kayhan.ir

رمز الخبر: 92032
تأريخ النشر : 2019March16 - 19:41

إلى المطبيعن العرب الذين نصّبوا نتنياهو زعيما وحامِيا في مؤتمر وارسو


عبدالباري عطوان

لا نعتقد أن الكثير من الزعماء العرب حلفاء بنيامين نتنياهو الذين شارك وزراء خارجيتهم في مؤتمر وارسو الأخير الذي أسس للناتو العربي، والتطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، قد قرأوا تصريحات الحاخام العنصري المتطرف ميخائيل بن أري، التلميذ المخلص والوفي للحاخام الفاشي مائير كاهانا.

تصريحاته التي أدلى بها يوم أمس لموقع 'كيكار هشبات'، وقال فيها إن العرب لا يفهمون غير لغة القوة، ومن يتجرأ منهم للحديث ضد اليهود لن نسمح له بالبقاء على قيد الحياة، فلا تعايش مع هؤلاء الذين علمنا الحاخام كاهانا أنه لا تعايش معهم، ويجب طردهم إلى سورية وجميع البلاد التي جاءوا منها، حتى لو اطلعوا عليها، فإنهم وفي ظل حالة الإنكار التي يعيشونها سيديرون وجههم إلى الناحية الأخرى.

الحاخام ميخائيل بن آري، ليس زعيما لمنظمة يهودية متطرفة محظورة، وإنما زعيم حزب سيكون عضوا أصيلا في قائمة تكتل اليمين الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو التي سيخوض على أساسها انتخابات الكنيست الشهر المقبل، ويمكن في حال فوزه بأعلى المقاعد، أن يصبح، أي بن آري، وزيرا للأمن أو الخارجية، أو الثقافة، وربما تكون أول زياراته الخارجية، وبعد توليه المنصب الجديد، إلى حلفائه العرب، وفي منطقة الخليج (الفارسي) خصوصا، سيرا على خطى نتنياهو نفسه، ووزيرة ثقافته ميري ريغيف، الأشد تطرفا وعنصرية.

نتفق مع الحاخام بن آري، ونقولها وفي الحلق مرارة، أن العرب الذين يتحدث عنهم لا يعرفون غير لغة القوة، وهي اللغة التي أجبرت بعضهم إلى رفع راية الاستسلام، والتملق للاسرائيليين، على أمل أن تكون دولتهم هي رأس الحربة في الدفاع عنهم في مواجهة الخطر الإيراني المزعوم الذي يزعزع أمن المنطقة واستقرارها، مثلما بصم وزراء خارجية مؤتمر وارسو العرب على 'توصية' نتنياهو، ومعلمه الأمريكي مايك بومبيو، اللذين وجها هذه الدعوة للمشاركة في هذا التجمع الذي أريد له أن يكون حجر الأساس السياسي للناتو العسكري العربي الإسرائيلي الجديد.

ما لا يدركه الحاخام بن آري أن الإسرائيليين لا يفهمون غير لغة القوة أيضا، فعندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية حركة مقاومة كان الإسرائيليون يستجدون الجلوس معها على مائدة المفاوضات، وعندما كانت مصر وسورية تتزعمان معسكر المواجهة، كانت العروض الإسرائيلية للسلام التي يحملها وزراء الخارجية الأمريكان والأوروبيين تنهال عليهم، وخاصة عندما كانت حرب الاستنزاف في مدن القناة وسيناء في ذروتها، والأيام دوارة، ولا شيء يبقى على حاله.

منظمة التحرير الفلسطينية ومعظم فصائلها وقعت في مصيدة أوسلو، مثلما وقعت قبلها مصر في حفرة كامب ديفيد، وتحولت قوى الأمن الفلسطينية التي شكلها الجنرال دايتون إلى أدوات في خدمة الاحتلال ومقاومة المقاومة، في أقذر سابقة من نوعها في تاريخ الاحتلالات على مر القرون.

هذه الغطرسة العنصرية الإسرائيلية لن تطول، ليس بسبب ذكاء العرب وإنما لغباء الإسرائيليين وسوء تقديرهم، وقصر ذاكرتهم، ولاعتقادهم أن هذا الوضع العربي المهين سيستمر لمئات السنين، فممارسات الإسرائيليين المهينة هذه هي التي ستعيد الزمن الذي كان يستجدي فيه شمعون بيريز القيادة الفلسطينية أسبوعين بدون جنائز، ويجند العالم بأسره لوقف العمليات الاستشهادية، ويهرع الأمريكان والأوروبيون إلى تشكيل لجنة رباعية ووضع خريطة طريق للوصول إلى السلام الدائم.

فإذا كان الحاخام ميخائيل الذي بات على بعد شهر من دخول الكنسيت يطالب بمحو غزة من الوجود، وتحويلها إلى مقبرة لمليونين من أبنائها، فإن عليه أن يتوقع أن يشجع صعود من يشاركونه المطالب نفسها ولكن بالاتجاه الآخر، وفي المعسكر الآخر.

الإسرائيليون يريدون الآن حشد العالم الغربي بأسره، ومعظم حلفائهم العرب، ضد إيران وحزب الله وسورية، ومعظم العراق، ولا ننسى حركات المقاومة في قطاع غزة، ويستخدمون البيت الأبيض الأمريكي ورئيسه ترامب لتجويع هذه الدول وشعوبها، ويتوقعون أن يكون الرد الرقص طربا في الشوارع استقبالا لهم، وكم هم مخطئون.

لا يعرف هؤلاء أن الخرائط تتغير وبسرعة غير مسبوقة، وأن هناك 'دول مواجهة' أخرى ما زالت تضع إصبعها على الزناد، ولديها مئات الآلاف من الصواريخ التي تعجز كل القبب الحديدية عن التصدي لها، وجميعها جرى تصنيعها وتطويرها ذاتيّا، وبات سلاح الجو الإسرائيلي وطائراته الأمريكية الحديثة عاجزا عن حسم الحروب وإذلال الأنظمة مثلما كان عليه الحال في الماضي.

قولوا عنا ما شئتم.. قولوا عنا حالمين.. قولوا عنا متفائلين، أكثر من اللازم، ولكننا نكتفي بتذكيركم، ونحن وأنتم نقف على أبواب العام الثامن للأزمتين السورية والليبية، والخامس للحرب اليمنية، والعشرين للاحتلال الأمريكي لأفغانستان، أن رهاناتكم كلها فشلت وانهارت، وأن رهاناتنا نحن في المعسكر المضاد لنظيريه الأمريكي الإسرائيلي هي التي تفوز.. ورؤيتنا الوطنية هي التي تتحقق.. والأيام بيننا.