فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة
جميل ظاهري
فاطمة هي فاطمة، وما أدراك ما فاطمة عليها السلام.. هي الزهراء، الحوراء، الأنسية، الزكية، الراضية، الطاهرة، المباركة، المحدَثة، الكوثر، أم أبيها، سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها و... تلك هي فاطمة الزهراء (ع) روح الرسول (ص) التي بين جنبيه كما كان يقولها ويعرفها خاتم الرسل والأنبياء نبي الرحمة ومنقذ البشرية وسيدها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى كما في القرآن الكريم "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى"- 3و4 النجم.
فاطمة الزهراء (ع).. هي الصديقة الكبرى، عقيلة الرسالة، عالية الهمة، العروة الوثقى، وعاء المعرفة، ينابيع الحكمة ومعدنها، عيبة العلم، مشكاة الانوار، سفينة النجاة، الشفيعة يوم القيامة و... كلمة الله التامة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكثير الكثير كما رواه الصحابة في صحاحهم ومسانيدهم وكتبهم ليس بعشرات بل بمئات الروايات المنقولة عنهم خاصة ما ذكروه عن زوجة النبي الاكرم(ص) عائشة وهي تقول: "ما رأيت قطّ أحداً أفضل من فاطمة (عليها السلام)"، و"ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً وحديثاً برسول الله (ص) في قيامه وقعوده من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقالت: "وكانت إذا دخلت على رسول الله (ص) قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي (ص) إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها"، وروي عنها ايضاً أنها قالت: "ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها (ص)" وقالت: "كان النّبي (ص) إذا قَدِم من سَفَر قبَّلَ نحرَ فاطمة (ع)، فقال: "منها أشمُّ رائحةَ الجنّة "، وعن عائشة: قال رسولُ الله (ص): "إذا اشتقتُ إلى الجنّة قَبَّلتُ نحرَ فاطمة "- جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ومثله في سنن الترمذي (باب فضل فاطمة بنت محمد) وفي الادب المفرد 519/1، وفي ينابيع المودة للقندوزي البلخي الحنفي، ومناقب الصحابة لأبي المظفر السمعاني ذخائر العقبى للطبري ص41و44، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ووسيلة المآل، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، ومجمع الزوائد، وسنن أبي داود (كِتَاب الْأَدَبِ- أَبْوَابُ النَّوْمِ- باب مَا جَاءَ فِي الْقِيَامِ) وغيرها من الكتب المستندة الاخرى.
لقد عجز الواصفون والكتاب والمفكرون والعلماء والفلاسفة عن وصف شخصية فاطمة الزهراء (ع) رغم مرور أكثر من أربعة عشر قرناً ورغم أنهم ابدوا آراءهم عنها حيث أنصفها البعض ببعض من جوانبها وهم يعرفون أنهم مهما كتبوا عنها (ع) لم يفوا بمقدار قليل مما قدمته من خدمات جلية وكبيرة وعظيمة في تثبيت الدين الاسلامي الحنيف حيث كانت السد المنيع الأول للحؤول دون انحراف الأمة بعد رحيل الرسول (ص) وقيام الفتنة في "رزية الخميس" وما دار ونتج عن "سقيفة بني ساعدة" في ذلك اليوم والذي كانوا قد خططوا له من قبل ليعودوا بالأمة الى عهد الجهالة والشرك والضلال والقبلية والعصبية لولا مطالبتها بإرثها المغتصب لتقر حق بعلها وأبن عمها الأمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة بعد النبي (ص) دون فصل وقالت ما قالت في خطبتها المعروفة التي حيرت عقول السابقين الحاضرين والقادمين من عباقرة العلم والفصاحة والبلاغة والأدب والخطابة للوقوف على بعض جوانبها، تلك الخطبة التي دفعت بالخليفة الأول يعترف بصراحة على ظلمه وظلم القوم لها وأغتصابهم لحقها وإرثها كما جاء في العديد من الروايات ومنها رواية ابن طيفور (المتوفي سنة 380 هـ ) قال: وحدّثني عبدالله بن أحمد العبدي عن الحسين بن علوان عن عطية العوفي انّه سمع أبا بكر يومئذٍ يقول لفاطمة (ع): يا ابنة رسول الله لقد كان صلّى الله عليه وآله وسلّم بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً وعلى الكافرين عذاباً أليماً ، وإذا عزوناه كان أباك دون النساء ، وأخا ابن عمّك دون الرجال ، أثره على كل حميم ، وساعده على الاَمر العظيم ، لا يحبّكم إلاّ عظيم السعادة ، ولا يبغضكم إلاّ الردي الولادة ، وأنتم عترة الله الطيبون ، وخيرة الله المنتجبون على الاَخرة أدلتنا ، وباب الجنة لسالكنا .وأمّا منعك ما سألت فلا ذلك لي ؟! وأمّا فدك وما جعل لك أبوك ، فإنّ منعتكِ فأنا ظالم !.
لم تكن فاطمة الزهراء (ع) امرأة عاديّة، فقد كانت امرأة روحانية ملكوتية، وإنساناً بتمام معنى الانسان، وامرأة بتمام حقيقة المرأة،حيث تجلّت فيها جميع الابعاد المتصورة للمرأة والمتصورة للانسان في فاطمة الزهراء(ع) وكانت موجودة فيها، ولم تتمكن الحروف والكلمات والاقوال والافكار والجهود التي قالوها وبذلوها من توصيف هذه الشخصية الفذة والفريدة في تأريخ البشرية جمعاء وطيلة القرون العديدة الماضية وتبيين عظمة تلك المرأة الصابرة في المحن، فأضحت الفتن وديعة الرسول (ص) وخامسة أهل العبا (ع) وستر الله الكبرى الذي انتهكوه بفعلتهم الشنيعة فالتحقت الى ربها وهي محترقة القلب، باكية العين، مضطهدة مظلومة، ممنوعة إرثها، مغصوبة حقها، مكسورة الضلع، مقتولة الجنين وهي واجدة على أبو بكر وعمر بعدما هجرتهما في حياتها كما ذكرته عائشة وجاء في- صحيح البخاري: 4 / 96(كتاب فرض الخمس)،الطبقات الكبرى لابن سعد: 2 / 315 و8 / 28، مسند أحمد: 1 / 6، وبما معناه في 1 / 214، 2 / 353، وفاء الوفاء للسمهودي: 3 / 995 و 996، مسند أبي عوانة: 4 / 251 ح6679، المصنف لعبد الرزاق: 5 / 472 ح 9774، وتاريخ الطبري: 2 / 236.
لقد كانت فاطمة الزهراء (ع) قائدة نموذجية ومثالية، والمرأة المناضلة صاحبة القضية والمدافعة عن انحراف الأمة وحرف الحقيقة وتزوير الحق وأكثرهم أكتراثاُ بمصير أمتها حيث جسدت الدور الحقيقي للمرأة القدوة والشاهدة تريد أن تخلق ذاتها بنفسها بنضالاتها الدائمة في مجتمعها عبر فكرها وسلوكها ومعيشتها ورسمت بأفضل الصور صيرورة المرأة الكاملة والواعية والعارفة والحكيمة والمؤمنة الصبورة.
وأضحت فاطمة الزهراء (ع) طيلة القرون الطويلة الماضية من استشهادها نبراساً للصمود والمقاومة والتضحية والفداء والتصدي للظلم والزور والتزوير فعاشها المقاومون والضعفاء والمظلومون عبر الزمن ورفعوا أسمها المبارك تعبيراً عن مطالبتهم بحقوقهم المغتصبة والمنزوعة على يد الفراعنة والجبابرة والديكتاتوريات السلطوية هنا وهناك وأضحت (ع) مناراً للحرية والعدالة ومنبراً لردع الظلم والطغيان والعصيان الألهي فكانت تكبر وتكبر ويكبر ذكرها الجلي واسمها المبارك على مر العصور والقرون وترادف وتحت الهراوات المدماة لخلفاء الجور وأمراء الظلم وحكام الطغيان وسلاطين العصيان، حتى تصبح بلسماً لجروح كل المقهورين والمحرومين والمضطهدين ليس من المسلمين فحسب بل من سائر الملل والنحل والاديان والعقائد والافكار هنا وهناك.
فكانت فاطمة الزهراء (ع) هذه الصديقة الطاهرة ولا تزال المعين للحرية والمطالبة بالحقوق والعدالة والنضال ضد الظلم والعنف والتمييز، وجزء لا يتجزأ من نور الرسالة، ودعامة أساسية من دعامات إيمان الأمة التي أريد لها الانحراف فتصدت له بحياتها الثمينة، وغدت سيرتها الطاهرة (ع) وظلامتها تتصدر كل ظلامة في التاريخ البشري؛ وكل مسيرة رسالية
جهادية.
ففاطمة الزهراء هي فاطمة وما أدراك ما فاطمة.. بذرة الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهي جوهر أهل البيت عليهم السلام الطاهر الذي شاء الله عزّ وجلّ له أن يكون مشكاة لنوره يسطع وهاجاً في ضمير الزمان لينير طريق الانسان على امتداد الدهور.