كيف غَيَّرت الحربُ على اليمن المعادلات التاريخية للحروب؟
شارل ابي نادر
لم تعد الحرب على اليمن تشبه أيّاً من الحروب التي حصلت عبر التاريخ القديم أو الحديث، فقد تجاوزت وتخَطَّت عناصر هذه الحرب أغلب مفاهيم القتال والمعارك والمناورات العسكرية، التي وُجِدت وتَثَبَّتت نتيجة تراكم أجيال وأجيال من الدروس والعبر والخبرات المكتسبة، في الميدان وفي غرف إدارة العمليات العسكرية ومراكز القيادة، وحيث تَكَوَّنَت عبر الزمن معادلات معروفة، وأصبحت مرجعا ومستندا يتم على أساسه دراسة وصنع القرار في أي حرب، تشنها دولة أو تُفرض عليها، فقد خلقت الحرب على اليمن جيلا جديدا من المعادلات، خرجت بشكل شبه كامل من إطار تلك المعروفة، وذلك على الشكل التالي:
معادلة تناسب القوى والتجهيز
يخوض اليمنيون من جيش ولجان شعبية ووحدات أنصار الله، منذ حوالي خمسة اعوام، معركة غير متكافئة، وبقدرات وامكانيات عسكرية متواضعة، يقارعون ويصمدون بمواجهة دول معروفة بامكانياتها في الأسلحة والعتاد والتجهيزات، وحيث لا يوجد في الظاهر من الناحية العملية، أي تفسير علمي منطقي لهذا الصمود، بالرغم من الفارق الكبير في الامكانيات، فقد استطاعوا خلق معادلة جديدة ألغَت أخرى كانت ثابتة عبر التاريخ، حول استحالة صمود وانتصار أي طرف، في ظل عدم التناسب في امكانياته مقارنة مع الطرف الآخر، خاصة في ظل امتداد المواجهة لفترة طويلة كما هي الحال في اليمن.
معادلة توزيع الضغوط لتشتيت الجهود
يقاتل اليمنيون اليوم، وبالأمس وما قبله، منذ بداية الحرب التي شنها عدوان واسع عليهم، في كافة الاتجاهات والجبهات، الحدودية والداخلية، وهم استطاعوا توزيع القوى والجهود بشكل متناسب مع مناورة العدوان، التي بناها على تغيير الضغوط ونقلها من جبهة الى اخرى، وحيث تتخصص بشكل شبه مستقل، كل من دولتي الامارات والسعودية في توزيع وتركيز وحداتها ومرتزقتها وقدراتها الجوية خاصة، ما بين الغرب والجنوب للاولى، والشمال والشرق للثانية. تابع اليمنيون وبنجاح وفعالية مناورة الدفاع وقيادة العمليات والسيطرة على كافة الجبهات، وايضا استطاع ابناء اليمن المقاومون في ذلك، خلق معادلة جديدة، ألغت أخرى كانت سائدة عبر التاريخ العسكري، حول استحالة النجاح والقدرة على الصمود، في ظل مناورة تشتيت الجهود والقوى وتوزيع نقاط الضغط على كامل خطوط المواجهة، وبامكانيات محدودة.
معادلة تأثير الدعم الخارجي في حسم الحروب
لا يُعقل ومن خلال مسار طويل من المواجهات التي خاضتها أغلب الدول، أن تصمد دولة أو مجموعة منها كما وقف اليمن، بمواجهة تحالف واسع من الدول، تتبادل أطرافه الدعم والمساندة العسكرية والاعلامية، على الصعيدين الاقليمي والدولي، الأمر الذي خالفته الحرب على اليمن وما أحاط بها من تدخلات وضغوط خارجية، بطريقة مباشرة من خلال التدخل والتورط الفاضح بوحدات وبقدرات، أو بطريقة غير مباشرة من خلال تشكيل جبهة عريضة، وقفت بوجه المجتمع الدولي ومؤسساته التي كان من المفترض ان تلعب دورها في ضبط وتوجيه هذه الحرب العدوانية على اليمن، تحت سقف القانون الدولي والانساني والانظمة التي ترعى النزاعات المسلحة، وحيث فشل المجتمع الدولي في وقف هذه الحرب على اليمن، تواطؤاً او عجزا، استطاع اليمنيون بصمودهم، إحراج هذا المجتمع ومؤسساته، من خلال فضح دوره المشبوه كرهينة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة الاميريكة.
معادلة تأثير الضغط الاقتصادي والحصار
ربما كانت هذه الحرب الاقتصادية والحصار على اليمن بنظر منفذيها، الحل البديل لفشل حربهم العسكرية على اليمن، وحيث لم تستطع اي دولة عبر التاريخ ان تقاوم وتنتصر في ظل حصار اقتصادي وإنساني خانق، استطاع اليمنيون التخفيف قدر الامكان من تأثير الحصار والضائقة الاقتصادية عليهم، وألغوا بذلك مفاعيل معادلة، طالما لجأت اليها الدول المعتدية على الدول الفقيرة عبر التاريخ.
وتبقى أخيراً، المعادلة التي لم يستطع أحد تجاوزها عبر التاريخ، التي هي الضغط المؤذي عبر المجازر والارتكابات الفظيعة والجرائم، بحق البيئة الحاضنة لمقاتلي الجيش واللجان الشعبية ووحدات انصار الله وبحق عائلاتهم، وحيث كان دائماً هذا الموضوع، نقطة الضعف الاكثر تأثيرا على الوحدات العسكرية، لثنيها عن مواصلة القتال، أو لِلَوي ذراعيها وإضعافها تمهيدا لاستسلامها، استطاع اليمنيون ان يجعلوا منها نقطتهم الرابحة في الصمود وفي رفد جبهات القتال بابنائهم، للقتال والدفاع عن الارض وعن العرض، وكلما كانت تضاف مجزرة الى سجل مجازر العدوان الواسع بحق ابناء اليمن، كنا نرى صمودا اكبر وشراسة في الميدان وساحات المواجهة، والتزاما أعمق وأثبت في معركة المواجهة وصراع البقاء.