من سورية الى اليمن... سقطت أكذوبة الصراع الطائفي
صلاح السقلدي
الدول العربية والخليجية بالذات التي قالتْ قبل بضع سنوات أن قرار قطعْ علاقاتها بسورية كان الهدف منه محاصرة ايران وقطع دابر التدخل الإيراني هناك، هي ذات الدول التي عادتْ مؤخرا لإرسال بعثاتها الى دمشق وإعادة العلاقات مع سورية الى سابق عهدها، والمبرر هو ذاته أيضاً: التصدي للتدخلات الإيرانية وعدم افساح الساحة السورية أمام هذه التدخلات الإيرانية.بمعنى أوضح فأن قطع العلاقات كان لمحاربة إيران وصبَّ في مصلحة سورية، وإعادة العلاقات اليوم هو لمحاربة إيران ويصب في مصلحة سورية أيضاً.
ومطلوب من الجميع أن يصدّق هذا الخطاب المضطرب، وهذا الاستخفاف الساذج بالعقول. وكأن العالم هو شعوب الكينونات العربية المرعوبة، التي يمكن استغفالها بهكذا فهلوة سمجة، وهي الشعوب المطوقة بسياج الإعلام الرسمي الصاعق وأدوات القمع السلطوي المستبد.
ومع ذلك سنقول: حسناً ما عملت هذه الأنظمة تجاه سورية ،وسنفترض ولو جدلاً أن ثمة عودة للوعي العربي قد حدثتْ ولو متأخرا بشأن الأزمة السورية.. فهذه الدول التي فتحت أراضيها وبحارها وأجوائها للغزاة الأمريكان والأوربيين عام 2003م,قبل أن يتم طرد الجزء الأعظم من تلك القوات فيما بعد، فقد وجدت إيران حينها الساحة العراقية خالية من أية حضور عربي وغياب أية مساعدات عربية لهذا البلد المنكوب بأخوة يوسف، بعد أن تخلّتْ هذه الأنظمة العربية عنه منذ ليلة سقوط بغداد، ثم طفقت هذه الأنظمة برفع عقيرتها عالياً وتلطم الخدود شجبا للتدخل الإيراني بالعراق، وكأن الغزو الغربي الأمريكي للعراق لم يكن تدخلاً بشؤون العراق ابداً. فهل كانت هذه الأنظمة العربية لا تتوقع أن تتدخل إيران بالشأن العراقي وقد وجدتْ” إيران ” الساحة العراقية شبه خالية ونافذ لخطر يتهدد أمنها ؟ ثم هل تفاجأ العقل السياسي الخليجي العقيم بهذا التدخل الإيراني بعد أن أصبحت الأراضي الإيرانية على مرمى حجر من نيران الجيوش الأمريكية والغربية التي باتت تقرع أبواب طهران؟.فهل كانت هذه الأنظمة تتوقع عكس هذا؟. أليس الذي جعل السعودية تتدخل باليمن هو الشعور بالتهديد الأمني لحدها الجنوبي ؟ -أو هكذا تقول السعودية -.
عجبي لمن جلبوا جيوش أوروبا وأمريكا كلها الى البوابة الغربية الإيرانية ثم يستغربون لماذا تحركت إيران صوب العراق.! وعجبي أكثر لمن يستغرب لماذا قدِمـتْ قوات حزب الله اللبناني للقتال في سورية في وقت تعلن فيه الجماعات الارهابية التي تقاتل في سورية والتي اتت بتمويل خليجي بأن وجهتها التالية ستكون بيروت، علماً أن هذه الأنظمة الخليجية هي سبب نكبة سورية حين ذهبت بأموالها وإعلامها وجماعاتها الأجيرة الى هناك "للتهاوش” -بحسب تعبير أحدهم- وما تزال تلك الأنظمة تمد هذه الجماعات بكل أسباب القوة والتوحش لأسقاط دولة عربية أخرى الى قائمة الدول المدمرة.
وبالعودة الى موضوع إعادة بعض الدول الخليجية علاقاتها مع دمشق فهذا يعني فوق كل ما تقدم أن أكذوبة الحرب الطائفية التي تسوّق لها هذه الأنظمة قد سقطت وتعرى أصحابها- في سورية على الأقل-. فأن كان النظام السورية طائفيا وأن كانت الحرب هناك هي بين شيعة وسُــنة بحسب الزعم الكاذب فلماذا تعيد هذه الدول علاقتها مع نظام يقتل اهل السُـــنة ؟ أنها كذبة مرتدة على من أطلقها/ فالصراع بالمنطقة هو صراع سياسي بل قل صراع مصالح اقتصادي وتنافس على الهيمنة وعلى موارد وجغرافيا المنطقة، بجلباب طائفي مهترئ.
فمتى كانت إيران موجودة في سورية حين احتلت اسرائيل مرتفعات الجولان السورية عام 67م حتى يبرر بعض القادة العرب البلهاء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية بأنه بسبب الوجود الإيراني؟ ومتى كان حزب الله موجودا بالساحة اللبنانية حين غزت اسرائيل لبنان عام 82م حتى يبرر هؤلاء الأعراب لإسرائيل بضرب لبنان وانتهاك سيادته كل يوم- على افتراض ان ظهور هذا الحزب على الساحة اللبنانية خطيئة لبنانية-؟.
ومتى كانت حركة الحوثيين قوة على الأرض حين كانت السعودية تتدخل بكل صغيرة وكبيرة بالشأن اليمني منذ ستون عاما حتى نقتنع اليوم أن السبب الرئيس للتدخل السعودي باليمن هو بسبب خطر هذه الحركة وليس لأغراض أخرى نعرفها جيدا؟. ثم كيف للمواطن العربي محدود الاطلاع أن يصدّق أن الغرض الإماراتي من التدخل العسكري باليمن كان لقطع اليد الإيرانية الموجدة أصلاً في جزر طمب الكبرى والصغرى وأبو موسى؟.
وقبل الختام هذه همسة للنُخب الجنوبية اليمنية وللمقاتلين الجنوبيين في الساحل الغربي بالحُــديدة وكذا الذين يقاتلون دفاعا عن الاراضي الجنوبية السعودية: هذه الدول التي تحاربون الى جانبها تحت أوهام متعددة وتزعم ان حربها باليمن هو لقطع اليد إيرانية في اليمن وللحد من نفوذ الحليف الإيراني” حركة الحوثيين” هي اليوم – أقصد هذه الدول- تعيد علاقاتها مع أقوى حلفاء إيران بالمنطقة” سورية”,وغدا ستفعل الشيء مع الحركة الحوثيين بل لقد شرعت بذلك بالفعل, وسيكون الدم الجنوبي مجرد سائل احمر تم سكبه على عتبات أمير النفط...فهذه أمريكا التي تزعم أنها تحارب الإرهاب بالمنطقة والعالم ها هي اليوم تتحاور مع حركة طالبان التي وضعتها على رأس الحركات الإرهابية.. وبالتالي فمن الحكمة أن يكون العقل اليمني والجنوبي بالذات حاضرا ويقظا أمام هذا التضليل الذي يتعرض له،والذي بسبب ضحالة هذا العقل السياسي جعلت هذه الدول من شباب الجنوب مقاتل بالسُــخرة ” نسخة محلية من بلاك ووتر”، وجعلت كل الجنوب بطاقاته البشرية والطبيعية والجغرافية أدوات واستثمارات خليجية لتنفيذ المصالح والأطماع التي لا تخطئها عين.