تطوّر في العدوان الأميركي على فنزويلا... وضرورة الانتقال من الدفاع إلى الهجوم
حسن حردان
فشلت الولايات المتحدة الأميركية في تغيير موازين القوى في داخل فنزويلا لمصلحة القوى والحركات اليمينية الموالية لها بقيادة أداتها الطيّعة رئيس الانقلاب خوان غوايدو، وبالتالي فشلت في الإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو، نتيجة العجز عن استمالة الجيش والأغلبية الشعبية إلى جانب غوايدو، وكذلك الفشل في الحصول على تأييد مجلس الأمن إلى جانب خطتها الانقلابية، بسبب المعارضة القوية من روسيا والصين، كما فشلت الولايات المتحدة في عزل فنزويلا وإحكام الحصار حولها نتيجة الدعم الروسي الصيني الذي أمّن لفنزويلا بديلاً عن المساعدات الأميركية الملغومة التي رفضتها الحكومة الفنزويلية، ووقوف العديد من دول أميركا اللاتينية التحرّرية إلى جانب فنزويلا وغيرها من الدول في العالم مثل إيران وسورية وغيرهما ...
لكن على الرغم من أنّ هذا الفشل عكس نجاح الحكومة الفنزويلية بقيادة الرئيس مادورو في امتصاص قوة العدوان الأميركي في مرحلته الأولى وبالتالي إحباط اهدافه، وعلى الرغم من أنّ واشنطن أدركت أنّ قيامها بغزو عسكري لفنزويلا، في ظلّ وقوف الجيش الى جانب مادورو واستعداده للدفاع عن سيادة واستقلال البلاد، مدعوماً بقوة شعبية مسلحة قوامها نحو مليوني مواطن، ستكون له عواقب خطيرة ونتائج سلبية كبيرة أقلها غرق أميركا في فيتنام جديدة... إلا أنّ واشنطن لم تتراجع او تتوقف أو تيأس من مواصلة حربها العدوانية، بل إنها بحثت عن وسائل أخرى لتحقيق أهدافها بهدف تغذية ودعم القوى الانقلابية، رهاناً على إحداث تحوّلات في الداخل في مصلحة هذه القوى، وهذه الوسائل هي البدء بعمليات تخريبية لإحداث فوضى في البلاد والتسبّب بالمزيد من الأزمات، وبالتالي تحميل الحكومة الشرعية المسؤولية عن ذلك، واتهامها بالعجز وعدم القدرة على مواجهة هذه الأزمات، وتحريض الناس ضدّها، ودفعهم إلى تأييد غوايدو لإسقاط حكومة الرئيس مادورو... في هذا السياق لجأت واشنطن إلى عملية التخريب في أهمّ قطاع حيوي لشلّ الحركة الاقتصادية والخدماتية في البلاد، ألا وهو قطاع الطاقة الكهربائية، فعمدت عبر وسائلها التقنية المتطورة إلى تعطيل محطات الطاقة الرئيسية في البلاد مما أدّى إلى انقطاع الكهرباء وتوقف حركة القطارات والمياه والمعامل إلخ... على أنّ هذه العملية التخريبية أدرجت في إطار خطة مدروسة لاستغلال الأزمة التي تسبّب بها العمل الأميركي التخريبي في مصلحة الانقلابيين.. تجسّدت هذه الخطة عملياً في الخطوات السريعة التالية:
أولاً، مسارعة غوايدو إلى عقد جلسة طارئة للبرلمان، الذي صوّت لصالح دعوته لإعلان الطوارئ في البلاد، وطلب تعاون دولي لمواجهة الأزمة... والهدف طبعاً محاولة إيجاد المناخ المواتي لاستدعاء تدخل خارجي...
ثانياً، تظاهر أنصار الانقلابي غوايدو، وتحميل حكومة الرئيس مادورو مسؤولية ما حصل واتهامها بالعجز عن مواجهة الأزمات التي يعاني منها الشعب.
ثالثاً، دخول واشنطن على الخط مباشرة لدعم غوايدو في دعوته، حيث هاجم مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون الرئيس مادورو، وكتب على «تويتر» انه «رغم انقطاع الكهرباء على نطاق واسع، وزيادة القمع ونقص وسائل المواصلات، وإغلاق الانترنت، ما زال الفنزويليون ينزلون إلى الشوارع، ويواصلون احتجاجاتهم مع غوايدو احتجاجاً على تمسك مادورو بالسلطة».. وأرفق ذلك بصورة لغوايدو وسط المتظاهرين...
انّ هذا العدوان التخريبي الأميركي الذي أدّى إلى تعطيل محطة الطاقة الرئيسية في البلاد والتسبّب بمفاقمة الأزمات التي يعاني منها الشعب بفعل الحرب، المباشرة وغير المباشرة، التي بدأتها واشنطن ضدّ فنزويلا، إنما يشكل تطوّراً خطيراً في هذه الحرب الأميركية، لم يعد ينفع في مواجهتها البقاء في موقع الدفاع، الذي نجح في امتصاص الصدمة الأولى من هذا العدوان، وبات من الواجب والضروري الانتقال إلى الهجوم، للردّ على التمادي الأميركي في الاعتداء على سيادة واستقلال البلاد وعلى الشعب الفنزويلي بتخريب منشآت بلاده الخدماتية... على أنّ هذا الهجوم يجب أن يتركز في ثلاث مستويات:
المستوى الأول، إعلان التعبئة العامة وحالة الطوارئ في البلاد في مواجهة الحرب الأميركية التي بدأتها الولايات المتحدة ضدّ فنزويلا، وهذه التعبئة يجب أن تشمل كلّ مؤسسات الدولة والقطاعات الشعبية في إطار خطة شاملة لمواجهة وسدّ الثغرات في الداخل، ومحاربة الاختراقات المعادية التي تقف وراء تمكين الولايات المتحدة من التدخل في شؤون فنزويلا الداخلية، والقيام بعمليات التخريب للمؤسسات الوطنية، والتحريض على الفتنة في البلاد... طبعاً يتطلب ذلك انخراط القوات الشعبية المسلحة الرديفة للجيش وتوليها مهمة حماية الجبهة الداخلية، لتمكين الجيش من التفرّغ لمهمة حراسة الحدود البرية والبحرية، ومنع أيّ اختراقات لها من مجموعات مرتزقة تدفع بها الاستخبارات الأميركية إلى داخل البلاد...
المستوى الثاني، اعتبار كلّ من يتعاون مع العدوان الأميركي، حزباً أو منظمة أو أشخاصاً، خائناً لوطنه يتوجب اعتقاله وإحالته إلى القضاء ومحاكمته بموجب القانون... وبالتالي وضع حدّ لحرية وحركة المتعاملين مع الولايات المتحدة الذين يتآمرون على بلادهم لمصلحة المستعمر الأميركي لتمكينه من إعادة فرض هيمنته على فنزويلا ونهب ثرواتها.. وفي مقدّمة من يجب توقيفهم واعتقالهم رئيس الانقلابيين الذي تدعمه واشنطن وصنعته الاستخبارات الأميركية تحت يافطة «المعهد الوطني للديمقراطية» منذ كان طالباً، حيث جرى تدريبه وإعداده جيداً، من ضمن خمسة طلاب في بلغراد، على طريقة تنظيم التظاهرات وقيادة عمليات التحريض والاحتجاج وصولاً إلى الانتفاضة لإسقاط نظام الحكم المستقلّ وغير التابع للولايات المتحدة في فنزويلا...
المستوى الثالث، إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية لتوفير مقومات الصمود للشعب، والعمل على بناء اقتصاد الحرب بالاعتماد على الذات ودعم الحلفاء في العالم وفي أميركا اللاتينية، وهذا يستلزم بالضرورة إجراءات تستهدف بالدرجة الأولى مصالح رجال الأعمال الذين ترتبط مصالحهم مع الشركات الأميركية والغربية، التي تشارك في فرض الحصار على فنزويلا، وتحلم باستعادة سيطرتها على نفط وغاز فنزويلا... وبذلك يجري الردّ على سياسة الحصار الأميركية بضرب مواقع النفوذ المتبقية لواشنطن في فنزويلا...
انّ فنزويلا تواجه حرباً أميركية تستخدم فيها كلّ الوسائل بهدف إسقاط نظامها الوطني المستقلّ وإعادة إنتاج نظام تابع لواشنطن يؤمّن لها استعادة فنزويلا إلى الحظيرة الأميركية بما يوفر المناخ المؤاتي لضرب ما تبقى من أنظمة تحرّرية مستقلة في أميركا اللاتينية، وفي مقدّمها بوليفيا ونيكاراغوا وكوبا... وهو ما جاهر به علناً الرئيس الأميركي دونالد ترامب من دون أيّ مواربة...
في مواجهة هذه الحرب الاستعمارية، فإنّ خير دفاع هو الهجوم، الهجوم في إطار خطة شاملة تهدف الى سدّ الثغرات التي يستغلها الأميركي، وتطهير البلاد من العملاء والخونة، وتحصين الجبهة الداخلية، وتوفير كلّ المقومات الاقتصادية والعسكرية والشعبية في مواجهة هذه الحرب لإحباط أهدافها، وبالتالي جعلها فرصة لتحويل فنزويلا إلى قلعة تحررية محصنة عصية على الاختراق والإخضاع من قبل المستعمر الأميركي...