ارتجاجات شرق البحر المتوسط والعالم في شبه القارة الهندية...!
محمد صادق الحسيني
ليس مستغرباً ان تصل تبعات التحولات الاستراتيجية الكبرى في غرب آسيا وشرق البحر المتوسط الى الساحة الهندية لتوقظ نزاعاً تاريخيا وجغرافياً وسياسيار مريراً حول مصائر شعوب واقوام شبه القارة الهندية من جديد...!
قد يكون العامل المباشر في التصعيد الجاري حالياً بين دولتي شبه القارة الهندية النوويتين هو التفجيرات الاخيرة التي حصلت في الهند والتي وجهت نيودلهي اصابع الاتهام فيها الى حكومة اسلام آباد، لكن هذا ليس هو اصل الحكاية فالرواية الحقيقية لا تكتمل الا بقراءة بعض فصولها المحجوبة عن الانظار بسبب صراع الارادات الاقليمية والدولية المحيطة بالدولتين اللدودتين...!
فرغم كل التعثر الذي يرافق اعادة صياغة السلطة في الباكستان على قواعد جديدة بعيدة عن المعسكر الوهابي الارهابي اقليمياً والامبريالي دولياً من بعد فوز عمران خان برئاسة الحكومة هناك ، فان محاولة الصعود الباكستاني المستقل نسبياً عن دوائر القرار الدولي اثار ولا يزال حفيظة الهند الخصم اللدود لدولة المسلمين الجديدة الدخول الى نادي لعبة الامم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية...!
فباكستان عمران خان التي استقبلت محمد بن سلمان اخيراً والتي يراد لها من وجهة نظر امريكية وسعودية ان تصبح ولو في الظاهر "لاعباً اسلامياً " مناكفاً امام الجمهورية الاسلامية الايرانية
رافعة لواء المقاومة بوجه الارهاب الوهابي والاحتلال الصهيوني ، باتت تشكل من جديد بالنسبة للهند قوة يحسب لها حساب في الصراع الامريكي الروسي في شبه القارة الهندية ، وهذا ما يثير حفيظة الهند الواقعة في المدار الروسي عملياً منذ عقود...!
ولان حكومة عمران خان النازعة نحو استقلالية القرار النسبي عن واشنطن قامت مؤخرا في هذا السياق بتكثيف التنسيق السياسي مع الاتحاد الروسي في بعض الملفات الدولية ، فان ذلك زاد الطين بلة بالنسبة للهند التي تعتبر نفسها الدولة الاكثر رعاية لدى الروس منذ زمن الحرب الباردة الامريكية السوفياتية فكيف تدخل الباكستان الى حرمها الدولي هذا دون استئذان ...!
من جهة اخرى فان التحولات الجيو سياسية والجيواستراتيجية بين اسلام آباد و بكين من زاوية الطاقة او الطرق والمواصلات براً وبحراً او من زاوية تنامي المشاورات السياسية التي هي اصلا محكمة بين الجانبين منذ امد بعيد قد وضعت الباكستان من جديد حليفاً لا يمكن تجاهله للصين الصاعدة عالمياً فان من شأن ذلك ان يثير حفيظة الهند ايضاً لانها سترى نفسها بين كماشتي واشنطن وبكين من جديد ...!
كل ذلك جعل نيودلهي اكثر تحفزاً لعمل اي شئ يوقف هذا الصعود الباكستاني الاقليمي والدولي المستفز ...!
ثم ان الهند التي تعتبر الباكستان بالاساس وليداً غير شرعياً خرج من رحمها قسراً في نهاية الحرب الكونية الثانية ، فكيف بها ان تتحمل هذا الوليد وهو يتحول امام عينيها كائناً شرعياً بنظر الدول الكبرى ، بل ولاعباً اقليمياً وقوة وازنة في الصراعات الدولية ، اضافة الى تقدمه بخطى واعدة باتجاه ابواب الدخول لمجموعة البريكس و منتدى شانغهاي اللتين تعتبرهما الهند جزءاً من الحيز الحيوي لها دولياً ...!
في مثل هذه اللحظة التاريخية الباكستانية الصاعدة يصبح من غير المهم لدولة تاريخية عريقة مثل الهند ان تظهر امام العالم متهمة في كسر قواعد الاشتباك التاريخي - التي تمنع التفجير - والتي حكمت البلدين المتنازعين على الحدود منذ توقف القتال بينهما حول اقليم كشمير منذ عقود ، ولتكون هي البادئة بالقصف الجوي على الاراضي الباكستانية سيما وان الذريعة جاءت مؤاتية اي مكافحة الارهاب وتحت مسمى قصف معسكر " جيش محمد" الذي تتهمه نيودلهي بانه يقف وراء تفجيرات الهند الاخيرة ...!
انها لحظة تبدل موازين القوى في اكثر من ساحة دولية وشبه القارة الهندية ليست استثناءً في هذا العالم المتحول في كل لحظة وكل حين..!
بعدنا طيبين قولوا الله