاب الستر الصفراء، استطاعت ان تحدث انقلابا في المشهد السياسي الفرنسي لكنها حتى الان لم تتمكن من قلب موازين القوى في الشارع لحمل الحكومة على تقديم التنازلات الا ان الباب لازال مفتوحا امامها ان استطاعت مستقبلا ان تشد المزيد من الجماهير الى الشارع في المطالبة بحقوقها لتصبح حركة عارمة تضطر معها الاليزية الخضوع لها وهذا ما سيكشفه المستقبل لنا.
لكن ما كان لافتا في هذا الاسبوع هو ازدياد زخم اصحاب السترات الصفراء في الشارع وشدة الاشتباكات والصدام مع الشرطة التي استخدمت فائضاً من الغازات المسيلة للدموع اضافة الى مشاركة متضامنين من ايطاليا وبلجيكا وهولندا وبولندا الى جانبهم وهذا يعطي انطباعا على تفاعل الشعوب الاوروبية مع الشعب الفرنسي في المطالبة بحقوقه المشروعة.
لكن المفارقة الحاصلة في الساحة الفرنسية في ظل ادعاء حكومتها ودفاعها عن حقوق الانسان هو التناقض الشديد بين القول والفعل حيث اصبح الامر واضحا للعيان لما ترتكبه الشرطة الفرنسية من انتهاكات فاضحة وتعامل مفرط للقوة ضد المحتجين حيث سقط ليومنا هذا عشرة قتلى واكثر من 1900 جريح بينهم من فقد بصره ناهيك عن مئات المعتقلين وهذا ما دفع بالمنظمة الدولية ان تعترض على باريس وتطالبها بفتح تحقيق في ذلك وان لم يكن بالمستوى الذي يعرض فرنسا للملاحقة القانونية.
وعلى اية حال فأن الادانات الدولية التي يجب ان تصدر لم تكن بالمستوى المطلوب ولو كانت الاحتجاجات في مكان آخر لقامت الدنيا ولم تقعد لكن الرئيس ماكرون وفي عملية خادعة للهروب الى الامام دعا المعارضة للحوار الوطني فيما شكك المعارضة بنواياه رغم قناعتها بأنه تسويف للوقت وامتصاص لغضب الشارع وفي النهاية الالتفاف عليها وقمعها. لكنها استجابت وانتهت المرحلة الاولى منه دون نتائج على ان تستأنف المرحلة الثانية في نيسان المقبل بانتظار ان يوجه الرئيس ماكرون خطابا للشعب الفرنسي يعلن فيه محاور سياسته ومواقفه من المطالبات لكن اصحاب الستر الصفراء الذين كشفت امامهم الحقائق طيلة الاربعة الاشهر الماضية من تحركهم، لا يثقون بوعود ماكرون ويعتبرون الحوار مجرد خداع لا طائل من ورائه ولا يرضون باقل من استقالته وتغيير النظام الرأسمالي الفاسد في بلدهم.