ماذا تعني عودة مشاهد الارهاب الدموي إلى العراق؟
عادل الجبوري
خمسة أيام فقط لا أكثر، فصلت بين حادثة اختطاف اثني عشر مواطناً كانوا يجمعون الكمأ في صحراء منطقة النخيب غرب محافظة كربلاء، وحادثة اختطاف خمسة من صيادي الأسماك في منطقة الثرثار التابعة لمحافظة الانبار.
الحادثة الأولى وقعت في الثامن عشر من شهر شباط - فبراير الماضي، وانتهت بقتل ستة من المخطوفين، قيل إنهم ينحدرون من محافظة النجف الاشرف، وتحرير الستة الآخرين المنحدرين من الانبار، أما الحادثة الثانية، فقد وقعت في الثالث والعشرين من الشهر ذاته، وانتهت بقتل كل المخطوفين، الذين هم من محافظة النجف الاشرف أيضا، حيث عثرت الأجهزة الأمنية على جثثهم بعد وقت قصير من اختطافهم.
وحتى كتابة هذه السطور، لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن تلك العمليات، لكن مجمل المؤشرات تذهب الى أن تنظيم "داعش" الارهابي، هو الذي يقف وراء ارتكابها، وربما يعلن عن تورطه بعمليات الخطف والقتل الأخيرة خلال الأيام القليلة المقبلة، وربما لن يعلن عن ذلك، لأسباب ودواع معينة.
ولكي تتضح وتتجلى مختلف أبعاد صورة المشهد بكل خطوطها وملامحها، وألوانها ومعالمها، لا بد من الإشارة الى جملة أمور وحقائق تتداخل في توقيتاتها وامتداداتها الزمانية.
أولى وأهم تلك الحقائق، هي أن حوادث الخطف والقتل الأخيرة، وقعت في مناطق شهدت، في ظل التردي الأمني واستفحال النشاطات الارهابية قبل بضعة أعوام، عمليات عديدة مماثلة، طالت عناصر أمنية، وسياحاً وحجاجاً ورياضيين، وقد اختفت مثل تلك العمليات تقريبا، بفضل التحسن الكبير في الأوضاع الأمنية في عموم البلاد، لا سيما المدن والمناطق التي كانت خاضعة بنسبة عالية لسيطرة ونفوذ الجماعات الارهابية المسلحة.
ولا شك أن عودة عمليات الخطف والقتل الى تلك المناطق، وبالتزامن مع عمليات تفجير واغتيالات وخطف في مدن ومناطق أخرى، مثل سامراء وكركوك والموصل والشرقاط، وبالتزامن مع تحركات مريبة للقوات الاميركية في المساحات المتاخمة للحدود العراقية - السورية، ناهيك عن ظهور استفزازي لعناصر وتشكيلات عسكرية أميركية في بعض المدن العراقية، خلال الأونة الأخيرة، يثير تساؤلات واستفهامات جدية ومقلقة عن حقيقة ما يجري ودلالات توقيته.
وثمة حقيقة أخرى، تفرض التوقف عندها طويلاً، تتمثل في أن الحوادث الأخيرة جرت ضمن رقعة جغرافية محددة، وفترة زمنية قصيرة، وبطريقة واحدة، مستهدفة عناصر من شريحة اجتماعية بسيطة وبعيدة عن الأجواء والمناخات السياسية وما يتعلق بها من ظروف وملابسات. أضف الى ذلك، أن تصفية المخطوفين من مكون مذهبي معين والمنتميين لمحافظة النجف الأشرف، مقابل اطلاق سراح زملائهم من محافظة الأنبار، يعني أن الجهة التي تقف وراء تلك العمليات، تسعى الى اشعال نيران الفتنة الطائفية من جديد، بعدما تم اخمادها ودفع شرورها وخطرها عن البلاد، وازاء ذلك، من المهم جداً البحث والتدقيق والتحري فيمن يمكن أن تكون له مصلحة في تكرار سيناريوهات الارهاب التكفيري الدموي الاجرامي في العراق، لا سيما بعد هزيمة تنظيم "داعش" الارهابي، بفضل تضحيات وجهود كل العراقيين من كافة العناوين والمسميات والانتماءات والتوجهات.
الحقيقة الثالثة، هي أن حصول خروقات أمنية بهذا المستوى الخطير الذي يتسبب بسقوط ضحايا من المدنيين الابرياء، ويخلق أجواء من الارتباك والقلق والفزع، خصوصاً في المناطق والمدن التي شهدت حصول الخروقات، يؤشر الى أن هناك خللاً وضعفاً في اداء المنظومة العسكرية والاستخباراتية العراقية، يعود إما لنشوء حالة من التراخي والاطمئنان غير المحمود لدى بعض من مفاصل هذه المنظومة بعد تحقيق الانتصار على "داعش" الارهابي، أو انها -اي المنظومة- مخترقة بمستوى يؤدي الى تعرض البلاد لمخاطر حقيقية.
وفي كل الأحوال، فإن الامر يتطلب مراجعات دقيقة، تشخص مواضع الضعف، وتعمل على معالجتها وتلافيها، من خلال تعديل وتغيير الخطط والسياقات الأمنية المتبعة، بالشكل الذي يكفل ضرب بؤر الارهاب، وتفكيك خلاياه، وقطع خطوط اسناده وتمويله.
ويفترض ان تأخذ المراجعات المطلوبة بعين الاعتبار كل دقائق الأمور وتفاصيلها على أرض الواقع، من قبيل أعداد الارهابيين الذين يتسللون عبر الحدود العراقية السورية من سوريا الى العراق، والمناطق التي يتوجهون اليها ويستقرون فيها، وخطوط امدادهم، وطبيعة الجهات التي توفر لهم الغطاء والحماية.
وهنالك أرقام مقلقة توردها أوساط أمنية واعلامية داخلية وخارجية عن أعداد الدواعش الذين فروا من سوريا باتجاه العراق خلال النصف الثاني من العام الماضي وبدايات هذا العام، وحجم الدعم الذي حصلوا عليه من القوات الاميركية، وما يخططون له للمرحلة المقبلة.
مثل تلك المراجعات المستندة الى الحقائق والمعطيات الدقيقة على الارض، يمكن أن تساهم بقدر كبير في الحؤول دون الانزلاق مرة أخرى الى دوامة العنف والارهاب الدموي التكفيري.
وقد تكون عمليات الاختطاف الأخيرة، والتفجيرات والاختراقات في أكثر من مكان، بمثابة جرس انذار، وتحذير مما يمكن أن يحصل لاحقاً فيما لو لم يتم تدارك الخطر. ولا شك أن العودة الى الأوضاع الأمنية السابقة -لا سمح الله- تعني تفريطاً بكل المنجزات والمكاسب والانتصارات المتحققة، وتبديداً لكل التضحيات المبذولة، وهذا ما لا ينبغي أن يحدث.